زيارة بوريل إلى بيروت.. هل من مبادرة متكاملة؟!
لم تَشأ المراجع الديبلوماسية الاوروبية والغربية التوغل كثيرًا في ما انتهت إليه زيارة الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إلى بيروت، فهي تؤكد أنها زيارة لا بد منها في ظل النقاش الدائر في مجموعة الدول الأوروبية السبعة والعشرين، التي يتكوّن منها الاتحاد، على خلفية التناقضات الجديدة حيال ما يجري في جنوب لبنان وقطاع غزة، وخصوصًا على مستوى العدوان المتمادي على أهلها منذ ثلاثة أشهر والمجازر التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي نتيجة الاستخدام المفرط للقوة في مختلف محافظاته ومدنه، كما في الضفة الغربية حيث تعددت الاجتياحات للمدن ومعها الاعتقالات وعمليات الإعدام المباشرة.
فالجميع يدرك أنّ ما انتهت إليه هذه العمليات العسكرية من فظاعات غير مسبوقة لم تشهدها أي حرب أو أي عملية عسكرية في العالم منذ مطلع القرن الواحد والعشرين، باستثناء تلك التي امتدت لسنوات عدة كما حصل في العراق وسوريا واليمن وأوكرانيا.
وفي اعتقاد الديبلوماسيين الأوروبيين خلال حديث لـ”الجمهورية” أنّ ما يجري غير مفهوم في بعض من جوانبه، ذلك أنّ بعض العمليات التي صنّفَت على لائحة “الموجعة” التي قام بها الطرفان لم تغيّر في مجرى الأحداث بمقدار كبير يترجم حجم المخاوف التي عبّروا عنها. فاغتيال 5 من قياديي “حزب الله” في بيت ياحون لم يتسبّب بأيّ تحوّل كان منتظرًا بعد العملية. وإن أراد البعض تشبيهها بالجريمة التي ارتكبت في حق الجدة وحفيداتها الثلاث على طريق بلدة عيناتا الجنوبية، يكتشف أنها كانت أخطر بكثير ممّا جرى في بيت ياحون. وإن تذكّر البعض أنها قادت بالرئيس الاميركي جو بايدن إلى إيفاد مستشاره الشخصي عاموس هوكشتاين من قطر إلى بيروت في مهمة عاجلة، للتأكيد أنه من غير المقبول أن يحصل ما حصل، رابطاً موقفه بضرورة ضبط النفس لأنّ استهداف المدنيين كان خطأ فظيعاً ولن يتكرر. وهو أمر ينسحب على الاعتداء الذي أدى إلى استشهاد أحد العسكريين اللبنانيين في بلدة العديسة قبل شهر تقريبًا، ودفعَ بالجيش الاسرائيلي إلى الاعتذار، لافتًا إلى أنّ ما جرى كان خطأ وهو ما كان ليحصل لولا قيام مسلحين بتحركات مريبة في جوار موقع الجيش اللبناني.
وإن تناولت القراءة الأممية والديبلوماسية لعملية اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” الشيخ صالح العاروري، فقد أعطت هذه المراجع أهمية للموقف الإسرائيلي، الذي وإن لم يَتبنّ العملية العسكرية أو ينفيها بشكل رسمي، فقد كان مُصرّاً على القول انها لم تستهدف لا لبنان ولا حزب الله، وما جرى كان تنفيذاً للأوامر التي أعطاها رئيس حكومة الحرب بنيامين نتنياهو إلى جهاز «الموساد» بملاحقة قادة حماس وقَتلهم أينما وجدوا في مختلف أنحاء العالم، ولهذه الغاية فقد تمّ الربط عند الحديث عن دقة العملية عند اختيار موعد تنفيذها في اللحظة التي غادر فيها مسؤولو الحزب اللقاء الذي كان مُنعقدًا مع العاروري ليكون المستهدفون من «قادة حماس» دون سواهم. وطالما أنه لم يجر أي تحفظ أو نفي لهذه المعلومة فإنها قد تكون دقيقة وصحيحة.
وانطلاقاً من هذه المؤشرات السياسية والديبلوماسية وغيرها، فإنّ زيارة بوريل لبيروت جاءت في خضم هذه الأجواء من دون أن يتقدم بأي مبادرة متكاملة.