“إعادة الهيكلة” انطلقت من المستشفيات.. مَن التالي؟
كتبت ميريام بلعة في “المركزية”:
انتظرناها من المصارف فأتتنا من المستشفيات… إنها “إعادة الهيكلة” التي باتت تشكّل الباب العريض لإنقاذ المؤسسات من شبح الإفلاس…
فقد باشرت المستشفيات الكبرى بدمج المستشفيات المتعثّرة الصغيرة والمتوسطة الحجم، رأفةً بممرّضيها وموظفيها… ومرضاها.
في ضوء الأزمة المستفحلة، وجد القطاع الاستشفائي نفسه مرغماً أمام استحداث خيار الدمج نتيجة الأزمة المالية الحادة والوضع الاقتصادي المتدهور، شأنه شأن كل القطاعات في لبنان الرازحة تحت ضغط الأكلاف المرتفعة… وكم بالحَري القطاع الاستشفائي الذي ناشد في الفترة الأخيرة الهيئات الضامنة الرسمية رفده بالمستحقات المالية التي لا تزال في ذمّتها منذ سنوات!
نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هاورن يشرح لـ”المركزية” أسباب اللجوء إلى خيار الدمج بين المستشفيات الكبرى والصغرى أو المتوسطة، ويقول: أصبحت التكاليف التشغيلية مرتفعة جداً، وبالتالي لم تَعد المستشفيات قادرة على تغطيتها بفعل عدم تأمين مردود كبير، وغياب القدرة الاستيعابية للمرضى، لذلك لم تستطِع إدارة المستشفى تغطية كل التكاليف المُشار إليها.
ويذكِّر في السياق، بأنه “قبل العام 2019 كانت المستشفيات تستقبل في حدود 850 ألف مريض سنوياً عدا مرضى الطوارئ، أما اليوم فتراجع العدد إلى النصف تقريباً في حين بقيت مصاريف المستشفى على حالها ولا سيما النفقات الثابتة لجهة الكهرباء والتنظيفات ورواتب الموظفين…إلخ، مقابل تراجع المدخول بشكل ملحوظ ليصل إلى أقل من النصف. لذلك وقعت غالبية المستشفيات في عجز كبير، ولم تعد مداخيلها تكفي لتغطية نفقاتها النشغيلية”.
ويُضيف: من هنا، كان خيار الدمج بمثابة الحل الموقت لا الجذري لهذا الواقع المزري، فعمد مستشفى “الجامعة الأميركية في بيروت” ومستشفى “أوتيل ديو” و”مستشفى القديس جاورجيوس” للروم الأرثوذكس، إلى دمج بعض المستشفيات المتعثرة الصغيرة والمتوسطة الحجم ووضعها تحت إدارتها. وبذلك تكون تلك المستشفيات الثلاثة الكبرى أنقذت المستشفيات المتعثرة من خطر الإقفال.
لا مَسّ بالموظفين
عندما يتم الحديث عن عمليات دمج في أي قطاع، تُثار المخاوف حول مصير الموظفين، هنا يؤكد هارون أن “لا مشكلة في شأن الطاقم التمريضي والوظيفي إطلاقاً، بل على العكس ستتوفّر فرص عمل جديدة، لأنه عندما يزيد معدل نشاط المستشفى وحركتها، ستُضطر إلى استقطاب مزيد من الممرّضين والموظفين… وبالتالي لن يكون هناك أي نيّة بتقليص عددهم إطلاقاً”.
ويُشير إلى أن “عملية الدمج المستَحدَثة راهناً ستبقى ظاهرة محدودة لن تحلّ مشكلة المستشفيات المتعثّرة من جذورها”، ويوضح أن “عدد المستشفيات القادرة على دمج المستشفيات المتعثرة، محدود لا يتعدّى الـ4 أو 5 مستشفيات وهذه الأخيرة لن تستطيع استيعاب كل المستشفيات المتعثرة التي تشكّل نسبة 25 في المئة من مجموع المستشفيات! وهي غير قادرة على الصمود والاستمرار، وهذا ما نبّهت إليه العام الفائت. لكن ذلك لا يعني أن هذه النسبة ستقفل أبوابها أمام المرضى، لكنها تعاني من أزمة مادية حادة.
ويعزو هارون أسباب هذه الأزمة إلى:
– عدم قبض المستشفيات مستحقاتهم من الجهات الضامنة الرسمية في الوقت المحدَّد.
– الأموال التي تحصّلها من المرضى لا تغطي تكاليفها المباشرة التي أصبحت باهظة جداً.
– لا تستطيع الجهات الضامنة الرسمية رفع معدل تعرفاتها لتواكب ارتفاع سعر صرف الدولار وتصبح بالمستوى المطلوب. فقط “الطبابة العسكرية” و”تعاونية موظفي الدولة” تمكّنتا من زيادة تعرفاتهما بشكل ملحوظ ثم “قوى الأمن الداخلي” و”أمن الدولة”، لكن لا تزال الجهتان الضامنتان الأكبر على الإطلاق وهما وزارة الصحة والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، تحافظان على أسعار تعرفاتهما المتدنية جداً.
– المريض المضمون على حساب وزارة الصحة والضمان الاجتماعي يتكبَّد فروقات عالية جداً عند دخوله المستشفى، ما أدّى إلى انخفاض عدد المرضى الذين يدخلون المستشفى لعدم قدرتهم على تحمّل هذه الفروقات، ويفضّلون البقاء في منازلهم فتتدهور حالتهم الصحيّة.
وعن أسماء المستشفيات المندمجة، يكشف هارون:
– مستشفيات الـ”سان شارل”، “القرطباوي”، “تل شيحا”، و”سيّدة السلام” في القبيات، انضمّت إلى مستشفى “أوتيل ديو”.
– مستشفى KMC انضمّ إلى “مستشفى الجامعة الأميركية”.
– مستشفى “البرجي” في الكورة انضمّ إلى “مستشفى القديس جاورجيوس”.
وهناك مباحثات جارية بين هذه المستشفيات الثلاثة الدامجة وعدد آخر من المستشفيات المتعثرة لدرس إمكانيّة الدمج.
في ضوء هذا العرض، يجب على كل مستشفى القيام بجردة حساب لدرس أوضاعها في ظل الأزمة المستَفحِلة… كي لا تتجرّع كأس الإقفال المرّ!