احتكاكٌ حدودي جنوباً وتَزايُد الضغط على «سد» الهجرة شمالاً
جاء في الراي الكويتية:
على وقع الغموض الذي يلفّ مآلَ المحاولاتِ الخارجيةِ لإنهاء الشغور الرئاسي والتي تشهد تَبدُّلاً أو تبادُلاً للأدوار في «المراكز الأمامية»، يتزايد تصاعُد «الدخان» من ملفاتٍ ذات طابع أمني يشكّل كل منها في ذاته «زراً» قد يكون مفجّراً للوضع الداخلي أو دافعاً إياه إلى حافة انفجار كبير يتم على وهجه «إحضار» الجميع إلى التسوية الرئاسية قيد التحضير.
وفي حين انكفأ «حريقُ» مخيم عين الحلوة للاجئين على متن هدنةٍ أعادتْ إلى حينٍ الجمرَ – الموْصول بـ «حلقات» النار والصراع الفلسطيني – الفلسطيني وعلى الإمرة الاقليمية لـ القضية – إلى تحت الرماد، وفيما كانت التحرياتُ مستمرّةً لخفايا عملية إطلاق النار المتعددة الهدف على مقر السفارة الأميركية في عوكر والتي تَأخَّر لبنان الرسمي في إدراك أبعادها الخطيرة، تقدّم إلى الواجهة عنوانان ذات طابع أمني:
- الأوّل الاحتكاك الحدودي بين الجيشين اللبناني والإسرائيلي في مزرعة بسطرة والذي تخلله تبادُل إلقاء قنابل دخانية ومسيلة للدموع.
وقد أعلن الجيش اللبناني في بيان له أنه«بتاريخ 23 / 9 / 2023 ما بين الساعة 11.00 والساعة 12.00، أقدمت عناصر من العدو الإسرائيلي على خرق خط الانسحاب وإطلاق قنابل دخانية باتجاه دورية للجيش اللبناني أثناء مواكبة جرّافة تقوم بإزالة ساتر ترابي أقامه العدو الإسرائيلي شمال خط الانسحاب (الخط الأزرق المتحفظ عليه) في منطقة بسطرة – الجنوب، وقد ردّ عناصر الدورية على الاعتداء بإطلاق قنابل مسيلة للدموع باتجاه عناصر العدو، ما أجبرهم على الانسحاب إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة».
وفي المقابل، ذكرت إذاعةُ الجيش الإسرائيلي أن القوات الاسرائيلية أطلقت قنابل غاز على قوة من الجيش اللبناني«بعدما تجاوزت مركبة لبنانية الخط الأزرق».
من جهته، شدد الناطق الرسمي باسم«اليونيفيل»أندريا تيننتي على أن«القوة الدولية موجودة على الأرض لتهدئة الوضع، وتتواصل قيادتها مع الأطراف لتخفيف التوترات ومنع سوء الفهم».
وجاء هذا التطور بالتوازي مع تنفيذ الجيش اللبناني تمرين رماية مُشتركة مع«اليونيفيل»(في حقل الرماية الموقت في الناقورة) حمل اسم«العاصفة الفولاذية»، وقد تخللته رماية بالذخيرة الحيّة باتجاه البحر.
الهجرة غير الشرعية
- والثاني زيادة الضغط على«السدّ»المانع حتى الساعة انفجار موجة هجرة غير شرعية كبرى باتجاه أوروبا، وهو التوصيف الذي أعطتْه قبرص للبنان قبل أيام في معرض كشف أنها ستحاول إقناع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بإنهاء تصنيف سورية«دولة غير آمنة»لإعادة اللاجئين إليها، إذ اعتبرت أن«هناك حاجة مُلّحة لمساعدة لبنان الذي لجأ إليه مليونان ونصف المليون سوري، ولدى قبرص معلومات من سلطات هذا البلد عن زيادةٍ في عدد السوريين الذين ينتقلون إليه»، محذرة من أن«لبنان هو حاجز، وإذا انهار، فستواجه أوروبا بأكملها مشكلة».
ولم يكن عابراً أمس إفلات نحو 30 مهاجراً غير شرعي من الموت بعدما تعرض مركبهم للغرق قبالة منطقة شكا (الشمال) وأنقذهم الجيش اللبناني، وسط تقارير تحدثت عن أن إحدى السيدات من بين الركاب أجرت اتصالاً ناشدت فيه الدفاع المدني والأجهزة الأمنية التوجه وإنقاذ المركب الموجود في عرض البحر.
وقد أعلن الجيش اللبناني في بيان له أنه بتاريخ 23 / 9 / 2023، تمكّنت دوريةٌ من القوات البحرية بمؤازرة الدفاع المدني اللبناني، من إنقاذ 27 مهاجراً غير شرعي كانوا على متن أحد الزوارق المطاطية أثناء تعرُّضه للغرق مقابل شاطئ شكا».
وحذّرت قيادة الجيش «من مغبة الهجرة غير الشرعية كونها تعرض حياة المهاجرين للخطر الداهم، بالإضافة إلى الملاحقة القانونية أمام المراجع المختصة، وتؤكد أن وحداتها العسكرية مستمرة في اتخاذ الإجراءات اللازمة لمكافحتها».
وفي موازاة ذلك، كانت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي ـ شعبة العلاقات العامة تعلن في بلاغ لها إحباط عملية هجرة غير شرعية بحراً الى أوروبا عبر قبرص وتوقيف أحد المتورّطين و42 شخصاً من الجنسية السورية.
وجاء في البلاغ إنه «في إطار المتابعة التي تقوم بها قوى الأمن الدّاخلي للحدّ من عمليات الهجرة غير الشّرعية عبر البحر، توافرت معطيات لدى شعبة المعلومات حول التّحضير لعملية تهريب أشخاص سوريين الى أوروبا، انطلاقا من شاطئ العريضة. وبنتيجة المتابعة الاستعلامية التي قامت بها الشّعبة، تمّ التّأكّد من صحة المعلومات، وتمكّنت قطعاتها المختصّة من تحديد هويّات أفراد شبكة التّهريب، وبينهم الشّخص المكلّف بنقل المهاجرين السّوريين الى الشاطئ، وهو المدعو: و. ع. (من مواليد عام 1996، لبناني)».
وأضاف: «أعطيت الأوامر لتكثيف عمليات المراقبة بهدف توقيفه وإحباط عملية التّهريب. وبتاريخ 17-9-2023، وبعد رصدٍ ومراقبة دقيقة، تمكّنت إحدى دوريّات الشّعبة من رصد الأخير وهو يقود آليّة«بيك أب»نوع تويوتا وعلى متنها عدد كبير من الأشخاص السّوريين. وتمّت مراقبته إلى أن وصل الى محلّة العبدة، حيث تمّ تنفيذ كمينٍ محكمٍ نتج عنه توقيفه و 42 شخصاً من الجنسيّة السوريّة، من بينهم 6 أطفال. وبتفتيش الـ«بيك أب»تم ضبط 83 سترة نجاة، 13 غالون مازوت سِعة 20 ليتراً، 200 علبة صغيرة من المواد الغذائية و8 غالونات مياه سِعة 20 ليتراً».
وتابع: «بالتزامن تم ضبط المركب المعد لتهريب الأشخاص عند شاطئ المنية. وبالتحقيق مع (و. ع.) اعترف بما نُسب إليه لجهة تورّطه بعملية التّهريب عبر قبرص باستخدام مركب سيلاقيهم في محلّة شاطئ العريضة، وذلك بالاشتراك مع آخرين (العمل جارٍ لتوقيفهم). وبالتحقيق مع السوريين، اعترفوا أنهم كانوا بصدد الهجرة إلى أوروبا عبر قبرص مقابل مبلغ يتراوح ما بين 5000 و7000 دولار أميركي عن كل شخص».
«القبة الأمنية»
وتداخلتْ هذه التطورات مع المخاوف مما عبّر عنه استهدافُ السفارة الأميركية ليل الأربعاء – دون أن يتم حتى الساعة توقيف مطلق النار – من اختلالٍ في «القّبة الأمنية» التي يُفترض أنها تحوط بهذا المقرّ – الحصن يصعب تَصَوُّر أنه في إطار «عمل غير منظّم» نظراً لِما يُفترض أنه سبقه من رصْد ومسْح لمسرح «التنفيذ والإخلاء»، وسط تزايُد الاقتناع بأن «وراء الأكمة» رسالة مدوْزنة على تخوم لحظةٍ بالغة الأهمية في ملفات إقليمية و«عملية تذكيرية» بحدودِ النفوذ في الواقع اللبناني في غمرة دخول الأزمة الرئاسية في كنف محاولة جديدة لبلوغ تسويةٍ على خيار ثالث يتقدّمه اسم قائد الجيش العماد جوزف عون.
وفي حين أكد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي خلال استقباله السفيرة الأميركية دوروثي شيا، الجمعة، «أن الاعتداء على السفارة الأميركية اعتداء على سيادة لبنان وأمنه»، وضعت شيا السلطة السياسية والأجهزة الأمنية أمام تحدي توقيف الفاعل ومحاسبته.
وإذ أعربت شيا بعد لقاء ميقاتي «عن تقديري لرسائل الدعم التي صدرتْ عن المسؤولين السياسيين كما مختلف الفئات والأحزاب السياسية والشركاء الأمنيين الآخَرين»، أعلنتْ «ندرك تماماً أن السلطات تحقق في حادثة إطلاق رجل مسلّح النار باتجاه السفارة، ونقدّر الالتزام الذي عبّر عنه شركاؤنا الأمنيون والمسؤولون السياسيون بأنهم لن يألوا جهداً لجهة التحقيق في هذه الحادثة وملاحقة المرتكب ومحاسبته»، مشددة على «اننا في السفارة الأميركية لا نشعر بالخوف اثر هذه الحادثة، فإجراءاتنا الأمنية متينة جداً وعلاقتنا صلبة ونحن نتابع عملنا في السفارة كالمعتاد».
وتابعت «بهذه الروحية نفسها تبادلتُ الآراء مع دولته، وتطرّقنا للاجتماعات التي عقدها على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما تطرقنا للأفق السياسي المسدود والوضع الاقتصادي في لبنان. وكلانا يرى أن الوقت قد حان، فالوضع دقيق ويجب السعي لاتخاذ القرارات ومعاودة سير العمل في الادارات ليتم تطبيق الإصلاحات التي طال انتظارها».
الموفد القطري
وفي الإطار تتجه الأنظار إلى مهمة الموفد القطري أبوفهد جاسم آل ثاني التي تُعتبر استطلاعية وتمهيدية للأفق الممكن للخيار الثالث رئاسياً، والتي تَجْري بصَمْتٍ من خلال لقاءاتٍ في كل الاتجاهات يعقدها بعيداً عن الأضواء وذلك على وقع:
- اقتناعٍ في بعض الدوائر بأن ثمة مصلحة ورغبة لـ «حزب الله» ومن خلفه إيران باستدراج تسويةٍ، لا تكبّد الممانعة أثماناً من «الجيْب الاستراتيجي» وإن عبّرت عن تراجُع أو «إحناء رأس»، وتكون السعودية وعواصم قرار غربي غير بعيدة عنها، بما يساهم في فتْح آفاق جديدة للواقع اللبناني المتداعي مالياً.
- وفقدان الثقة من أطراف داخلية وازنة بالوسيط الفرنسي جان – ايف لودريان وقدرته على الخروج من الحلقة المقفلة التي وضع نفسه فيها بإصراره على شكلٍ من حوارٍ رفضْته قوى معارضة تحت أي لافتة وسواء تم بدعوة من لودريان أو رئيس البرلمان نبيه بري الذي يواجه إصرارُه على حوار الأيام السبعة (توطئة لجلسات انتخاب مفتوحة) معاندةً أيضاً من رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل الذي يدعو إلى «حوارٍ جدّي تتوافر ظروف نجاحه ولا يترأسه طرف (بري)» و«لا يتخذ شكل طاولة مستديرة فقط، بل نوجِد ظروفاً للبحث الثنائي والثلاثي والمتعدد الطراف والجَماعي» ويحضره رؤساء الأحزاب وليس الكتل.
قائد الجيش
وبعدما كان باسيل، المنخرط في حوار ما زال مَسارُه «فاتراً» مع «حزب الله» في ما خص «المقايضة الرئاسية» ببنديْ اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة والصندوق الائتماني، صوّبَ على قائد الجيش من بوابة ملف النزوح ما اعتُبر محاولةً لـ «إصابته رئاسياً»، لم يتوانَ العماد جوزف عون عن الردّ ضمناً على رئيس «التيار الحر» خلال افتتاحه شبكة طرق في جرود منطقة الهرمل.
وقال قائد الجيش: «نسمع بعض الأصوات المشككة بدور الجيش في حماية الحدود انطلاقاً من مواقف سياسية معروفة. لم نرَ هؤلاء يبادرون إلى دعم الجيش بل يحاولون عرقلة عمله وإثارة الشبهات حوله، ولم نرَ لهم مشاركة فاعلة في معالجة أزمة النزوح السوري. نقول لهم إننا مستمرون لأن هدفنا هو الوطن ومصلحته، فيما هدفكم مصلحتكم الشخصية. نحن نموت ليحيا الوطن، وأنتم تُميتون الوطن من أجل مصالحكم».