محليات

طرقات لبنان ساحات إعدام.. وأرقام الضحايا بالآلاف

انطلاقا من مقاييس عديدة تتعلق بالمعايير التي يجب ان تتوافر لطرقات سليمة وآمنة، فان الإنفاق العام على هذا القطاع في البنان كان خائبا وهزيلا منذ العام 2012، في دولة يقضي أكثر من نصف مواطنيها بحوادث سير مميتة يوميا. والأدلة العملية والتطبيقية على ارض الواقع تؤكد ان صيانة الطرقات ليست الا تصليحات على مبدأ “هات ايدك ولحقني” أي “تسكيج”.

وفي الإطار، 40 في المئة من الأموال التي هُدرِت من الإنفاق الاستثماري لم تحل، ولو بالحد الأدنى هذه العقبة. ولا يخفى على أحد ان طرقات لبنان بأكملها متحركة أي متزعزعة، ناهيك عن الحفر التي تتوسط اغلبية الطرقات، والتي تعتبر من الأسباب الرئيسة لوقوع الحوادث، في ظل اختفاء كامل للوزارات المعنية التي أصبحت قناة اساسية للممارسات الزبائنية والمحسوبيات السياسية والأموال، التي تنهب تحت شعار التلزيم.

وبعد انتهاء الحرب هذه الزبائنية لا تزال قائمة، والداعم الأول لها السلطة، في ظل اختفاء مبدأ المحاسبة والمساءلة. فالاعتمادات التي خصصت كنفقات لإنشاء وتأهيل وصيانة الطرق منذ ما بعد العام 2010، تصل قيمتها الى مليارات الليرات، وهذه الزيادة بحسب وزارة المال لم تحقق نموا حقيقيا في القطاع وفقا للتلزيمات التي تجري فيه.

سمسرة ومحسوبيات

ظاهريا، تُجري وزارة الاشغال العامة تلزيمات اشغال، تزفيت وصيانة وتأهيل طرق في مختلف المناطق اللبنانية. والسؤال الذي لا ينفك يبرح اذهان المواطنين، اين تحدث هذه التصليحات تحديدا؟ وماذا عن الإضاءة على الطرقات السريعة والاتوسترادات؟ وماذا عن الإشارات المرورية وصيانة وتنظيف المصابيح المتواجدة داخل الانفاق؟ بحيث ان الغبار المتراكم عليها يحجب 90% من الضوء، وهذا الامر يؤثر على رؤية كبار السن تحديدا.

هذه الأسباب مجتمعة تدل على ان آلية التلزيم ليست شفافة بالمقدار الكافي، نظرا لحيازتها على هدر وسمسرة، تعكس الواقع السياسي وخريطة المحاصصة السياسية والزعائمية وحتى الطائفية، التي يترنح تحت لهيب جمرها البلد.

الاشغال محصورة

مصدر في وزارة الاشغال العامة قال لـ “الديار” ان “التعهدات محصورة منذ عشرات السنين بعدد من الشركات التي يملكها 5 متعهدين ، اما مباشرة او عن طريق الواسطة، عبر موظفين لديهم او أقاربهم داخل حصن الوزارة”. فالتلزيمات بحسب المصدر، تجري بين المتعهدين الذين استثنوا من “حصة” الاشغال التي لُزّمت، على قاعدة “هذا قليل من كثير الوزارة، اذ ان هذه التلزيمات تحصل عبر استدراج عروض محصورة لا يعلن عنها، وتبقى طي الكتمان بين الإدارة والمتعهد، ويتم إنفاق الاموال على الطرقات بـ التسكيج” وتزهق الأرواح، عدا اعمال الصيانة وإعادة التأهيل والاضاءة اللازمة خاصة في فصل الشتاء، حيث تكون الامطار غزيرة والشوارع كناية عن بؤر من المياه والحفر الكبيرة المتكدسة بالنفايات”.

نظام النقل “ركيك”

يكابد نظام النقل في لبنان من فشل الاستدامة، وهذا الإخفاق ناجم عن عوامل اقتصادية وبيئية واجتماعية عدة منها: التلطخ البيئي الناتج عن وسائل النقل، وانعدام المساحات العامة من حدائق وطرقات وهشاشة المساواة في التنقل، وافتقاد مختلف وسائل الانتقال، والتنقل بما في ذلك ضعف السلامة المرورية. وقد لا يكون لبنان البلد الوحيد الذي يخسر ضحايا على الطرقات، الا انه بالتأكيد من بين زمرة البلدان التي لا تكون ردة فعل المسؤولين فيه على مستوى الفاجعة، وليصبح الموت كأنه حدث عابر، ولتتحول طرقاته لميدان اعدام مع كل الخسائر البشرية الناجمة عن حوادث السير.

ارقام واحصاءات مخيفة

وفي سياق متصل، فإن المجازر التي تحصل على طرقات لبنان باتت تستوجب التحرك من جهة المسؤولين، فقد سجلت منذ بداية شهر آب الحالي اعلى نسبة حوادث سير قاتلة، أسفرت عن سقوط 18 ضحية و104 جرحى في 77 حادث. هذه الكارثة تقع كل يوم في لبنان، فوسائل النقل البري جراء الصدمات المرورية تحصد كل عام ما يقارب 500 قتيل و5000 جريح، عدا عن الخسائر المادية الفردية والمجتمعية والاقتصادية، وحتى النفسية الناجمة عن هذه المعضلة الى جانب الاعاقات التي تحدث للمصابين.

على خطٍ موازٍ، اشارت آخر تقارير “الدولية للمعلومات” المستندة الى إحصاءات قوى الامن الداخلي “ان لبنان شهد خلال الأعوام 2012 – 2023 (حتى نهاية شهر حزيران) سقوط 6,001 ضحية، بمعدل سنوي بلغ 527 ضحية أي بنسبة 1.57 ضحية في اليوم الواحد. وتبين انه في عام 2018، تم تسجيل 6154 حادث سير أسفر عن مقتل 559 شخصا وجرح 7995 آخرين”.

ولفتت “الدولية للمعلومات” الى “ان الأرقام تراجعت في العام 2019، الى 5157 حادث سير أدى الى مقتل 540 شخصا واصابة 6841، وبقي الانخفاض عام 2020 الى 3129 حادث سير أدى الى مقتل 409 اشخاص واصابة 4137، واستمرت الأرقام منخفضة عام 2021 حيث وقع 3132 حادث سير أدى الى مقتل 419 واصابة 3470. وعام 2022 حصل 2113 حادث سير أدى الى مقتل 359 واصابة 2366، بينما عام 2023 حتى نهاية أيار سجل 857 حادث سير أدى الى مقتل 151 شخصا واصابة 947 آخرين. هذا ويعاني ثلثا الجرحى من إصابات ثانوية، بينما يعاني الثلث الآخر من إصابات خطرة قد تؤدي الى الوفاة أحيانا.

بالموازاة، نشرت جمعية “يازا” على صفحتها الرسمية “ان مع ما يقارب مليون و300 ألف قتيل، وحوالي 20 الى 50 مليون جريح في العالم، تعد سلامة الطرق أحد اهم خمسة أسباب للوفاة في البلدان ذات الدخل المتوسط او الضعيف، والتي ينتمي اليها لبنان”. اضافت “في هذه الدول تحدث 90% من حوادث الطرق، على الرغم من انها تمتلك اقل من نصف عدد المركبات في العالم”. وختمت “هذا الوباء الذي يحصد مئات الآلاف من الضحايا في العالم يصيب لبنان”.

في الخلاصة، يعتبر اقتراح وزير النقل والاشغال العامة في حكومة تصريف الاعمال علي حمية، انشاء صندوق لتمويل قطاع النقل يتم تمويله من الغرامات والمخالفات ليس حلا جذريا، كون يقع على عاتق السلطة تأهيل وصيانة البنى التحتية للطرقالت أولا، في ظل غياب تقييم دقيق وكامل لشبكة الطرق وغياب الأرقام الدقيقة حول جودتها. هذه المسؤولية تقع مناصفة على عاتق كل من وزارة الاشغال والبلديات، الى جانب الجهات المعنية بالنقل مثل مجلس الانماء والاعمار.

وفي إحصاء رسمي اجري في العام 2022 بيّن ان اقل من 20% من شبكة الطرقات تعتبر بحالة جيدة، مقابل 70% في حالة متوسطة و13% ضعيفة الى سيئة جدا.

والسؤال الذي يطرح نفسه، اين المجلس الوطني للسلامة المرورية وغرفة التحكم المروري التابعة لهيئة إدارة السير والمركبات؟ الجواب بسيط ويتمثل بإيجاد الحلول الجذرية للسلامة المرورية المستدامة ، لان اضمحلالها يعد من أبرز العوامل التي تحصد الأرواح والخسائر بشكل جسيم يوميا.

الديار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى