محليات

بضع غرامات من اليورانيوم ومفاعل واحد … لماذا لا يلجأ لبنان الى الطاقة النووية؟

الكهرباء مشكلة لبنان التي تستعصي على الحل، فمنذ أكثر من عقدين من الزمن وتكاليف تجاوزت عشرات المليارات من الدولارات يواجه هذا المنتج الاستراتيجي خطر غيابه بشكل كلي عن منازل اللبنانيين، علماً أن الكهرباء تزورهم لساعات لا تتخطى عدد أصابع اليد الواحدة يومياً إن لم نقل أسبوعياً.

هذا الأمر يفتح الباب واسعاً عن استراتيجية الطاقة في ظل غياب سياسة Mix-Energy التي من الواجب اتباعها حفاظًا على أمن الطاقة للدولة اللبنانية باستثناء المبادرات الفردية للمواطنين وبعض المؤسسات، كل ذلك يهدف إلى تقليل فاتورة الطاقة التي أرهقت الخزينة، فهل تكون الطاقة النووية هي الحل الجذري؟

الطاقة النووية هي عبارة عن طاقة اكتشفها في ثلاثينات القرن الماضي العالمان نيل بوهر وألبير أينشتاين. وأظهر هذا الاكتشاف أن عملية إنشطار نواة ذرة اليورانيوم تولد طاقة هائلة يُمكن استثمارها في مجالات عدة، منها الطبي، العلمي، الاقتصادي والعسكري.
ويُسمى المكان الذي يتم فيه توليد هذه الطاقة بالمفاعل النووي الذي يندرج تحت ثلاثة أنواع بحسب نسبة تخصيب اليورانيوم، فالتخصيب بنسبة 20 بالمئة يسمح باستخدام المفاعل في الأبحاث العلمية والمجال الطبّي، وما إن يتجاوزه إلى 50 بالمئة فعندها يمكن توليد الكهرباء، أما في حال الوصول الى 80 بالمئة وصاعداً فهذا يعني أن المفاعل خرج عن الأُطر السلمية باتجاه المجال العسكري وخصوصاً البرامج النووية لإنتاج أسلحة الدمار الشامل.
أسلحة استخدمت في الحرب العالمية الثانية، وظهر ضررها الذي لا يمكن حصره ما جعل هذه الطاقة محصورة في عدد ضئيل من البلدان في العالم، لذا فإن الحصول على هذه التكنولوجيا يبقى مساراً طويلاً يمتد على مدى يصل إلى 30 عاماً، وتحت أعين الهيئة الدولية للطاقة الذرية التي تتأكد من أن هذه التكنولوجيا لن تُستخدم لأغراض عسكرية.
يقول الفيزيائي سامي مصطفى إن الاستخدمات الطبية للمفاعلات النووية لها أهمية كبرى في الحياة اليومية لناحية المعالجة الطبية التي تنتج عن استخراج النظائر الفيزيائية، وكذلك على صعيد توليد الطاقة لجهة الفائدة الهائلة من خلال الكلفة المتدنية والاستقلالية اللذين يتمتع بهما البلد الذي ينتج الكهرباء من خلال الطاقة النووية، فالغرام الواحد من اليورانيوم المستخدم في إنتاج الطاقة الكهربائية يعادل طنين من الفيول أو 3 أطنان من الفحم.
في لبنان فمن المعروف أن معهد البحوث العلمية اللبناني قام منذ أعوام باتصالات مع الهيئة الدولية للطاقة الذرية بهدف البحث في إمكانية إنشاء مفاعل نووي للأبحاث، لكن هذه الاتصالات ما لبثت أن توقفت نظراً إلى الشروط التي تفرضها الهيئة الدولية للطاقة الذرية، والتي يفتقدها لبنان، حيث تطالب الوكالة الدولة بالثبات السياسي والأمني، حيث طالبت الوكالة بمرحلة تجريبية تتخطى العشرين عاماً، فضلاً عن العجز على رصد موازنة صيانة سنوية للمفاعل في الموازنة العامّة، بالإضافة إلى غياب الحوكمة الرشيدة التي تفرض غياب الفساد والهدر في الإدارة العامة أقله في مجال إدارة القطاع النووي، وهو ما يجعل هذه الأمور كفيلة برفض أي طلب لبناني مع العلم أن بعض الدول الأوروبية على سبيل المثال هولندا أعلنت استعدادها لتقديم مفاعل نووي مجاني إذا ما وافقت الهيئة الدولية للطاقة الذرية على ذلك، لكن ذلك مستحيلاً في ظل الظروف الحالية في لبنان، ووجود “إسرائيل” التي ترفض رفضاً قاطعاً وجود برامج نووية ولو سلمية في الشرق الأوسط، حيث استهدفت “إسرائيل” سابقاً مفاعل “تموز” العراقي و “الكبر” السوري وسعيها الدائم لعرقلة برنامج إيران النووي.

وعن المشاكل أيضاً يقول “مصطفى” إن صغر مساحة لبنان وعدم توفر مناطق نائية بعيدة عن الأماكن السكنية يُعيق إنشاء المفاعل، بالإضافة إلى افتقار لبنان للمواد الأولية سواء للبناء أو البدء بالإنتاج.

مشكلة أخرى وهي الفضلات النووية أين سيتخلص لبنان منها؟ تحتاج هذه الفضلات لبحيرات ضخمة لتبريدها قبل أن تُدفن في أماكن صحراوية بعيدة جداً عن الأماكن السكنية ومصادر المياه الجوفية، فهل يتوفر ذلك في لبنان؟! وهل للبنان القدرة على تصديرها إلى الخارج ومن سيستقبلها؟ هذا بالإضافة إلى الفاتورة الصحية للسكان ممن يُحيطون بمكان المفاعل والذين بحاجة لأخذ لقاحات باهظة الثمن بشكل دوري تفادياً للكوارث الصحية والأمراض الخبيثة.

يحتاج لبنان لحل معضلته بحسب “مصطفى” إلى مفاعل واحد فقط وبضع مئات من الغرامات من اليورانيوم، لتوفير ما يزيد على 4 مليارات دولار سنوياً كلفة مباشرة لثمن الفيول، وأكثر منها بأضعاف أكلاف غير مباشرة على الاقتصاد اللبناني، لكن لنصل إلى ذلك فعلى المعنيين تغيير نظرة الهيئة الدولية للطاقة الذرية للبنان التي تؤكد أنه غير مؤهل لامتلاك مفاعل الخلاص لأكبر أزماته.

عزت ابو علي – Lebanon On

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى