محليات

حوارات ما بعد الطائف عقم ونكث اتفاقات… ما جدوى عقدها مجددا؟

كتيت نجوى ابي حيدر في “المركزية”:

كل المبادرات التي طرحت وتطرح كإطار حل للخلاف الرئاسي بين الفريقين المتنازعين تنتهي كلها في مصب الحوار. الحركة الفرنسية القديمة المتجددة منذ بداية الازمة في الـ 2019  وصولا الى زيارة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان لبيروت اخيرا تخلص الى وجوب عقد طاولة حوار بغض النظر عن مكانها ومستوى الحضور ونوعية المشاركين، وهو ما سيحمله وزير خارجية فرنسا السابق اثر عودته الى لبنان الاسبوع المقبل، بحسب المعلومات، على رغم تبلغه سلفا رفض قوى المعارضة خوض غمار جولة جديدة من الحوار لا طائل منها كون نتيجتها معروفة . والمبادرة البطريركية التي اطلقها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، ولئن تبدأ بالدعوة لعقد ثلاث جولات انتخابية، الا انها تنتهي ايضا بحوار، فهل يمكن للحوار ان ينتج رئيساً ولماذا ترفضه القوى  السياسية المسيحية والمعارضة؟

بعيدا من الهدف الابعد للثنائي الشيعي، وتحديدا لحزب الله الكامن في تكريس شرعنة سلاحه وتثبيت ما يمارسه بالعرف دستوريا وتحصيل مكاسب سياسية عبر مناصب شرعية يضمنها لمضاعفة حضوره في الدولة، تؤكد اوساط في المعارضة ان مطلق حوار يفترض ان ينطلق من مسلمات وجدول اعمال واضح ينطلق من مركزية سيادة لبنان والتمسك بالطائف ومندرجاته،حصرية السلاحبيد الشرعية، الغاء الطائفية السياسية، تطبيق اللامركزية، تحديد خيارلبنان السياسي وابتعاده عن المحاور، لكنّ الاهم ان تنفذ البنود التي يُتَفق عليها بين المتحاورين وهنا بيت القصيد.  

استنادا الى التجربة اللبنانية مع طاولات الحوار التي انعقدت بعد الطائف، اذ ان تلك التي حصلت في زمن “الكبار” كانت منتجة، فالنماذج كلها غير مشجعة. 

في ربيع  العام 2006 ، عقدت اول طاولة حوار بدعوة من رئيس مجلس النواب نبيه بري، في اعقاب ما خلفه اغتيال الرئيس رفيق الحريري من شرخ عمودي بين قوى 8 و14 اذار بحثت في جدول اعمال تناول كشف حقيقة اغتيال الحريري والاغتيالات التي تلت وتواصلت، سلاح حزب الله والعلاقة مع سوريا وترسيم الحدود والقرار 1559. الحوار هذا انتهى بما عرف بميثاق شرف لتخفيف الاحتقان السياسي وتم الاتفاق على نزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات خلال ستة أشهروضبطه في الداخل واقفال معسكر قوسايا على الحدود السورية وانفاق الناعمة، وانتخاب رئيس جديد يحظى بالتوافق، وتم تأجيل البحث في الاستراتيجية الدفاعية.لكن شيئا مما اتفق عليه لم ينفذ ، اذ ان السلاح الفلسطيني ما زال حتى اللحظة يسرح ويمرح داخل المخيمات كما في خارجها، وحلت الفرقة مكان التوافق المطلوب بسبب الخلاف على ملف المحكمة الدولية واستمرار الاغتيالات. وعلى الاثر، وفي صيف 2007 عقدت جلسة حوار في سان – كلو في باريس، شارك فيها 14 ممثلاً عن الاحزاب السياسية من الصف الثاني لم تفض الى اي نتيجة على غرار سابقتها.

وفي العام 2008 وبعيد اتفاق الدوحة وانتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، عقدت بدعوة منه طاولة حوار في قصر بعبدا حدد جدول اعمالها بالاستراتيجية الدفاعية والسلاح الفلسطيني، توقفت جلساتها بفعل الخلاف المستحكم حول المحكمة الخاصة بالحريري وشهود الزور الا ان الرئيس سليمان عاد ودعا الى حوار جديد في العام 2012 أنتهى إلى إقرار إعلان بعبدا الشهير بما تضمن من تأكيد على وجوب النأي بالنفس وتحييد لبنانعن الصراعات الا ان حزب الله نقضه سريعا بعبارته الشهيرة “اغلوه وشربوا زومو” لينغمس بعدها في حروب المنطقة بدءا من الميدان السوري “من دون شَور ولا دستور”، لتنتهي حوارات عهد الرئيس سليمان في آخر نسخها في ربيع العام 2014 مع غياب عدد من الاقطاب ابرزهم العماد ميشال عون. 

ومع دخول لبنان في الفراغ عقدت سلسلة حوارات لانتخاب رئيس والبحث في استئناف عمل المجلس النيابي والحكومة وقانون الانتخاب فلم تفض الى اي اتفاق. وعلقت الجلسات ثم انتخب الرئيس ميشال عون الذي استعاض عن طاولات الحوار باجتماعات وطنية في القصر الجمهوري كان ابرزها في آب 2017 بطابع مالي اقتصادي ، وازاء عدم تحقيق اي جدوى منها لم يعقد اي لقاء حواري بعد هذا التاريخ. 

ملخص سريع لجولات حوار ما بعد الطائف، يؤكد انها خرجت كلها بصفر نتيجة وبنكث فريق واحد لقرارات تمخضت عنها، وان هدفها لم يكن سوى تمرير الوقت الضائع في انتظار قرارات خارجية معلبة فرضت على اللبنانيين نتيجة مراهقة مسؤوليهم السياسيين وتغليب مصالحهم وانانياتهم على مصلحة البلاد العليا. شأن يطرح سؤالا مشروعا عن جدوى عقد حوارات معروفة نتائجها سلفا ومشروطة من فريق يسعى الى السيطرة على القرار الاستراتيجي في البلاد، وليس ما يضمن التزامه بما يُتفق عليه ان تم، فيما الطريق الى حل الازمة الرئاسية واضح وضوح الشمس وسهل جدا لمن يريد سلوكه، بمجرد الاحتكام  الى اللعبة الديموقراطية والتزام النص الدستوري وعدم “هروب” نواب 8 اذار من القاعة العامة لمجلس النواب اثر الدورة الاولى في جلسة انتخاب رئيس جمهورية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى