سلامة يؤجّج الخلاف بين القضاة: خطوات مرتقبة تحدد مصيره
نجحت قضية حاكم مصرف لبنان السابق، رياض سلامة في تشتيت القضاة، فأججت الخلافات القضائية بينهم، وتباعدت وجهات النظر، واختلفت الآراء حول سُبل التعاطي مع هذا الملف قضائيًا.
استمرار الخلافات
تتسلل من داخل الهيئة الاتهامية رائحة الخلافات، وتفوح في أروقة قصر عدل بيروت. وينقسم القضاة، بين مؤيدين لخطوة السيطرة على ملف سلامة والتوجه نحو إصدار مذكرة توقيف بحقه، وبين معارضين لهذا القرار، يحاولون الابتعاد عن الملف بكل السبل المتاحة أمامهم.
مصادر قضائية أكدت لـ”المدن” بأن العطلة القضائية كان لها دور أساسي في تباعد الآراء، بسبب تبدّل القضاة خلال هذه الفترة. مفاد هذا الكلام، أن الهيئة الاتهامية التي فسخت قرار قاضي التحقيق الأول شربل أبو سمرا، بترك سلامة رهن التحقيق، كانت مؤلفة من الرئيسة ميراي ملاك والمستشارين محمد شهاب، وفاطمة ماجد، وحددت جلسة استجوابه الأربعاء الماضي، التاسع من آب، وتبدّل القضاة. وبات القاضي سامي صدقي هو المسؤول عن استجوابه في هذا التاريخ، وبعد تعذّر تبليغه أرجئت الجلسة إلى التاسع والعشرين من آب الجاري، وحينها، ستكون الهيئة الاتهامية برئاسة القاضي ماهر شعيتو.
هذه المعطيات تعني، أن التوجه نحو إصدار مذكرة توقيف وجاهية أو غيابية بحق سلامة، بحاجة إلى موافقة مجموعة من القضاة، علمًا أن هذا الخيار ليس محسومًا بعد لدى البعض، خصوصًا بعدما رجحت مصادر قضائية بأن القاضي ماهر شعيتو قد يرفض هذا القرار لأسباب عديدة.
تعذر تبليغ سلامة
المؤكد اليوم، أن الهيئة الاتهامية لم تتمكن بعد من تبليغ سلامة بموعد جلسته المقبلة. ويشير مصدر قضائي رفيع لـ”المدن” أن الهيئة الاتهامية لم تعثر بعد على مكان إقامة سلامة الحالي، فهو غير موجود في عنوان سكنه السابق المعرّف عنه أمام القضاء اللبناني، وبالتالي من المفترض أن تتجه الهيئة الاتهامية إلى تبليغه لصقًا، أي إلصاق نسخة من وثيقة التبليغ على باب سكنه، أو أمام مختار المنطقة، ويلصق التبليغ على إيوان المحكمة.
الجدير بالذكر، إن الهيئة الاتهامية لن تتمكن من إصدار مذكرة توقيف بحق سلامة في حال تعذّر على الأجهزة الأمنية تبليغه، علمًا أن إختفاء سلامة يعتبر مقصوداً، وهي من الألاعيب المكشوفة التي اعتمدها سابقًا للتهرب من جلسات استجوابه.
والاسئلة التي تُطرح: كيف يمكن للأجهزة الأمنية ان تكون عاجزة عن إيجاد سلامة؟ وكيف يمكن أن يكون قد اختفى فجأة؟ لماذا يتعذّر على الأجهزة الأمنية إيجاده بالرغم من أن المباحث الجنائية المركزية برئاسة العميد نقولا سعد تمكنت من تبليغه مرتين متتاليتين؟ والسؤال الأهم: لماذا يتحفّظ أبو سمرا عن تقديم أي تفاصيل حول مكان إقامة سلامة؟… لا أحد يعلم الإجابة!
بالعودة إلى أبو سمرا، فقد عملت “المدن” بأنه حوّل ملف سلامة برمته للهيئة الاتهامية، ولن يتم استجواب المساعدة المصرفية ماريان الحويك، وشقيق الحاكم السابق رجا سلامة مرة أخرى، لأن الملف صار تحت قبضة الهيئة الاتهامية ولن يُرجع إلى مكتبه مرة أخرى، بسبب دعوى مخاصمة القضاة التي تقدمت بها رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل، القاضية هيلانة اسكندر أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز.
وذكرت “المدن” في تقرير سابق، بأن قضاة كُثر تفاجأوا بالدعوى التي تقدمت بها هيئة القضايا في وزارة العدل، على اعتبار أنها خطوة غير متوقعة، وقد تؤدي إلى الإطاحة بالملف وتجميده نهائيًا، ليصبح مماثلاً لملف المرفأ المتوقف منذ عام ونصف العام بسبب هكذا دعاوى. فالهيئة العامة لمحكمة التمييز معطلة وبحاجة إلى معجزات كي تتمكن من النظر في هذه الدعوى.
وزير العدل لا يتدخل
وفيما يخصّ وزارة العدل، فقد علمت “المدن” بأن وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال، القاضي هنري الخوري، لم يكن على علمٍ بدعوى مخاصمة القضاة التي تقدمت بها اسكندر سوى بعد تقديمها أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز، ولم يحصل بينهما أي اتفاق حول قرارها ولن يتدخل فيه لأن هيئة القضايا في وزارة العدل مستقلة ومن حقها اتخاذ أي إجراء قضائي يصبّ في مصلحة الدولة اللبنانية.
الحل: تعيين قاضٍ
خطوة واحدة ستكون كفيلة بإعادة الملف إلى مساره الطبيعي، وهي تعيين قاض آخر. ووفقاً لمصدر قضائي بارز، فإن القاضي حبيب رزق الله، الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف، هو المسؤول عن هذا الأمر، وهو أمام خيارين، إما انتظار الهيئة العامة لمحكمة التمييز للبت في الدعوى المرفوعة أمامها، أو تعيين قاض بديل عن أبو سمرا. وحسب معلومات “المدن” فإنه سيتجه لتعيين قاض آخر بسبب تعطّل الهيئة العامة لمحكمة التمييز.
الملف لم يصل بعد إلى رزق الله، وهو بحاجة إلى بضعة أيام، وبعدها سيتوجب عليه تعيين قاضي تحقيق آخر، والخيار سيقع على الأعلى درجة، وبالتالي وحسب معلومات “المدن” سيتم اختيار قاض من بين هذه الأسماء: “فؤاد مراد، بلال حلاوي، فريد عجيب، أسعد بيرم، روني شحادة، وائل صادق”. ورجحت بعض المصادر بأن يتم اختيار القاضي فؤاد مراد.
ستكون الأسابيع المقبلة حافلة بالإجراءات التي ستتخذها الهيئة الاتهامية وهيئة القضايا في وزارة العدل، وبناءً على خطواتهما، سيحدد المسار المقبل لهذا الملف، إما سيجمّد نهائياً أو سيتخذ مساراً إيجابياً، خصوصًا بعد أن يطالب القضاء اللبناني بشكل رسمي بالتدقيق الجنائي للبنك المركزي (ألفاريز أند مارسيل)، والذي أظهر سياسة سلامة الفاضحة داخل المصرف المركزي، مما يعتبر دليلاً إضافياً لتثبيت الجرائم المالية التي ارتكبها سلامة. لكن، الأكيد إلى اليوم أن الملف سيمر في مسار طويل ومعقد، وقد يستغرق أشهراً طويلة قبل الوصول إلى خواتيمه.