إقتصادمحليات

تحرير سعر صرف الدولار: دعسة ناقصة أم بادرة خير؟

كتبت نوال برو في “السياسة”: 

يخطو لبنان خطوة جريئة في سياسته النقدية، متجهًا لتحرير سعر الصرف الذي بقي مضبوطًا لحوالي الثلاثين سنة مع الإشارة إلى أنّ هذا التغيير سيكون بالاعتماد على منصة “بلومبرغ”.

 وكأي تغيير سبّب الخبر هلعًا عند من لم يعتادوا أي تطوير أو تبديل في السياسة النقدية منذ أكثر من ثلاثة عقود رغم الأزمات التي غرق فيها لبنان سيما في السنوات الأخيرة. 

وفي التفاصيل، وبعدما توقف العمل بمنصة صيرفة،  قرر  مجلس الوزراء إنشاء منصة جديدة بالتعاون مع “بلومبرغ”، حيث سيعتمد مبدأ تحرير سعر الصرف.

الدولار لن يُترك “على راحته”

في هذا السياق،  شرح الخبير الاقتصادي الدكتور لويس حبيقة مفهوم تحرير سعر الصرف، لافتًا إلى أنّ ذلك يعني “تحرك سعر صرف الدولار بحسب العرض والطلب، تمامًا كالسكر الذي يلعب بسعره عامل العرض والطلب”. ورأى حبيقة أنّ لا داعي للهلع على اعتبار أنّ تحرير سعر الصرف هو من أفضل الحلول. 

وفي حديث لـ “السياسة”، أوضح أنّ “معظم الدول تعتمد مبدأ تحرير سعر  الصرف مع الإبقاء على نوع من الرعاية” شارحًا أنّ هذه الخطوة لا تعني  “ترك الدولار على راحته”، “فالمصارف المركزية تتدخل لرفعه أو خفضه بحسب المصلحة العامة”.  ولتوضيح ذلك، أعطى حبيقة مثال سعر صرف الدولار مقابل اليورو. حيث أنّ سعر صرف العملة الخضراء مقابل اليورو ليس حرًا بالمطلق بل يُطلق على هذا الوضع تعبير” managed free market” ، وفقًا لحبيقة. 

وأضاف “ما يجعل الدولار في وضع مستقر نسبيًا هو تدخل المصارف المركزية بالتنسيق بين بعضها عند اللّزوم عبر بيع أو شراء اليورو أو الدولار”، مؤكدًا أنّ هذا ما يجب أن يعتمد في لبنان. 

واعتبر أنّ “في أميركا وأوروبا سعر الصرف حر أما في دولنا فنعتمد تثبيت سعر الصرف لأنّ الحكومات تراه كسلاح سياسي، تمامًا كما في والعراق وسوريا”. 

إذًا يشجع حبيقة اعتماد مبدأ تحرير الصرف، نافيًا أن يكون  لهذا المبدأ أي أضرار،  فهو فقط يعكس وضع البلد الاقتصادي. 

حبيقة: تثبيت سعر صرف الدولار بيفوتنا بالحيط

الاقتصادي حبيقة لا ينكر أنّ مبدأ تحرير سعر الصرف قد يؤدي إلى بدء رحلة جنون الدولار مقابل اللّيرة اللّبنانية، ولكنّ الحل هو التدخل الفوري من المصرف المركزي لحماية اللّيرة، حسب قوله. 

وعن سبب تشجيعه لهذا المبدأ رغم اعتبار الكثيرين أنه سيتسبب بـ “وجعة راس”، فأكد حبيقة أنّ “المطلوب معالجة المشكلة من أساسها، فلا يجوز الإبقاء فقط على الحلول الموقتة التي تعتمد منذ ثلاثة عقود”.

طبعًا، إن فكرة تحرير سعر الصرف تتناقض كليًا لا بل تعتبر عكس  فكرة تثبيت سعر الصرف، وقال حبيقة في هذا الإطار: “إن تحرير سعر الصرف يعني أنّ هذا الأخير قد يتحرك صعودًا أو نزولًا مع وجود رقيب (المركزي) لضبطه عند اللّزوم،  أما التثبيت فهو يعني الدعم”، مشددًا على أنّ “لا قدرة لنا بعد الآن على الدعم مختصرًا رأيه بالقول:  التثبيت “بفوتنا بالحيط””. 

كما أكد حبيقة أنه خلافًا لما يقال، “لا يوجد شروط أو متطلبات لاعتماد مبدأ تحرير سعر الصرف”. ورأى أنه “إذا كنا قد اعتدنا على السياسة الخاطئة خلال الثلاثين سنة الماضية، فلا يعني ذلك أنّ علينا المحافظة على تلك السياسات بل يجب اعتماد الاستراتيجيات التي تشكل حلولًا كتحرير سعر الصرف”.

أما في ما يتعلق بتأثير تحرير سعر الصرف على الاستثمارات الخارجية، فأوضح حبيقة أنّ   “المستثمرين الخارجيين يعلمون أن لا شيء ثابت، ويعتبرون التثبيت أمرًا غير طبيعي، وما يجعلهم حذرين من الاستثمار  هو تثبيت سعر الصرف أساسًا”، شارحًا أن “المستثمرين الخارجيين يفضلون الـ managed free market”. 

إذًا، لا خوف من تحرير سعر الصرف بل هي السياسة الصحيحة التي تعتمدها الكثير من الدول المتقدمة، وفقًا لحبيقة. كذلك، لا بد من التخلي عن الاعتقاد بأنّ سعر الصرف الثابت هو الواجهة السليمة للبلد، واستبدال هذا التفكير بالبحث عن سياسات  تعود بالفوائد على المصلحة العامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى