محلياتمن الصحافة

لماذا لم يعلن حزب الله الحرب الشاملة على إسرائيل؟

كتب إيليا ج. مغناير في “الراي الكويتية”:

كثر الحديث والتساؤلات حول أسباب امتناع «حزب الله» عن اغتنام الفرصة والانغماس كلياً في معركة «طوفان الأقصى» والاكتفاء بدور النصرة والإشغال والدعم، خصوصاً أن جيش الاحتلال الإسرائيلي منشغل على الجبهة الجنوبية مع قطاع غزة، ويجد صعوبةً في تحقيق أهدافه بالقضاء على حركة «حماس» وتحرير المحتجَزين.

وقد أخذ الكثيرون في لبنان والعالم العربي، على «حزب الله» كلامَه وتصريحاته السابقة حول الهجوم على المستوطنات والجليل ووحدة ساحات «محور المقاومة» وتَضامُنها لتوجيه ضربة قاضية لإسرائيل، لاسيما أن الحزب يملك أكثر الأسلحة تطوراً وتدميراً الكفيلة بالتسبب بجروح قاتلة للكيان الصهيوني.

فما الأسباب الرئيسية التي حالت دون الانخراط الكامل لـ «حزب الله» في الحرب؟

بغض النظر عن دخول الحزب المعركة منذ الثامن من أكتوبر الماضي وسقوط نحو 80 من عناصره «على طريق القدس»، إضافة إلى مقتل عدد من المدنيين، وجذْبه إلى الحدود اللبنانية، ثلثَ تعداد القوة الإسرائيلية الجاهزة للحرب، وأكثر القوة الجوية والبحرية التي لم تعد تحتاج إليها القوات المحتلة لشمال غزة، إلا أن عدداً لا يُستهان به من الشعوب العربية لم تَكْفِه هذه الخطوات، بل رغب في مشاهدة الحزب يخوض حرباً شاملة على إسرائيل.

وبين هؤلاء مَن أراد مشاهدة إسرائيل تنهزم وتصاب بجروح مميتة، وآخرون راهنوا على رؤية ضربة قاسية تُوجّه إلى الحزب وبيئته الحاضنة لأسباب عدة.

إضافة إلى ذلك، لا شك في أن هناك أصواتاً عدة داخل بيئة وقيادة «حزب الله» (ليس من باب المعلومات بل التحليل) أرادتْ اغتنامَ الفرصة المُناسِبة التي، في اعتقادهم، لن تتكرر، خصوصاً من الناحية العسكرية، على قاعدة أن فتْح الجبهتين الشمالية (مع لبنان) والجنوبية سيربك غرفة العمليات الإسرائيلية – الأميركية ويضغط على الإمداد اللوجستي الإسرائيلي لدعم القوات المُحاربة، وكذلك على الولايات المتحدة، في ما يتعلق بإمداد تل أبيب بجسر جوي أكبر وإرسال القذائف المُناسِبة التي سيحتاج إليها الجيش الإسرائيلي.

إلا أن هناك نقاطاً أخرى لم يلتفت إليها هؤلاء. فالسؤال الأول الذي يَطرح نفسه هو الآتي: هل دخول «حزب الله» في حرب شاملة سيوقف الحرب على غزة ويمنع قيام منطقة عازلة في الشمال؟ وهل سيجعل هذا الدخول اسرائيل تدمّر أقلّ مما دمّرت في الأسابيع الماضية؟

الجواب الذي أعطاه أكثر من مسؤول في «حماس»، هو النفي، وأن إسرائيل وأميركا ستكونان منشغلتيْن على جبهتين تدميريتيْن ضد غزة ولبنان، لأن القوة العسكرية الأميركية الموجودة في إسرائيل، تعمل كقوات اختصاصية وتنسيقية للتعامل مع جبهات عدة.

فمنذ اليوم الأول للحرب، في السابع من أكتوبر، أعلن القائد العسكري في «كتائب القسام»، الجناح العسكري لـ «حماس» محمد الضيف، عن العملية وطلب من «محور المقاومة» في لبنان وسورية والعراق واليمن التدخل لفتح الجبهات كافة. وهذا ما دَفَعَ واشنطن لإرسال وحداتها الخاصة والاختصاصية إلى إسرائيل، وكذلك قوةً بحريةً مؤلفة من حاملتي طائرات وغواصات وقوات بحرية أخرى ووحدات خاصة، لاقتناعها بأن كل الجبهات التي تحدّث عنها الضيف ستُفتح على إسرائيل دفعة واحدة.

وتالياً، فإن القوات الأميركية التي أخذت على عاتقها التعامل مع الجبهات المتعددة، لم تكن لتَحضر لولا اقتناعها بأن هناك تنسيقاً مسبقاً لتوقيت العملية التي حدثت يوم السابع من أكتوبر، والتي أعلن الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله «عدم علم محور المقاومة ولا حتى الجهاد الإسلامي في غزة بتوقيت المعركة الذي اختارتْه حماس لوحدها».

فالإعلان عن التوقيت يتطلّب أكثر من تصريح إعلامي، بل درساً للظروف التي تتعلق بكل طرف في «محور المقاومة» وإمكاناته وكذلك الأهداف التي يمكن تحقيقها.

بالنسبة لـ «حماس»، لديها هدف واضح وهو إعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة الاهتمام وإطلاق سراح أكثر من 7000 أسير في السجون الإسرائيلية ووقْف همجية الحكومة الإسرائيلية الحالية التي قضت على أي أمل بإقامة دولة فلسطينية، خصوصاً بعدما أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن اتفاق أوسلو (1993 و1995) قد مات، وأَظْهَرَ على منبر الأمم المتحدة خريطة، لا وجود لغزة والضفة الغربية عليها.

إضافة إلى ذلك، فإنه أوعز لجيشه بالتنكيل والاعتقال والقتل في مخيمات الضفة وقضْم الأراضي من دون رادع دولي يوقفه على امتداد سنوات حكمه وهي أكثر من 16 سنة.

أما تحقيق هدف «القضاء على اسرائيل وتدميرها»، فلن تستطيع «حماس» ولا «محور المقاومة» تحقيقه.

وإعلان الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد كان كلاماً شعبوياً ليس إلا. فإسرائيل تملك قدرات نووية وقوة عسكرية ضخمة وتعتبر أن المخازن والجنود والقوات الأميركية هي امتداد لها.

فلا يمكن لجْمُ إسرائيل وفرْض السلام عليها وإعطاء الفلسطينيين حقوقهم ووقف قتل وسجن المدنيين وقضم الأراضي الفلسطينية ومخالفة قرارات الأمم المتحدة ما دامت أميركا قوية ولا توجد قوة أخرى تتمتع بنفوذ دولي وتستطيع فرْضَ تنفيذ ذلك عليها، قوةٌ لديها ثِقل في الشرق الأوسط ومصالح تستطيع من خلالها إلزام واشنطن بجعل تل أبيب تتقيّد بالقوانين الدولية وتُعيد إلى الفلسطينيين حقوقهم.

الانتصار بـ «النقاط»

إذاً فإن الانتصار على إسرائيل هو بـ «النقاط»، كما قال نصرالله. وهي رسالة للصديق والعدو. فتَراكُم العمليات هو انتصار لـ «حماس» على إسرائيل، وضربُ استقرارها يعطي رسالةً للعالم بأن هذه الرقعة على الخريطة الدولية لن تشهد استقراراً ولا يمكن الاعتماد على مشاريع دولية تشملها مثل طرق بديلة لـ «طريق الحرير» الصينية، كما حاولت أميركا الترويج.

بالإضافة إلى ذلك، فإن نصرالله يقول للجيش الإسرائيلي إن قهره ممكن ومفاجأته ممكنة وإن حالة اللايقين التي زُرعت في عقول ونفوس المستوطنين، لن تتبدّد بسهولة أبداً.

كما أن كلام الأمين العام، ينطوي على رسالة للعدو بأن الحرب لن تكون شاملة بل بالإشغالات الحدودية والضربات الدقيقة.

وقد وصل «حزب الله» إلى مرحلةِ الحرب، عندما قَصف في يومٍ واحد عشرات الأهداف، موقعاً أكثر من 10 قتلى و31 جريحاً إسرائيلياً، بينهم 6 مدنيين، ولم تصرح تل أبيب عنهم.

وهذا ما دَفَعَ وزير الدفاع يوآف غالانت للاستعداد للحرب، قبل أن يتدخّل الوسطاء الأميركيون الذين حضروا إلى لبنان ووجّهوا رسائل إلى «حزب الله» لمعرفة أهدافه وإذا كان الرد القاسي كانت أسبابه الضربة الإسرائيلية في حمص (سورية) التي أوقعت 7 من «حزب الله» والضربة التي قُتل فيها 4 مدنيين (3 طفلات وجدتهن) في جنوب لبنان، بحيث بدا أن هذا الرد على إسرائيل جاء متناسباً ومتوازياً مع ما أحدثتْه هي من خرْق لقواعد الاشتباك.

وهكذا مُنعت المعركة الكبرى على الحدود اللبنانية التي اقتربت من حافة الهاوية والتدحرج إلى حرب شاملة. وهذا ما يعني الانتصار بالنقاط وفرض «معادلة الردع» من جديد كي لا تتمادى إسرائيل وتضرب العمق اللبناني ومراكز «حزب الله» في سورية.

وتالياً، فإن سلاح «حزب الله» المتطوّر يمثّل قوةً رادعة لمنع الحرب وليس لشنّها. وهذا ما دَفَعَ بأميركا لإيصال رسالة أخرى بأن قواتها التي أحضرتْها إلى الشرق الأوسط ليست لمحاربة الحزب. لكن إذا استخدم سلاحَه وأفرغ مخازنه على إسرائيل، فإن أميركا التي طالما شاركت في حروب إسرائيل على لبنان، لن تتأخّر في التقاط هذه الفرصة. وهذا ما لا يخدم مصلحة تَوازُن الردع الذي فُرض على العدو.

نعم، طلبت «حماس» – بحسب مصادرها القيادية – من «حزب الله» المشاركة في الحرب منذ الأيام الأولى، ولكنها عادت واقتنعت بأن الجبهة الشمالية لن تردع إسرائيل عن الجبهة الجنوبية. وهي التي طلبت – وفق مصادرها – من نصرالله الخروج إلى العلن ليشرح ما فعلتْه «حماس» ويعبّر بطريقته عن الأسباب التي دفعت لذلك. وهذا ما فعله بأسلوبه وطريقته التي اعتبرتْها الحركة أكثر من كافية، خصوصاً انه جذب المئات من القنوات الإعلامية لخطابٍ لم تكن «حماس» لتستطيع أن تعبّر عنه.

أهداف مهمة

لكن «حزب الله» استطاع تحقيق أهداف مهمة: فقد أزال الاحتقانَ المذهبي الذي ولّدتْه الحرب في سورية والعراق ومشاركته فيها، ولاسيما أن «حماس» لم تلقَ أي دعم عسكري ولا إشغالاً للجبهة من أحد، مثلما قدم «حزب الله» الذي أجْلى الآلاف من سكان جنوب لبنان بسبب تضامُنه العسكري مع غزة.

كما أن الحزب استخدم أسلحة جديدة واختبرها في ساحة المعركة ليرى مدى تأثيرها على العدو.

واختبرَ أيضاً رد إسرائيل على ضرباته واستعماله للمسيَّرات وطريقة عملها، وأَخَذَ العِبر من إدارة الحرب وإيجاد الطرق المناسبة لإعماء القدرات العسكرية الإسرائيلية، واستخلص دروساً في ما خصّ قوة العدو وما يستهدفه من بنى تحتية وما يعتبره «مناطق رخوة» في جنوب لبنان يمكن التوغل فيها.

كذلك اختبر «حزب الله» الأسلحة المناسبة المضادة للمسيَّرات والطيران وكيفية التملص منها لتخفيف الخسائر البشرية، فيما أبقى على أسلحة أخرى لم يستخدمها في هذه الحرب.

كما ان الاقتصاد الإسرائيلي يعاني تدهوراً مهماً بفعل ما تَسَبَّبَتْ به الحرب، وتالياً فإن استعادة ضخّ وبيع الغاز بعد توقّف شهر كامل لدعم الاقتصاد، يجعل من منصاته العائمة الهدف المفضّل في الحروب المقبلة.

لقد تجنب لبنان حرباً شاملة كادت أن تشعل البلاد لولا التدخل الأميركي. لكن الحرب على غزة لم تنتهِ بعد لأنها ما زالت تتعثّر في الجزء الشمالي من القطاع. وتالياً، ما زالت كل الاحتمالات على الطاولة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى