رسائل سريّة عن عون وجعجع
نشرت مجلّة “المجلة” التي تصدر في لندن تفاصيل المراسلات السريّة بين الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد والرئيس الأميركي الراحل جورج بوش وكيف استغل الرئيس السوري غزو صدام للكويت في 2 آب 1990، للحصول على ضوء أخضر أطلق يده في لبنان وأنهى العماد ميشال عون وحيّد رئيس حزب القوات اللبنانيّة سمير جعجع، قبل القمة السورية- الأميركية في جنيف في تشرين الثاني التي مهّدت لمشاركة سوريا في تحرير الكويت.
في 4 حزيران 1990، وصل مبعوث أميركي إلى دمشق وسلّم الأسد رسالة تضمّنت بندين، واحدا يتعلق بإيران، والثاني يتعلق بلبنان، ونص الشق الثاني على: “من المحتم أنه من أجل تطبيق اتفاق الطائف. يجب على عون أن يتنحى. يجب أن يتوقف كل دعم لعون. في رأينا تستطيع سوريا، إذا أرادت أن تتخذ إجراءات لمنع الإمدادات من الوصول إلى عون”.
وعن جعجع، أبلغ مبعوث الأسد مبعوثا أميركيا: “سوريا لن تدعم أي شخص أو فئة لا تقف مع وحدة لبنان والشرعية. وعلى الرغم من وجود فارق بين جعجع كقائد لميليشيات وعون كضابط متمرد فإننا ما زلنا نعتقد أنهما يقفان ضد اتفاق الطائف وضد الشرعيّة”.
وعندما قال المبعوث الأميركي: “نعتقد أن عون هو العقبة الرئيسة ولا بد أن يتنحى، لكن موضوع جعجع مختلف ومن المعلومات التي تصلنا من مبعوثي الهراوي علمنا أن جعجع جاهز لوضع نفسه تحت سلطة الشرعية… ونعتقد أن سوريا إذا أظهرت لجعجع نوعاً من الثقة فإن هذا سيكون عاملا حاسما في حل الوضع في بيروت الشرقية”، رد مبعوث الأسد: “معلوماتي أن جعجع مناور بارع”.
نائب الأسد: جعجع يناور
يقول نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام، الذي حمل الكثير من الوثائق والأوراق الرسمية معه من دمشق الى باريس في 2005 قبل انشقاقه نهاية العام، إن جعجع “استمر في المناورة أمام ضغط الوضع العام في البلاد والتوجه العربي لدعم الشرعية، لذلك حاول الحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب ووضع أكبر قدر ممكن من الألغام، ولذلك بعث إلى الرئيس الهراوي بالرسالة التالية عبر صهره فارس بويز إلى خدام والأسد بتاريخ 6 تموز”. هذا نصها: “تطبيقا لوثيقة الوفاق الوطني اللبناني وتمشيا مع مبدأ بسط الدولة اللبنانية سلطتها على منطقة بيروت الكبرى تمهيدا لبسطها على كامل الأراضي اللبنانية واستعادة مؤسساتها وتسهيلا لمشروع المصالحة الوطنية الشاملة ولبناء العلاقات المنصوص عليها في اتفاق الطائف بين لبنان وسوريا في إطار سيادة واستقلال كل منهما. تعلن القوات اللبنانية ما يلي:
ـ الالتزام بوثيقة الوفاق الوطني بكافة فصولها وبنودها (…) 2ـ الالتزام بالشرعية وكافة مؤسساتها (…) 3ـ تسهيل تطبيق مشروع المصالحة الوطنية الشاملة (…) 4ـ تسهيل إقامة العلاقات بين لبنان وسوريا المنصوص عليها في وثيقة الوفاق الوطني (…) 5ـ تسهيل تطبيق مشروع بيروت الكبرى… كخطوة أولى مرحلية نحو بسط سلطة الدولة على كافة الأراضي اللبنانية تتعهد القوات اللبنانية بسحب كافة عناصرها وكافة أسلحتها الثقيلة والمتوسطة والخفيفة وعتادها العسكري من تلك المنطقة وتحويل ثكناتها ومراكزها إلى مراكز مدنية وسياسية على أن يؤخذ بعين الاعتبار وضع بيت الكتائب المركزي وقيادة القوات اللبنانية وملحقاتها وحمايتهم وطرق الوصول إليهم مرحليا إلى حين الوصول إلى الحل الكامل للميليشيات على كل الأراضي اللبنانية وكل ذلك يتم بالتلازم مع:
1ـ دخول القوى الشرعية إلى مناطق وجود عون في بيروت الكبرى.
2ـ انسحاب مماثل لكافة القوى والتنظيمات المسلحة الأخرى في بيروت الكبرى ما عدا منطقتي الضاحية والمخيمات بصورة مرحلية، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع أو تسرب الأسلحة أو عناصر مسلحة من هاتين المنطقتين أو أية منطقة أخرى إلى بقية أنحاء بيروت الكبرى.
بيكر للأسد: لإنهاء الحصارات
في 24 حزيران 1990 استقبل الأسد السفير الأميركي في دمشق و”عرض على الأسد رسالة وزير خارجيته جيمس بيكر قائلا إنها تتضمن أفكار الرئيس بوش الشخصية، وهي- أي الرسالة- موجهة إلى الأسد”، حسب المحضر.
وأضاف: “عزيزي السيد الرئيس (…) أود أن أؤكد لسيادتكم أن أهدافنا هي إعادة سيادة لبنان واستقلاله وسلامة أراضيه الإقليمية، وانسحاب جميع القوات الخارجية، وحل الميليشيات. إن القصف المستمر الذي تتعرض له الموانئ الواقعة في الجيب، والانهيار المؤقت لوقف إطلاق النار غير المستقر في 3 يونيو/حزيران، يثير شبح وجود جولة أخرى من القتال، واسعة النطاق (…) يصبح من الأهمية أكثر من أي وقت مضى، أن يمارس جميع الأطراف بما في ذلك القوات السورية أقصى درجات ضبط النفس وبذلك يمكن للأطراف تحاشي أي كوارث لا معنى لها أبدا قد تحدث في المستقبل (…) نحن لا نعتقد أن القوة العسكرية من شأنها أن تحل المشاكل التي يعاني منها لبنان، كما أظهر تاريخ الأحداث منذ 14 سنة بصورة واضحة أنه يتعذر ذلك ويسرني أن أسمع أنكم تشاطرونني هذا التقدير (…) ويجب أن أطلعكم يا سيادة الرئيس أنه كانت لدينا تحفظات حول المعالجة التي كان يطرحها الجنرال ميشال عون لمعالجة الموانئ غير الشرعية والعنف الذي نجم عن ذلك وقد أعلمناه بمخاوفنا هذه، ولا شك رغم ذلك- من وجهة نظرنا- كان الجنرال عون فعلا يتحدث عن مجموعة هامة من الآراء في لبنان تماما كما يمثل الدكتور الحص من جانبه. هو قائد القوات المسلحة اللبنانية، لذلك فإن تعاونه وتعاون حلفائه سوف يكون ضروريا إذا ما بوشر في حوار بين اللبنانيين تحت ظل ورعاية جامعة الدول العربية في أي وقت في القريب العاجل.
سيادة الرئيس، إننا في إعلاننا لموقفنا هذا نريد أن تعرفوا أن الولايات المتحدة تعترف بأن الحكومة السورية لديها مصالح هامة في العلاقة مع لبنان ولكننا نعتقد أن هذه المصالح تكون في أفضل مأمن داخل سياق تسوية سياسية شاملة بين اللبنانيين وعلاقة لبنانية- سورية طبيعية. كما أننا أعلمنا حكومتكم عن مخاوفنا الخطيرة حول الدور الذي يلعبه الجيش السوري بالقصف المدمر وسوف نستمر في التعبير عن مخاوفنا… المخلص لكم، جيمس بيكر”.
الأسد ردّاً على بيكر: لا نريد إلغاء دولة لبنان
وعلّق الأسد: “… فيما يتعلق بإنهاء الحصارات دون شروط، فمن الذي بدأ الحصار؟ إنه عون… كان رافضا، وحتى الآن يرفض عون هذا. إنهاء الحصارات لا خلاف عليه، نحن لسنا الذين نقدر إنهاء الحصارات أو عدمه، يتفق اللبنانيون على إنهاء الحصار؟ ينهونه… كيف ستوافق القوى الوطنية على أن تأتي بواخر تحمل سلاحا وذخائر للشرقية، وكلهم على قناعة بأنها ستنزل على رؤوسهم. ثم، ألا يشجع استمرار وصول الذخائر والأسلحة ميشال عون على استمرار القصف، خاصة وأن القوى التي تحرضه لا تحرضه لسواد عينيه أو لسواد عيون اللبنانيين وإنما لأسبابها الخاصة، وعلى حساب دماء اللبنانيين”. وأضاف: “… سوريا لا تريد إلغاء دولة لبنان ولكن يبقى السوريون واللبنانيون شعبا واحدا، وإننا لو طرحنا شعار من مع سوريا ومن ضد سوريا فإن الأقلية ستظهر نقطة في بحر”.
في 26 يوليو/تموز استقبل الأسد إلياس الهراوي، وبعد جولة عامة في الأفق حول الوضع في لبنان “تحدث الرئيس اللبناني عن أن استمرار هذا الوضع وعدم اتخاذ إجراءات عملية لإنهاء عون سيؤدي إلى سقوط الشرعية واتفاق الطائف”.
غزو الكويت وانقلاب لبنان
في 2 آب 1990، اجتاحت القوات العراقية الكويت وحدث زلزال كبير في المنطقة بسبب هذا الاجتياح وغيّر الأولويات. ولا شك أن الوضع الجديد أضعف ميشال عون الذي كان صدام يسانده وكانت بعض الدول العربية تتعاطف معه بسبب الضغط العراقي، فالاجتياح خلق حالة جديدة زادت من تعقيدات الوضع بالنسبة لعون.
في 19 آب، استقبل الأسد الهراوي الذي تحدث كثيرا. وبين ما قاله: “جميع الاتصالات مع عون، لم تصل إلى نتيجة وأن عون مستمر في إجراءاته وفي تعقيده للوضع، وأنه لا بد من إنهاء عون لإكمال الإصلاحات”.
وتحدث عن دور الدولة. وأضاف أن “بقاء عون مشكلة كبيرة وبالتالي لا يعرف متى تنتهي أحداث الخليج لاسيما وأن الأميركيين نفسهم طويل”. وأشار إلى التحضيرات العسكرية التي شملت استعداد الجيش للزج بثمانية آلاف جندي وتقديم السوريين المدفعية والذخائر والسلاح، قائلا: “أملنا هو الخلاص من عون، وأعتقد أن مجرد عرض العضلات سيؤدي إلى انهيار”.
الأسد للهراوي: القرار حاسم حسب الوضع الدولي
قال الأسد للهراوي: “بعد عون أليست هناك مشكلة؟ الحلقات الأخرى، أقصد القوات اللبنانية ألا تحتاج إلى جهد عسكري؟”. قال الهراوي إن سوريا “تحل مشكلتي” بري وجنبلاط، و”صهري (وزير الخارجية الأسبق فارس بويز) يقول إنه قادر على حل قصة جعجع”.
وتضمنت “رسالة” الأسد للهراوي، أيضا: “نعيش معكم ونشارككم أفكاركم ومشاعركم ولست ضد تمنياتكم، انطباعي أن موقف الفرنسيين ليس إيجابيا ولا بد من الاتصال لمعرفة موقفهم الحقيقي وهم متشبثون بعون، حرصنا على سرعة الحل ليس أقل من حرصكم. الوضع خطير في المنطقة، لذلك إحساسنا بأهمية الحل ليس أقل من الماضي، وتبقى مشكلة لبنان لها خصوصيتها بالنسبة لنا، لكن التداخل العجيب بين مصالح الدول الإقليمية ولكل دولة مشكلة”.
وزاد الأسد: “هناك مشكلة العراق، وهناك تفسيرات وتساؤلات كثيرة. موقف سوريا لم يتغير من أي مشكلة والآخرون يتحدثون عن العراق كما كنا نتحدث نحن، هناك من الدول من يتمنى أن لا تؤثر مشاكل أخرى على ترتيباتهم المتخذة سواء السياسية أو العسكرية (الولايات المتحدة بالنسبة لموضوع العراق والكويت). تعرفون كنا جادين وأرسلت قوات ولم نسحبها حتى لا يتكون انطباع بأن القوة رجعت وهناك عشرون سببا يدفعنا للانتهاء بسرعة، لنا مصلحة بعدم تصديع جبهة اتفاق الطائف. نريد معرفة الجو العالمي ورأيكم، لأن بعض القوى العالمية تخشى التشويش الآن على استراتيجيتها”، لإخراج صدام من الكويت. ووعد بـ”قرار حاسم في ضوء التطورات الإقليمية والدولية”.
رسالة أميركية للأسد: على عون التنحي
في 7 تشرين الأول، استقبل خدام السفير الأميركي لمدة طويلة، حسب محضر الاجتماع، قال دجيرجيان: “لدي رسالة… خلال مقابلة الشرع للسيد بيكر أخذ هذه المبادرة بإمكانية استعمال القوة العسكرية ضد الجنرال عون، وطبعا بيكر ذكّر السيد الشرع بموضوع لبنان على أنه نوقش بشكل عام مع الرئيس الأسد وأن موضوع الحل العسكري لم يبحث”.