وزير العدل: القضاء ليس بخير
يختصر وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال، القاضي هنري الخوري، واقع القضاء اللبناني الحالي وأزمته المتمددة، بعبارة واحدة فقط: “القضاء اللبناني ليس بخيرٍ”. فالأزمات التي طالت لبنان خلال السنوات الماضية وأبرزها الأزمة المالية وجائحة كورونا وقوانين تعليق المهل، رمت بأثقالها على الجسم القضائي ككل، فلم تتابع الملفات القضائية كما يجب.
الضائقة المالية
وفي حديث ل”المدن”، قال الوزير الخوري: “إن الحل الوحيد لتحقيق العدالة في لبنان وتطبيق القانون محصور بعودة جميع القضاة إلى مكاتبهم ومتابعة أعمالهم كالسابق، وتحرير ملفاتهم العالقة والقيام بواجباتهم”.
وعليه، فإن المطلب الأساسي الذي ردّده الخوري اليوم في حديثه لـ”المدن”، والذي يعمل على تحقيقه بشكل يومي، ينحصر في مساعدة الجسم القضائي على الوقوف مجددًا، ومواجهة جميع التحديات وإعادة الأمور إلى مسلكها ومجراها الطبيعي، بما معناه تحرير الملفات القضائية من الجمود المسيطر عليها منذ فترة طويلة، وضخّ الحياة فيها مجدّدًا.
في السياق نفسه، وفي ما يتعلق بالأزمة المالية التي طالت صندوق تعاضد القضاة، لم ينكر الخوري بأن صندوق تعاضد القضاة قد مر بفترة حساسة في الآونة الأخيرة، وكان على وشك الإفلاس. إذ أنه بحاجة إلى تمويل مستمر و لم تكن الأموال كافية. فشرح قائلًا: “تمكنت الحكومة من تأمين سلفة لصندوق تعاضد القضاة بالاتفاق مع وزارة العدل، وبناءً على هذا الأمر عاد القضاة إلى عملهم. والهدف الأساسي لإنشاء صندوق تعاضد القضاة هو تأمين تكاليف الطبابة والتعليم للقضاة وعائلاتهم، وذلك بعدما تم إخراجهم من تعاونية موظفي الدولة. وعليه، باتت أمور القضاة مستقلة عبر هذا الصندوق، على أن يتم تغذيته عبر الرسوم التي وضعت بموجب القانون واشتراكات القضاة الشهرية، وعمل المحاكم التي تُستوفى بموجبها الرسوم والتي يجب تعديلها، وهي التي تشكل اليوم موضوع قانون الموازنة.
الجدير بالذكر بأن الخوري أوضح لـ”المدن” بأن القضاة لا يتلقون أي منحة مالية خاصة من أي مصرف، إنما توزع منحتهم المالية عبر مجموعة مصارف. بما معناه أن المنحة المالية هي أموال صندوق تعاضد القضاة.
القضاء وسلامة
وردًا على سؤال “المدن” حول الجمود الحاصل في ملف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، أفاد الخوري بإن هذا الملف لم يتوقف، وأنه سيتحرك مجددًا عند تعيين الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف القاضي حبيب رزق الله قاضيًا آخر لمتابعة التحقيقات، بعد إحالة قاضي التحقيق الأول شربل أبو سمرا على التقاعد.
أما في الشق المتعلق بمخاصمة القضاة أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز، فيرى الخوري بأن هناك بعض الصعوبات لناحية التشكيلات القضائية، والمعلوم أنها لن تبصر النور في ظل وجود حكومة تصريف الأعمال، أي أننا بحاجة إلى رئيسٍ للجمهورية.
وفي سؤال عن الإشكال الحاصل بين رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل، القاضية هيلانا اسكندر، ممثلة الدولة اللبنانية، والقاضي ماهر شعيتو، وذلك بعدما تقدم وكيل سلامة القانوني بمخاصمة قضاة الهيئة الاتهامية، ولم تصدر مذكرة توقيف غيابية بحق سلامة في التاسع والعشرين من آب الماضي، كان رد الخوري بأنه واكب بعناية سير التحقيقات المتعلقة بملف الحاكم السابق بعد تلك المستجدات، وقد اجتمع بالقاضيين شعيتو واسكندر كُلٍ على حدة، في الأول من أيلول الجاري، وبالتوافق مع رئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي سهيل عبود، واتخذ الخوري قرارًا بالطلب من التفتيش القضائي التدقيق في مجريات الجلسة وكيفية حصولها، وصولًا إلى قرار الهيئة برفع يدها عن الملف ومن ثم تنحيها، وهو بانتظار الرد الواضح من التفتيش القضائي.
وتعليقًا على سؤال “المدن” حول الإجراءات التي اتخذتها القاضية اسكندر بما يتعلق بملف سلامة عن طريق مخاصمة قاضي التحقيق الأول، القاضي شربل أبو سمرا، أي حين ادعت الدولة اللبنانية على الدولة، أفاد الخوري بأن هيئة القضايا تمثل الدولة اللبنانية وهي مستقلة. وبالتالي، فإن الخطوات التي اتخذتها نابعة من قناعتها الشخصية في متابعة هذا الملف، كذلك الأمر فيما يتعلق بوكيل سلامة القانوني الذي قرر مخاصمة قضاة الهيئة الاتهامية، أي أن ما حصل كان مواجهة بعضهما البعض عن طريق استخدام القانون اللبناني.
ملف المرفأ
وردًا على سؤال “المدن” لتقديم الحلول المناسبة لعودة الحياة إلى قضية تفجير المرفأ، قال الخوري: “إن هذا الملف لم يتوقف بسبب الضغوط السياسية على السلطة القضائية أبدًا، إنما بسبب دعاوى الرد التي رفعت ضد المحقق العدلي طارق البيطار، وبسبب عدم قدرة الهيئة العامة لمحكمة التمييز في النظر بالدعاوى (لأنها معطلة منذ أكثر من سنة ونصف السنة، بسبب إحالة أكثر من نصف أعضائها على التقاعد وعدم تعيين بدلاء عنهم)، وبسبب الدعاوى المقامة بين المحقق العدلي ومدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات. وبالتالي، ينطوي الحل الوحيد حاليًا في إجراء التعديلات على القانون اللبناني، أي البت بمشروع تعديل النصوص القانونية المتعلقة بطلبات الرد وبمخاصمة القضاة التي تساهم في عرقلة الملفات وتوقفها لسنوات طويلة”.
ولعل كلام الخوري اليوم حمل في طياته ما يتمناه الشعب اللبناني منذ عقود، الذي يشتهي تطبيق القانون في لبنان، والقضاء على سياسة الإفلات من العقاب، وتعزيز الثقة بين المواطن اللبناني وسلطته القضائية، وملاحقة المتورطين ومعاقبتهم. وعليه، اختتم الخوري حديثه مؤكدًا بإن الملفات القضائية بحاجة إلى وقت لتُنجز كما يجب، ولكننا نعمل جاهدين لمعالجة هذه الأمور كي تتحقق العدالة.