لبنان عصيٌّ على الحل.. ترميمه مستحيل!
لبنان عصيٌّ على الحل، وضعه الداخلي مفكك، ترميمه مستحيل إلى درجة أن خماسية الدوحة لم تستطع الاتفاق على مسودة خارطة طريق لترميمه ومعالجة أعطاله ما دفع بمفتي الجمهورية لتوجيه ما يرقى إلى تقريع لنواب السنة لتشتتهم وفشلهم في تحقيق وحدة موقف يمكن أن تنقذ البلد وتحافظ على حقوقهم فيه.
وبدا واضحاً بل جلياً أن بيان الخماسية الصادر بعد اجتماعها في العاصمة القطرية الدوحة، اكتفى بعرض سريع للمعضلات التي يعاني منها لبنان، من دون أن يقترح حلاً لها، واكتفي بإعادة الكرة إلى الملعب اللبناني، معرباً عن استعداد قطر، السعودية، مصر، أميركا وفرنسا للعمل مع لبنان لدعم تنفيذ هذه الإجراءات الإصلاحية التي قال إنه “لا مفر منها لتحقيق ازدهار البلاد واستقرارها وأمنها في المستقبل”.
وأكد البيان أنه بغية تلبية تطلعات الشعب اللبناني وتلبية احتياجاته الملحة، فلا بد أن ينتخب لبنان رئيساً للبلاد يجسد النزاهة ويوحد الأمة ويضع مصالح البلاد في المقام الأول ويعطي الأولوية لرفاه مواطنيه ويشكل ائتلافاً واسعاً وشاملاً لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الأساسية، لا سيما تلك التي يوصي بها صندوق النقد الدولي.
وعبّر عن استعداد الدول الخمس للعمل مع لبنان لدعم تنفيذ الإجراءات الإصلاحية التي “لا مفرّ منها لتحقيق ازدهار البلاد واستقرارها وأمنها في المستقبل”.
ولكن كيف يمكن تحقيق الإجراءات الإصلاحية طالما أنّ المقاربات ضمن الخماسية كما في حقيقة ومضمون المواقف اللبنانية لا تتفق على توجه واحد ما يطرح سؤالاً: لماذا لا تتفق مواقف أعضاء الخماسية على مقاربة متجانسة لإنقاذ لبنان؟
إيران هي عنوان الخلاف الموجود وغير المعلن ضمن الخماسية، فقد اقترحت قطر توسعة الخماسية إلى سداسية وضم إيران إلى الحوار لما لها من قدرة على التعطيل.
قطر، الدولة المضيفة للإجتماع، إقترحت. مصر وافقت على ضم طهران، وفرنسا لم تعترض، أما السعودية فاعتبرت أن الصلح القائم مع إيران برعاية صينية يستند إلى مبدأ عدم العرقلة، فكيف نضم إيران إلى الخماسية فقط لأنها قادرة على العرقلة. واشنطن لم تؤيد ضم إيران ولم تعترض.
حاولت قطر تجاوز عقدة إيران، فاقترحت تنظيم حوار في المجلس النيابي ببيروت مع ضمانات بأنه لن يتعرض بأي شكل للمس بجوهر اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية.
ولكن، كيف يمكن لرئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري وهو أحد ركني الثنائي الشيعي المتحالف مع إيران وسوريا الذي يعطل محاولات إنتخاب رئيس للجمهورية، أن يدير حواراً هدفه إلغاء عرقلة فريقة السياسي المصرّ على مرشحة لرئاسة الجمهورية؟
وقال دبلوماسي أنغلوفوني: “المعضلة هي أن بعض القوى لا تفصل بين التحالفات السياسية والخطط الاستثمارية. بالنسبة لإيران كل شيء يبدأ بالسياسة”.
“The obstacle is that some powers don’t separate political alliances from investment plans .for Iran everything starts with politics.”
وأضاف: “بالنسبة لإيران علاقاتها الاقتصادية هي مجرد إكراميات تقدم للحلفاء السياسيين.”
“For Iran economic relations are mere tips granted to political allies,” he added without further elaboration.
يكفي التمعن بجولة جان إيف لودريان، المندوب الخاص للرئيس الفرنسي إلى لبنان عبر الخماسية، على عواصم الدول الأربعة التي اجتمع إلى ممثليها في الدوحة، لطرح السؤال البديهي: طالما أن المندوب الفرنسي كان مشاركاً مع مندوبي الدول الأربعة في إجتماعات الدوحة، فلماذا يجول على عواصم الدول التي شارك في الحوار مع ممثليها قبل الوصول إلى لبنان؟
قراءة سريعة لنص الخبر السعودي الرسمي لمحادثات المندوب الرئاسي الفرنسي تعطي صورة أكثر وضوحاً:
“ناقش الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله وزير الخارجية السعودي، الثلاثاء، مع جان إيف لودريان المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي إلى لبنان، آخر تطورات الملف اللبناني، والمستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية، والجهود المبذولة بشأنها. واستعرض الجانبان خلال لقائهما في جدة، العلاقات الثنائية بين السعودية وفرنسا، وسبل تكثيف التنسيق المشترك في العديد من المجالات.حضر اللقاء، نزار العلولا المستشار بالأمانة العامة لمجلس الوزراء السعودي، ولودفيك بوي سفير فرنسا لدى المملكة!”
بيان مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان رداً على أصداء عدم الانسجام في إجتماعات خماسية قطر جاء شديد اللهجة ضمن كلمة بمناسبة ذكرى رأس السنة الهجرية وقال فيه:
“ولِمُناسَبةِ الهِجرةِ التي صَارَتِ انْتِصَاراً لِمَبادئِ الحَقِّ والعَدل، أَقولُ لِكُلِّ النُّوَّاب، وَلِنُّوَّابِ المسلمينَ بِالذَّات: أنتُمْ تَشْكُونَ مِنْ قِلَّةِ الوَزْنِ وَالتَّوَازُن ، وما ذلِكَ إلا لِلتَّشَرْذُمِ الذي نَالَ مِنْ وَحْدَةِ الصَّفّ، وَمِنَ القُدْرَةِ على التَّضَامُنِ وَرِعايَةِ المَصَالِح. لا بُدَّ مِنْ أنْ تَجْتَمِعوا ليسَ لِحِفْظِ حُقوقِكُمْ فقط ؛ بل وَلِتَحْقِيقِ المَصْلَحَةِ الوَطَنِيَّة ، في أنْ يَكونَ لِلُبنانَ رئيس ، تُمَكِّنُهُ الكَفاءَةُ وَالخِبْرَةُ والنَّزَاهَةُ مِنْ أنْ يَتَقَدَّمَ الصُّفوفَ ، لِحَلِّ المُشْكِلاتِ المُتَرَاكِمة. إنْ لم يَكُنْ لكُمْ بِسَبَبِ وَحْدَتِكُمْ وَزْنٌ في انْتِخابِ الرَّئيس العتيد، فلنْ يكونَ لكُمْ وَزْنٌ في الحُكومةِ ورَئيسِها”.
عندما يخاطب سماحة المفتي “نواب المسلمين بالذات” فإن الرأي العام يدرك أن المستهدف هم نواب السنة لأنهم هم الذين يعانون من “التشرذم وقلة الوزن” فيما نواب الشيعة موحدون في كتلتي حزب إيران برئاسة حسن نصر الله وكتلة حركة أمل برئاسة بري.
وإذا أردنا أن نطرح السؤال الجوهري: على ماذا يختلف اللبنانيون؟ لجاء الجواب ببساطة في جملة واحدة: “اللبنانيون يختلفون على كل ما يمكن أن يدين ارتكابات تحالف سلاح الغدر ومنظومة المال القذر. الضحايا يريدون العدالة والمشتبه بهم يعرقلونها.”
محمد سلام – هنا لبنان