وقف “التأمين” على البواخر الآتية إلى لبنان: الغذاء بخطر؟!
لكل أزمة طريقتها بالانعكاس على السوق اللبناني، وتحديداً تلك المتعلّقة بتوفُّر السلع الغذائية ومنها السلع الاستراتيجية التي تمسّ بالأمن الغذائي، وفي مقدّمتها القمح وأنواع الحبوب. استيراد هذه المواد شهد منعطفاً صعباً منذ بداية الأزمة الاقتصادية، التي تسارعت منذ نحو 4 سنوات. واختبَرَ اللبنانيون فصول مسلسل إخفاء السلع المدعومة ورفع أسعارها، بحجّة عدم توفّر الدولار للاستيراد والاضطرار لشرائه من السوق السوداء. تلك المعاناة التي لا تزال محفورة جيّداً في أذهان اللبنانيين، أتى مَن يزيدها ويساهم في طرح التساؤلات حول ما قد تؤول إليه الأمور في حال حصول الأسوأ، خصوصاً وأن الحرب باتت على كلّ لسان، والتصعيد العسكري على الحدود الجنوبية، لا يلغي احتمالاتها.
وقف تأمين الحرب
خشية اللبنانيين حيال شحّ توفُّر السِلع الغذائية الأساسية، أصبحَت مضاعفة مع إعلان وقف شركات التأمين تغطية أضرار الحرب التي قد تصيب بواخر الشحن الآتية إلى لبنان. وخبرٌ كهذا، كفيل بإقفال أبواب المستودعات حفاظاً على المواد الموجودة داخلها، بانتظار اتّضاح الأمور أكثر، وبانتظار رفع الأسعار وتحقيق الأرباح.
حتى الآن لا حرب مؤكّدة. لكن تصاعد وتيرة الحرب على غزّة في فلسطين، وترابط مسارها مع ما قد يحصل على الحدود مع لبنان، دَفَعَ إحدى أكبر شركات التأمين في المنطقة، وهي شركة عربية مقرّها في دولة خليجية إلى “إرسال رسائل إلكترونية إلى شركات التأمين اللبنانية، تخبرهم بأنها أوقفت عملية التأمين على السفن الآتية إلى لبنان. وتلك الشركة تتعاون معها الشركات اللبنانية لتغطية تأمين الشحن البحري”، وفق ما يؤكّده رئيس جمعية شركات الضمان (التأمين) أسعد ميرزا.
ومع أن الشركة “طمأنت” عملاءها إلى أنها “ستدرس كل حالة على حِدة”، أي أنها ستراعي بعض الحالات التي قد تجدها صالحة لتنفيذ عقد التأمين، إلا أن قراراً بهذا الحجم، وبالتزامن مع حالة التوتّر العسكري في لبنان والحرب في فلسطين “يعني بأن الشركة لن تقوم بالتغطية”.
في السياق، يؤكِّد ميرزا في حديث لـ”المدن”، أن هذا القرار يعني “ترك الخيار للتجّار في استيراد البضائع وتحمُّل النتائج. وبهذا الحالة، فإن عقد التأمين الموقَّع بين التاجر وشركة التأمين، لن يتضمَّن تغطية الأضرار الناتجة عن الحرب، ومنها تعرّض السفينة للقصف مثلاً”. واللافت للنظر أنه في حالات مماثلة سابقاً، لم تُلغِ الشركة تأمين الحرب “بل كانت ترفع سعر التأمين فقط. واليوم ترفض التغطية كلياً”.
ويشير ميرزا إلى أن “القرار يشمل طلبات التأمين الجديدة وليس القديمة”، بمعنى أن لا مفعول رجعياً لها “فالبضائع المغطّاة بموجب عقود التأمين السابقة، مشمولة بتغطية تأمين الحرب، لكن الشركات لن تقوم منذ هذه اللحظة، بتضمين عقود التأمين، بند تغطية الحرب”.
ارتفاع أسعار المواد الغذائية
مع كلّ “مطبٍّ” سياسي واقتصادي وأمني، تتّجه الأنظار نحو المواد الغذائية. وتشخَص العيون أكثر نحوها في أوقات الحرب لا السِلم. وبالقرار المتعلِّق بعدم تغطية أضرار الحرب التي قد تصيب بواخر الشحن البحري، لا يُستَبعَد ارتفاع أسعار المواد الغذائية وانتشار السوق السوداء وارتفاع وتيرة التخزين العشوائي لدى التجّار، ثم المستهلكين خوفاً من انعدام توفُّر بعض المواد.
ومع تأكيد ميرزا للتأثير المباشر للقرار على الأسعار، يرى بعض المستوردين في حديث لـ”المدن”، أن الانعكاس الطبيعي لهذا القرار “سيظهر أولاً في أسعار السلع”. علماً أن ميرزا أوضح بأن العقود الجديدة لن تُشمَل بالقرار، أي أن المواد المستورَدة وفق العقود السابقة، لن تتأثَّر أسعارها، لكن الجشع أقوى.
ومع ذلك “ليس من المفترض أن ترتفع الأسعار لأن المخازن، وخصوصاً في الجنوب، فيها مخزون كافٍ، فالتجار يخزّنون في الأحوال العادية. ومسألة رفع الأسعار وإخفائها تبقى في إطار غياب الضمير لدى بعض التجّار، ولا علاقة لها بقرار التأمين على الحرب”.
وزارة الاقتصاد جاهزة؟
لم تطَّلِع وزارة الاقتصاد بعد على قرار وقف التأمين على أضرار الحرب. لكنّها تتحضَّر لمواجهة تداعيات الحرب على مستوى توفُّر المواد الغذائية. وحسب ما قاله مدير عام وزارة الاقتصاد محمد أبو حيدر، فإن “الوازرة بدأت جولاتها في الجنوب على المستودعات للتأكُّد من وجود السلع الاستراتيجية. وعملت الوزارة على تسجيل كمياتها وأنواعها وأسعارها ليتم مراقبتها وتحديدا ما إذا كان هناك تلاعباً في الأسعار او تخزين كميات من المواد بهدف احتكارها”. وبالنسبة لما يقوله أبو حيدر لـ”المدن”، فإن إجراءات الوزارة “تصبُّ في خانة معالجة تأثيرات قرار شركات التأمين، سواء حصلت الحرب أم لا”.
هو تصعيدٌ استباقي إذاً، يُنذر بأن الأوضاع ليست على أفضل ما يُرام. وإن لم تقع الحرب العسكرية، فالأضرار الاقتصادية الآتية على هامشها كفيلة بزيادة الضغط على لبنان الذي “باتت تعتبره شركات التأمين بلداً خطراً كفلسطين”، حسب ما جاء في الرسالة الإلكترونية التي تبرّر وقف التأمين على الحرب. أما التجّار، فسيتلقّفون الرسالة ويستوعبون مفاعيلها ليفرضوا على المستهلكين “ضريبة حربٍ” على الأسعار.