يترقّب الناس الواقع الاقتصادي الجديد بقلق، ويخشون تفلّت السوق مجدّداً. فبمجرد أن أقرّ مجلس الوزراء المنصة الجديدة «بلومبرغ»، حتى سرت بينهم أخبار عن تفلّت سعر الصرف. ما يثير الريبة، هو عدم وجود سعر محدّد للصرف، فوفق أي سعر سيتحرّر الدولار، هل 84 ألفاً أم 90 أو أقل أو ربما أكثر، هذا الغموض، دفع التجار وأصحاب الملاحم والمتاجر لتحضير الزبائن إيذاناً بموجة غلاء جديدة، وكأن الأمور مدروسة.
يخشى الناس المزيد من التضخم، ويسود الحديث بين الزبائن عن السعر الجديد للدولار، يقول صاحب ملحمة «إنّ سعر كيلو اللحمة حتماً سيرتفع، «فنحن نجهل وفق أي سعر سيتم التداول، حرّروا السعر ولكن لم يحدد الرقم وهنا الخطر». بمجرّد اقرار المنصّة الجديدة، المجهولة السعر، استعدّ تجّار الخضار والفاكهة لرفع الأسعار، بدوا واثقين أنّ الانهيار المالي قادم، ولا مفرّ من رفعها. في لغة السوق، عدم وضوح سعر الصرف الجديد يعني فلتاناً في الأسعار، إلا اذا كان لدى الحكومة خطة مالية محكمة للمرحلة المصيرية الصعبة.
بسام ، صاحب محل خضار في منطقة النبطية، يسجّل ضياعاً في الأسعار، «تم ابلاغنا عن حال من التخبط تسود السوق، وسط ضبابية سعر الدولار، وهذا يؤدّي إلى فوضى في الاسعار».
يبدو أنّ القرارات الحكومية الخاطئة سيدفع ضريبتها المواطن نفسه، الذي يستعدّ لمزيد من الضرائب المدولرة تبعاً للموازنة الجديدة، وأول الغيث رفع اشتراك المياه السنوي إلى 10 ملايين ليرة والمياه مقطوعة، دولرة فواتير الكهرباء والكهرباء مفقودة، زيادة الضريبة على القيمة المضافة والأسعار متضخّمة، واليوم دخول «بلومبرغ» على الخط، مع بداية العام الدراسي والأسعار الكاوية للأقساط المدرسية والقرطاسية والنقل، ما الذي ينتظر المواطن؟
سؤال يجيب عنه الأمين العام المساعد لاتحاد أسواق المال العربية الدكتور فادي علي قانصو الذي يرى منصة «بلومبرغ» هي «الخطوة الأولى لتحرير سعر الصرف التدريجي والخروج من منصة صيرفة، على أن يكون بداية عام 2024 بداية تحرير سعر الصرف إذا أقرت الموازنة، وترافقت مع استقرار مالي وسياسي»، وباعتقاده أنه «لن تحصل أي خضات مالية في الأشهر الأولى لتطبيق المنصة، على اعتبار أن مصرف لبنان سيتدخّل في السوق، ولن يسمح بتفلّت الأسعار، ولكن هذا الاستقرار لن يدوم طويلاً لأن المصرف المركزي لن يقدر على التدخل لضبط السوق حينها سنشهد ارتفاعات هستيرية في السوق».
من وجهة نظر قانصو فإنّ بلومبرغ هي استمرار للحلول الترقيعية، بانتظار انتخاب رئيس للجمهورية وإقرار الإصلاحات المطلوبة ، «فبمجرّد دخول المنصة الجديدة حيز التنفيذ، سنشهد ارتفاعات في الأسعار، لكنّ المصرف المركزي سيكون في المرصاد». ويشير إلى أنّ سعر الصرف «غير واضح ما إذا كان سيتمّ اعتماد 85 أو أكثر قليلاً»، ويرى المنصة «لعبة لضبط السعر وقتياً بالتي هي أحسن» و»مصرف لبنان لن يقوى على ضخ الدولارات طويلاً، بالكاد يصل الاحتياطي إلى 9 مليارات، ويعتمد حالياً على دولارات الاغتراب والسياحة، ما يعني أنّه يشتري الوقت بانتظار انتخاب رئيس للجمهورية وإجراء الإصلاحات المالية والسياسية، فما ينتظرنا خطير جداً، لأن بقاء الظروف على حالها سيؤدي إلى خضات مالية وإقتصادية خطيرة»، ويؤكد أنه ليس متفائلاً «إلا إذا حصلت معجزة طارئة ودفعت بالأوضاع نحو الحلّ».
في المحصلة، يبدو أن الدولة تدسّ السم في طبق الشعب مجدّداً، عبر منصة جديدة قد تجرّ الخضات المالية والويلات على البلد ما لم يتحرك المعنيون لانتخاب رئيس للبلاد واجراء الاصلاحات. فهل يفعلها الزعماء قبل فوات الآوان؟
رمال جوني