كتبت ميريام بلعة في “المركزية”:
استبشر اللبنانيون خيراً بعودة النمو الاقتصادي إلى منحاه التصاعدي مع تخطّي أزمة انهيار العملة الوطنية وتدهور الوضع الاقتصادي، عبر استنباط نشاطات ومشاريع مستحدَثة في قطاعات عديدة، وتعزيز الحركة السياحية، وغيرهما.
لكن المخاطر الأمنية عادت هي أيضاً وأضفت جواً من عدم اليقين المَشوب بالخوف والقلق من المستقبل القريب بفعل تطورات حرب غزة المستعرة فلسطينياً، ولبنانياً على الساحة الجنوبية.
هذا الوضع الأمني المضطرب نقل حالة النمو الاقتصادي من ضفة التصاعد إلى الضفة الأخرى حيث تغيب كل عوامل الثقة والطمأنينة التي ينشدها النمو…
رئيس دائرة الأبحاث والدراسات الاقتصادية والمالية في بنك بيبلوس الخبير الاقتصادي والمالي الدكتور نسيب غبريل يفنّد المعطيات المستجدة التي تخيّم على الساحة الاقتصادية والمالية المحليّة كتأثير مباشر من تطورات معركة “طوفان الأقصى”.
ويقول غبريل لـ”المركزية”: كانت توقعات التقرير الاقتصادي في “بنك بيبلوس” أن ينمو الاقتصاد اللبناني بنسبة 2% في العام 2023 بعد أربع سنوات من الانكماش الاقتصادي بين 2018 و2021 مقارنةً بنسبة 0% في العام 2022. أما توقعات النمو 2% لهذا العام فهي مبنيّة على:
– أولاً: موسم سياحي بدأ في أول العام واستمر لغاية شهر أيلول بوتيرة غير مسبوقة، واستقبل لبنان 3 ملايين و450 ألف زائر في العام 2023 لغاية منتصف أيلول الفائت بحسب الأرقام الأولية لوزارة السياحة، ما شكّل زيادة 30% عن الفترة ذاتها من العام الفائت. ويتبع هذا العام سنة سياحية كانت جيدة جداً في العام 2022 عندما ارتفع عدد السياح في لبنان بنسبة 90% ووصل إلى 3 ملايين و920 ألفاً. فالنفقات السياحية في العام 2023 لم تصدر بشكل رسمي حتى الآن، لكن الإيرادات المباشرة ناتجة عن الحركة السياحية في العام 2022، وارتفعت بنسبة 70 في المئة وبلغت 5 مليارات و300 مليون دولار، فيما توقعات العام 2023 تحمل أرقاماً أفضل من تلك بكثير.
– ثانياً: مع الإشارة إلى أن هناك 14 قطاعاً يستفيد من القطاع السياحي، هناك قطاعات أخرى تتحرّك على الساحة اللبنانية بشكل مقبول، كقطاعات التكنولوجيا وتكنولوجيا المعلومات والشركات المفتوحة على أسواق الخارج…إلخ.
– ثالثاً: تحسّن ملحوظ في الاستهلاك جراء تحسّن القدرة الشرائية لشريحة من المواطنين.
– رابعاً: استمرار تدفّق تحاويل المغتربين في العام 2023 بوتيرة العام 2022 تقريباً أي نحو 6 مليارات و400 مليون دولار. كل تلك العوامل دفعتنا إلى توقّع نمو 2% في العام 2023.
– خامساً: استقرار سعر صرف الدولار الأميركي في السوق الموازية منذ نهاية شهر آذار الفائت.
… “كل ذلك كان قبل 7 تشرين الأول 2023” يقول غبريل “أما ما بعد هذا التاريخ مع اندلاع حرب غزة، فتغيّرت بالتأكيد كل المعطيات:
– بالنسبة إلى الوضع السياحي: القطاع حساس جداً للأوضاع الأمنية أكثر منه للأوضاع السياسية. صحيح أن موسم الصيف انتهى لكن موسم السياحة استمر في أيلول الفائت بدليل استمرار حركة المطار حيث بلغ عدد الوافدين 341 ألفاً بارتفاع 22% عن أيلول 2022.
ويُضيف: هناك أسئلة مطروحة حول السيناريو المتوقع لتطوّر الوضع الأمني الفلسطيني إلى فتح جبهة الجنوب… التصعيد قائم في غزة إنما الوضع يراوح مكانه في الجنوب حالياً. فالأسئلة اليوم يطرحها المغترب عما إذا كان سيأتي إلى لبنان أم لا في فترة عيدَي الميلاد ورأس السنة حيث تبدأ الحجوزات قبل شهرين تقريباً. فالمغتربون يشكلون 62% من عدد السيّاح في لبنان… فماذا سيقرّرون في موسم الأعياد المقبلة؟ المجيء إلى لبنان أم عدمه تجنّباً للمخاطر الأمنية؟! والشيء ذاته بالنسبة إلى السيّاح العرب والأجانب… كذلك بالنسبة إلى إقامة المهرجانات الصيفية المقبلة، حيث مصيرها لا يزال ضبابياً لارتباطه أيضاً بالتطورات الأمنية والعسكرية جنوباً!
– بالنسبة إلى أسعار النفط: قفزت أسعار النفط 4 دولارات يوم الإثنين 9 الجاري، ليتخطى سعر برميل النفط الـ88 دولاراً أميركياً، لكنه عاد وتراجع إلى 87 دولاراً بعد ظهر اليوم التالي، بعدما تبيّن لاحقاً أن قنوات إمدادات النفط لن تتأثر بالتطورات الأمنية.
وينبّه غبريل إلى أنه “في حال ارتفعت أسعار النفط فستترك تأثيرات عدة على لبنان، أبرزها ارتفاع فاتورة الاستيراد لأننا نستورد كل المشتقات النفطية التي نستهلكها، وارتفاع فاتورة السلع غير النفطية بسبب زيادة كلفة الشحن وكلفة التأمين بفعل ارتفاع المخاطر الأمنية في المنطقة. ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية في الأسواق اللبنانية، وبالتالي ارتفاع نسبة التضخم”.
كما يشير إلى أن “التصعيد الأمني قد يدفع شركات الطيران العالمية إلى تقليص عدد رحلاتها في اتجاه لبنان عبر مطار بيروت، تجنّباً للمخاطر المحتمَلة… كما أنه سيتسبّب بتراجع حجم الاستهلاك المحلي كونه مرتبطاً بعامل الثقة!”.
كل تلك العوامل ستؤثّر بشكل مباشر على نسبة النمو الاقتصادي في لبنان، وسيبقى يترنّح ضعيفاً على حبال الأحداث الأمنية الخطيرة إلى حين “استتباب الأمن” بطريقة مطَمئِنة تعزّز الثقة التي تحرّك القطاعات الاقتصادية فالاستهلاك… وترفع معدَّل النمو.