المقايضة باللامركزية الإدارية سقطت في امتحان “بيع” موقع الرئاسة
جاء في “المركزية”:
“أعطونا اللامركزية الإدارية والماليّة وصندوق إدارة أصول الدولة… وخذوا الرئيس”. بالمباشر قالها رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل يوم كان لا يزال واقفا على أغصان المعارضة ومناديا بإسم المرشح الرئاسي جهاد أزعور. لكن عندما قرر أن ينزل عنها استخدم “فزاعة” اللامركزية الادارية، و هدّد بتطبيق اللامركزية الادارية الموسعة على الأرض إذا لم تتحقق بالقانون بعد تأخرها 33 عاما منذ الطائف.
هي ليست المرة الأولى التي يستعمل فيها باسيل “سلاح” اللامركزية وكأنه يريد أو يفكر أنه بذلك يحرج الطوائف الأخرى وتحديدا خصومه في السياسة . ومعلوم ان اللامركزية الادارية وردت كبند اصلاحي في اتفاق الطائف، إلا أنه لم يتم التعاطي معه بجدية على مرّ العقود، فما المقصود “بالبدء على الارض”، وهل يمكن تطبيقها عن طريق استعمال القوة، علما أنه من أول المعارضين و”باي شكل من الاشكال للتقسيم او الفدرالية؟”.
في الشكل تفيد مصادر معارضة “المركزية” أن باسيل يريد أن يفاوض على السلطة من باب المقايضة ويعلم تماما أنه لا يؤخذ على محمل الجد. وكان من الممكن أن يفرض طرح التطبيق الجدي للامركزية الادارية بالقوة عندما كانت شعبيته فوق الأرض.
لكن الأكيد أن جواب حزب الله ضمنا كافٍ “ما حصلت عليه في عهد الرئيس السابق ميشال عون لا يمكن الاستمرار به اليوم، لا سيما لجهة التحكم بمفاصل الدولة وادارتها”.
ردة فعل باسيل فهمها الحليف-الخصم وتم استيعابها. لكن بعيدا من أسلوب “الفزاعة” ثمة إيجابيات في اللامركزية الادارية في وطن تعددي متنوع إسمه لبنان. وتؤكد المصادر أن “اللامركزية الادارية ليست بفزاعة، بل هي حق، ومخرج جيد، وهي نمط إداري مفيد للبنان التنوع ولتطوره ولاستقراره، إلا أن طرحها في هذه المرحلة وبهذا الشكل، وهذه الظروف، يجعل منها خشبة خلاص وهمية”.
يدرك كل من ناقش قانون اللامركزية، الذي عمل عليه الوزير السابق زياد بارود في عهد الرئيس ميشال سليمان، أنّ اللامركزية الإدارية تتضمّن حتماً مواد تكرس مزيدا من الاستقلال المالي، وتحديدا للبلديّات ولاتّحادات البلديّات. غير أنّ طرح اللامركزية الإدارية والماليّة يفتح باباً أوسع للاستقلال المالي لا يوافق عليه داخلياً الثنائي الشيعي ولا القوى السنّيّة، وخارجياً القوى الراعية لاتفاق الطائف على اعتباره قانونا يتقدّم على اللامركزية الإدارية المنصوص عليها في وثيقة الوفاق الوطني، ويلامس بشكل أو بآخر كلاماً تقسيمياً مرفوضاً قطعاً داخلياً وإقليمياً ودولياً.
تحت بند اللامركزیة الإداریة نص اتفاق الطائف على “أن الدولة اللبنانیة دولة واحدة موحدة ذات سلطة مركزیة قویة، وتوسیع صلاحیات المحافظین والقائمقامین، وتمثیـل جمیـع إدارات الدولـة فـي المنـاطق الإداریـة علـى أعلـى مسـتوى ممكن تسهیلاً لخدمة المواطنین وتلبیة لحاجاتهم محلياً واعتماد اللامركزیـة الإداریـة الموسـعة علـى مسـتوى الوحـدات الإداریـة الصـغرى (القضـاء ومـا دون) عـن طریـق انتخاب مجلس لكل قضاء یرئسه القائمقام، تأمیناً للمشاركة المحلیة.
وانطلاقا مما ورد في اتفاق الطائف تلفت المصادر إلى أن طرح اللامركزية الإدارية والماليّة التي يطلبها باسيل ليست ممكنة، خصوصاً أنّها بحاجة إلى مناقشة وطنية وتشريع ومراسيم تطبيقية غير ممكن تطبيقها حالياً. أضف إلى ذلك أن قانون اللامركزية الإدارية الذي ناقشته دوائر كنسية ورهبانية لا ينص على استقلالية مالية تتخطى ما ورد في الطائف، إنما يراعي القوى الوطنية والطائفية المختلفة وهواجس كلّ فريق فيها. وبالتالي ما تزال اللامركزية الماليّة موضع بحث في تفاصيلها كي لا تؤدّي إلى شبه تقسيم أو إلى شبهات الإخلال بالتوازنات الداخلية.
وما يعزز الشكوك بأن طرح باسيل للامركزية الإدارية لا يخرج عن طور المقايضة إقرانه بشرط إنشاء صندوق إدارة أصول الدولة وترؤسه ضمنا. وبذلك تتم المقايضة ربما ويقبل بمرشح الثنائي. لكن كل هذا يبقى في إطار مروحة التجاذبات السياسية التي باتت من صلب سياسة باسيل لا سيما بعد خروجه من قصر بعبدا مع انتهاء عهد عون.
في الأيام المعدودة ما قبل الأخيرة من نهاية عهد الرئيس ميشال عون ،برز في سياق سرد الرئيس عون للمشكلات والأزمات والمعضلات، تركيزه بقوة وإلحاح وتشديد، على تحقيق وتطبيق اللامركزية الادارية. فهل يكون العهد التالي على أساس المقايضة لحقوق طبيعية وثابتة وردت في وثيقة الوفاق الوطني وتحت عباءة اللامركزية الإدارية؟
المصادر التي أصغت بتمعن إلى”الخطاب الباسيلي” لا تخفي خشيتها من استعمال شتى المقايضات ولو كلف الأمر بيع موقع رئاسة الجمهورية.