محلياتمن الصحافة

“انقسامات جافّة” سياسيّاً سبّبتها قضية أمل شعبان

تتفشّى الانقسامات السياسية الجافّة بين تيار “المستقبل” والحزب التقدمي الاشتراكي ولم يبلسمها وجود الرئيس سعد الحريري أسبوعاً في بيروت، بعدما كان الخبوّ بين الفريقين بدأ يلمح في الأروقة منذ الانتخابات النيابية الماضية، بعدما تجهّم التقدّمي من انسحاب “التيار الأزرق” وعدم تدخّله دعماً للوائحه في بيروت والشوف تحديداً. ولم تذبل المودّة كليّاً بين الفريقين طيلة أشهر انقطاع الحريري عن السياسة التقليدية، إلى أن اتخذ وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي قرار تعيين موظّفَيْن عن منصبَيْن كانت تشغلهما أمل شعبان بالتكليف قبل توقيفها ثمّ إخلاء سبيلها، وهي من أعضاء المكتب السياسي في تيار “المستقبل”.

أزعج الإجراء مناصري “المستقبل” ومحازبيه الذين اعتبروه استهدافاً سياسياً لم يتّخذ في وزارات أخرى. من جهته، عبّر وزير التربية عن أنّه لا يحقّ للموظفة أن تزاول عملها بعدما جرى إخلاء سبيلها بكفالة وحضرت إلى الوزارة من دون استئذانه، رغم أنّها قيد التحقيق. عملياً، لم تكن أمل شعبان السبب في برودة العلاقة بين المكوّنين السياسيّين لكنّها فاقمت الأوضاع المضطربة. واستناداً إلى معطيات “النهار”، لم يطلب الزعيم الدرزي وليد جنبلاط أو رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي تيمور جنبلاط موعداً للقاء الرئيس سعد الحريري في بيت الوسط خلافاً للعام المنصرم. ولم يحصل أيّ تواصل بين الجانبين طيلة وجود الحريري في لبنان. وكان رئيس تيار “المستقبل” اختصر الأجواء خلال دردشة خاصة حول العلاقة مع التقدّمي الاشتراكي في ضحكة استتبعها بالقول: “وليد هو وليد”. وتركت الضحكة دلالات معبّرة وتكاد تكون لها اعتباراتها بعيداً عن أيّ استطراد. وانتهى التعقيب عند هذا الحدّ.

يلقي الاشتراكيون اللوم على الحريري الذي لم يهتمّ من ناحيته في الاتصال بجنبلاط رغم العلاقة التاريخية بين المكوّنَين، وسط استفهامات مفادها “لماذا لم يتواصل سعد الحريري مع وليد جنبلاط طيلة فترة وجوده في بيروت؟ ولماذا على جنبلاط أن يتّصل بالحريري؟ ما الأسباب؟ ولماذا نسي الأخير الصداقة مع والده ثمّ مرحلة وليد جنبلاط النضالية؟ عندما تكون الذاكرة التاريخية ضعيفة إلى هذه الدرجة، هل ثمّة من حاجة للتواصل؟”. لا يحبّذ جنبلاط الدخول في تفاصيل قضية أمل شعبان طالما أنّ التقدمي لا يعتبر نفسه ممهّداً أو محفّزاً لإنهاء وجودها في منصبين كانت تشغلهما في التكليف. والحال هذه، إنّ تراجع وهج العلاقة بين الفريقين أبعد من مسألة أمل شعبان التي طرأت في الأسابيع الماضية. لم يتواصل وليد جنبلاط مع سعد الحريري، وكان ينتظر أن يتصل الحريري به أو يسأل عنه.

يتضاعف كلّ هذا الحديث عن قضية أمل شعبان في اعتبار أنّها تركت التداعيات الصريحة الأكثر ضرراً على العلاقة بين التقدّمي و”المستقبل”. في التفاصيل، أوقفت رئيسة دائرة الامتحانات وأمينة سرّ لجنة المعادلات للتعليم ما قبل الجامعي، نتيجة قرار قضائيّ حيال شبهات في قضية إثراء غير مشروع قبل أن يتمّ إخلاء سبيلها عبر كفالة. يقول وزير التربية إنّ أمل شعبان لا تزال قيد التحقيق وحصل أن توجّهت إلى الوزارة بعد خروجها من دون استئذانه هو الذي كلّف موظّفَيْن في المنصبَين اللذين شغلتهما بالتكليف. هي تعتبر حالياً موظفة باقية في وظيفتها الأساسية كأستاذة في التعليم الثانوي.

ولا يحبّذ وزير التربية التدخّل في الملفّ القضائيّ، لكنّه يقول إنّ المنصبين لم تكن تشغلهما الموظفة بالأصالة ما لا يحول من دون اتخاذ إجراءات إدارية لا سياسية. يضاف إلى ذلك أنّ العلاقة بين عباس الحلبي وأمل شعبان ليست في أوجها. من النقاط المتعارف على حقيقتها في الملفّ أيضاً، أنّ الأخيرة لها دورها السياسي ويقدّرها رئيس تيار “المستقبل” شخصياً. لذلك، سبّبت إقالتها حساسية غير مسبوقة.

في صريح العبارة المتناقلة في أروقة إعلام تيار “المستقبل”، إنّ العلاقة ليست على ما يرام مع الحزب التقدمي الاشتراكي تحديداً بعد قرار الاستعاضة عن أمل شعبان الذي لم يطوِ “المستقبليون” تبعاته حتى اللحظة. ولا يُستحسن “المستقبل” ما يعتبره بمثابة تضييق غير مسبوق على المواقع التي يشغلها موظّفون محسوبون على فريقه السياسي في غير وزارة وإدارة عامّة. ولن يتوانى تيار “المستقبل” انطلاقاً من إعلامه الرسمي عن التصدّي لما يعتبره بمثابة استهدافٍ لحضوره. ويتساءل عن الأسباب التي تجعله وحيداً في منصّة المحاربة، وإذا كان ثمة من يستطيع إبعاد أيّ موظّف عن موقعه الوظيفي في حال كان محسوباً على جهة نافذة سياسياً في الداخل اللبناني حالياً. ويشجب اعتقاد البعض أنّ في استطاعته التعامل مع تيار “المستقبل” على أنّه خارج المعادلة الوطنية.

من ناحيته، يقول النائب السابق محمّد الحجّار إنّ “ما يحصل كيد وإحجام لاستهداف بعض مواقع تيار “المستقبل” في اعتبار البعض أنّ دوره انتهى سياسياً، ما لا ينحصر في قضية أمل شعبان الشابة المارونية، بل في مناصب أخرى منها المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بعدما جرت محاولات سابقة لاستهداف “المستقبل” أيضاً من قوى سياسية”، معتبراً أنّ “ضغوطات ربما حصلت من “الثنائي الشيعي” للاستعاضة عن أمل شعبان بعدما ساهمت في كشف قضية تزوير الشهادات للطلاب العراقيين”. هكذا يعبّر “المستقبل” عن امتعاض صارخ على نطاق قواعده الحزبية والجماهيرية التي اعتبرت أنّها استُهدفت من التقدّمي.

وهناك علامات استفهام مطروحة على قاعدة “ماذا لو كان تيار “المستقبل” قد اتخذ إجراءً مشابهاً في حقّ أحد موظفي الوزارات المحسوبين في انتمائهم السياسي على الحزب التقدّمي الاشتراكي؟”. لا يلغي ذلك أنّ هناك تعويلاً على استعادة العلاقة التاريخية بين حلفاء الأمس في مرحلة مقبلة… لم تتضح معالمها حتى اللحظة.

النهار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى