حالات تسمم في بيروت والضاحية
في خضم الموسم السّياحيّ، المُزدحم بالتّهليل الشعبيّ والدعاية الرسميّة، تطفو على السّطح مؤخرًا، بعض الثغرات التّي تُثير المخاوف من تأزم الأمن الغذائي العام، خصوصاً بما يتعلق بالأطعمة والمنتجات الغذائيّة. إذ لوحظ وعلى امتداد الأراضي اللّبنانيّة مئات حالات التّسمم الغذائي الناجم عن فساد ما يتناوله اللبنانيون، شرابًا ومأكلاً، ومخالفة بعض قطاعات الخدمات الغذائية -التّجاريّة (الباتيسري، المطاعم، معامل الأجبان والألبان والأفران.. إلخ) أدنى المواصفات الآمنة صحيًّا. وفيما يبدو من العصيّ الحصول على إحصاءات دقيقة للمصابين وأعدادهم، والحالات الصحيّة التّي تصاحبهم، خصوصاً أن الوزارات المولّجة، وعلى رأسها وزارة الصحّة، يقتصر تدخلها على التّبليغ والتّوقيف الجزئي للمحال التّجاريّة مع شرط تصحيح الأعطال.
إقفال معامل في بعلبك
وعلى سيرتها الدائمة، تتلقف مدينة بعلبك، واحدة من أكثر المدن المنكوبة في لبنان، المشهديّة الكارثيّة. إذ كشفت المصادر المُتابعة عن عشرات حالات التّسمم الغذائي وحمى التيفوئيد والسّالمونيلا، والتّي تجاوزت عتبة المعدلات السّنويّة، بأشواط، موزعة على طوارئ المستشفيات والمستوصفات. فيما يعزو المراقبون الصحيون هذا الوضع الصحيّ المأزوم إلى عوامل عدّة تتقاطع في صلبها مع الأزمة الاقتصاديّة الخانقة، فضلاً عن الاستهتار الرسميّ بأمن البقاعيين الغذائي، لصالح حماية ما سُمي بالموسم السّياحي الواعد. فشحّ المياه وتلوثها، وانقطاع الكهرباء المُزمن، وغياب التّدقيق بشروط السّلامة الصحيّة، في المحال التّي تبيع اللحوم الحمراء والبيضاء (الدجاج والأسماك) ومشتقات الحليب من الأجبان والألبان.
أما بما يتعلق بالأجبان والألبان ومشتقات الحليب عمومًا، فيتفاعل منذ سّاعات خبر إقدام محافظ بعلبك- الهرمل، بشير خضر، على إصدار قرار كلف فيه القوى الأمنية في المنطقة بالتّنسيق مع أصحاب 13 معملاً في بعلبك، بوقف الإنتاج الفوريّ لجميع المنتجات غير المطابقة للمواصفات، وذلك حتى يتم تصحيح الأوضاع وضمان الامتثال للمعايير المطلوبة، ذلك استنادًا لتقرير كان قد تقدم به رئيس قسم الصحة في منطقة بعلبك الهرمل، الدكتور علي صبحي هزيمة، بعد حملة دامت شهرين لجمع عينات لإجراء الفحوص الجرثومية من مختلف معامل الأجبان والألبان في المنطقة.
ad
وشملت حملة جمع العينات ما مجموعه 19 معملاً، وتوصلت النتائج إلى أن هناك تجاوزات في 13 معملًا بخصوص تطابق المنتجات مع المواصفات المحددة. تبين أن هذه المنتجات تحتوي على مستويات زائدة من القولونيات الإجمالية، وكذلك وجود مكونات مثل إيشيريشا كولي، والخمائر، والفطريات. وقد أعلن عن عزم الجهات المراقبة على إلزام المعامل باتخاذ الخطوات التّصحيحيّة بناءً على تقرير سيتم إصداره من قبل مصلحة الصحّة في منطقة بعلبك الهرمل. هذا التقرير سيؤكد بشكل نهائي ما إذا كانت المنتجات قد توافقت مع المواصفات المعتمدة أم لا.
أمن صحيّ وغذائي مهزوز
وبالتّوازي أصدرت بلدية الغبيري، مساء أمس الاثنين 21 آب الجاري، بيانًا أعلنت فيه أن فريق المراقبة الصحّيّة التابع للبلدية قام بإغلاق مستودع للمواد الغذائية، ويحمل اسم “مستودع عليان للمواد الغذائية”، الذي يتبع المدعو (م. ع) والموجود في منطقة بئر حسن – السّفارة الكويتية. حيث تم اتخاذ هذا الإجراء في إطار الجهود الرامية إلى حماية الصحة العامة وضمان سلامة الأفراد من خطر حالات التسمم الغذائي.
وجاء إغلاق المستودع بسبب عدم استيفائه لأي من شروط الصحّة، حيث كانت الأرضيات والأسقف والجدران وقواعد البضائع وأجهزة الإطفاء والإضاءة وأنظمة التهوية غير مطابقة للمعايير الصحية مرعيّة الإجراء. بالإضافة إلى ذلك، تم اكتشاف وجود حشرات وقوارض بشكل واضح داخل المستودع. وتمّ العمل بتعاون مع الشرطة التابعة للبلدية وأمن الدولة، لإتلاف جميع المواد الغذائية الفاسدة بشكلٍ كامل. كما وتعهد صاحب المستودع بأنه سيقوم بإخلائه خلال مدّة أقصاها 24 ساعة.
هذا الحال، لا يتوقف على المناطق الريفيّة والضواحي، فقد امتد ليشمل بيروت المركزيّة، حيث أُعلن في غضون الأيام الماضيّة عن عشرات حالات التّسمم الغذائي والأمراض الهضميّة والمعويّة الناتجة عن غياب أجهزة المراقبة الصحيّة والغذائيّة. إذ أفادت دائرة العلاقات العامة في بلدية بيروت في بيان أن “محافظ مدينة بيروت القاضي مروان عبود أصدر قراراً حمل الرقم 788/ب تاريخ 18 آب 2023 يتعلق بإقفال أحد المطاعم في مدينة بيروت بالشمع الأحمر لتسببه بحالات تسمم غذائية لبعض المواطنين”.
والأزمة المُستجدة يصاحبها نوعٌ من السّخط الشعبيّ، وسط انبثاق مطالبات بوقف الاستهتار بحياة المواطنين والسّياح والمقيمين في لبنان، كذلك بأمنهم الغذائيّ.