مطار القليعات إلى الخدمة قريبًا؟
لعلها مفارقة أن يقفز مطار القليعات إلى دائرة البحث من باب وجوب إعادة تشغيله، في زمن البحث عن تسوية تؤدي الى انتخاب رئيس للجمهورية، وهو المطار الذي شهد على انتخاب أول رئيس جمهورية بعد توقيع اتفاق الطائف، في 5 تشرين الثاني 1989، فأُطلق عليه لاحقًا اسم مطار الرئيس الشهيد رنيه معوّض. مؤخرًا تحرّكت كتلة “الإعتدال الوطني” من أجل وضع مطار القليعات على سكّة الانطلاق، على الفور تجاوب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ووعد بإدراجه على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء.
كثيرة هي الأبواق التي سارعت إلى إشاعة أجواء سلبية حيال مطلب إعادة تشغيل المطار، تارةً من خلال ربطه بالدعوات إلى الفدرلة، وأخرى لاعتبارات وصل بعضها إلى لغة التخوين، بقصد التخريب على أيّ مسعى لإعادة فتحه، علمًا أنّ القاصي والداني يدرك أنّ الضرورة الوطنية تقتضي وجود منفذ جوي ثان، إلى جانب مطار بيروت، وأنّ المطلب إنمائي اقتصادي بحت يعود لعقود مضت، ولا علاقة له بالسياسة ومشاريع الفيدرالية، يقول رئيس لجنة الأشغال النائب سجيع عطيه، مبديًا تفاؤلًا بوضع المطار في الخدمة “لاسيّما بعدما لاقى نواب عكار تجاوبًا من المراجع كافة، خلال الاتصالات والجولات التي قاموا بها أجل حشد الدعم والتأييد للمطار، بمن فيهم وزير الأشغال والنقل علي حميه”.
الخبير في الشؤون السياسية والإقتصادية الدكتور بلال علامة لفت في حديث لـ “لبنان 24” إلى أنّ الصيغة المطروحة لتشغيل مطار القليعات، أن يكون تحت إدارة مطار بيروت الدولي، بصيغة تكامليّة معه وليست تنافسيّة، معتبرًا أنّ الحديث عن إعادة تشغيله في إطار الفدرلة والتقسيم لا يمت للواقع بصلة، بل يأتي تسويق هذه النظرية من ضمن بروباغندا الأحزاب، التي لا يناسبها وجود مطار ثان في لبنان، يخلق حركة اقتصادية وتجارية واسعة في الشمال. ولفت علامة إلى أنّ إعادة تشغيل المطار كان مطلب الرئيس عمر كرامي، الذي عمل على ذلك عندما تولّى رئاسة الحكومة، بحيث برزت في حينه صيغة إعادة تشغيله، حتّى ولو اقتصر الأمر على الرحلات الداخلية.
أهمية تشغيل مطار القليعات تضاعفت اليوم ، بعد تجربة تأهيل مرفأ طرابلس، وما يشهده من نشاط اقتصادي لافت، وهو ما يتيح للمطار أن يتكامل مع المرفأ لتحريك العجلة الاقتصادية في محافظة الشمال كلهّا وصولًا إلى زغرتا، يلفت علامة، متحدثًا عن وجوب إعادة العمل بكافة المرافق الحيوية في الشمال، خصوصًا معرض رشيد كرامي، ومصفاه طرابلس، انطلاقًا من قدرة هذه المرافق على خلق دورة اقتصادية في الشمال، بما يترجم مشروع غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس.
تمويل تأهيله وصيانته لن يشكّل عائقًا، خصوصًا أنّه سيكون تحت إدارة مطار بيروت، بما يتيح لصندوق الطيران المدني أنّ يموّل أعمال تأهيله، ولا خطر هنا من هدر المال، فالمطار قادر على تحقيق الايرادات فور تشغيله، وفق علامة. كما أنّ حصرية شركة “طيران الشرق الاوسط” للعمل في مطار بيروت لحين انتهاء العقد مع الشركة في العام 2024، سينسحب على مطار القليعات، لجهة عمل الشركة هناك.
الجدوى الإقتصادية من وضع مطار القليعات في الخدمة، تتنوع بين خلق فرص عمل وانعاش اقتصاد عكار، وتعزيز اوضاع أبناء المنطقة، وإنماء المحافظة “كما أنّ إعادة تشغيله تعود بالفائدة على البلد ككل، لجهة ضرورة وجود أكثر من منفذ جوي، خصوصًا أنّ مطار بيروت يعاني من مشاكل كثيرة، منها انقطاع التيار الكهربائي، وعدم القدرة على استيعاب أعداد الوافدين لاسيّما خلال الموسم السياحي، من هنا يأتي مطار القليعات ليخفّف من حجم الأعباء”.
مساحة المطار تزيد عن 5.5 ملايين متر مربع في منطقة سهل عكار – القليعات. لديه مدرج يزيد طوله عن 3 آلاف متر وهو قابل للتطوير. يبعد عن طرابلس بحدود 25 كلم، وعن بيروت حوالي 100 كلم، كما يبعد 7 كلم عن الحدود السورية ـ اللبنانية “ما يجعل منه مرفقًا تكامليًّا مع ميناء طرابلس، ومنصّة متكاملة للتحرك من خلالها، سواء باتجاه العمق العربي أو إعاده إعمار سوريا، على رغم أن هذا المشروع لا زال بعيد المنال، على ضوء بروز مؤشرات عن تعديل في رسم خرائط الممرات التجارية، وذلك خلال قمة قادة مجموعة العشرين، وما نتج عنها من مذكرة تفاهم لإنشاء ممر اقتصادي يربط منطقة المحيطين الهندي والهادئ بالشرق الأوسط وأوروبا ( (IMEC وينافس طريق الحرير الصيني. وهذا يعني أنّ لبنان وسوريا خرجا من المعادلة، وفي حال ذهبت الأمر بهذا المنحى سيكون مؤشّرًا حول إطالة زمن انهاء الوضع السوري”.
يدفع نواب عكار باتجاه إعادة المطار إلى العمل، ولكن العراقيل كثيرة يقول علامة، وتتخطّى المعلن من المواقف المرحبة “لأنّ القرار بعدم السماح بوجود منافذ خارج السيطرة، هو قرار استراتيجي وليس تكتيكيًا. فضلًا عن ذهنية بعض الأحزاب التي تعتبر أنّ تشغيل مطار ثان في هذا الوضع تحديدًا، هو بمثابة تحرير الناس الموجودة في نطاقه الجغرافي واخراجهم من بوتقة السيطرة، لذا بدأنا نسمع أصواتًا شاذة تعمل على تصويره مطارًا تقسيميًا، وهو ما يتنافى مع الواقع. من هنا تبقى العبرة في التنفيذ”.
لبنان24