جديد عمالة الأطفال: من بيع الورود إلى المخدّرات…
جاء في “الشرق الأوسط”:
بيديه المصبوغتين باللون الأسود، يحمل الطفل اللبناني أحمد راجي، البالغ من العمر 12 عاماً، أسلاك الحديد التي يجمعها من حاويات القمامة لفرزها واختيار المناسب منها لبيعه إلى ورشات إعادة تصنيع المعادن، فيبدأ يومه في السابعة صباحاً وينتهي بحلول السادسة مساء.
يتجول أحمد حول حاويات منطقة مستديرة الطيونة في بيروت بثيابه الرثة التي لا يمكن تمييز لونها الأساسي، ويركز في المواد الموجودة أمامه لانتقاء المطلوب من الحديد والنحاس الموجود بكثرة في البطاريات والهواتف المحمولة… وغيرها. يظل أحمد يعمل مع صديقين له من دون أن يرفعوا رؤوسهم إلا بعد امتلاء الأكياس التي في حوزتهم، ثم يسندون ظهورهم على الجدران في استراحة قصيرة.
يتوجه أحمد نحو منطقة قريبة من حي صبرا في غرب العاصمة اللبنانية، والتي يمكن تمييزها برؤية سيارات نقل البضائع المحملة بالمواد المعدنية وشباب يسيرون وظهورهم منحنية حاملين أكياساً على أكتافهم، وترتفع أصوات احتكاك المواد المعدنية عند رميها بعضها فوق بعض.
ينتظر أحمد دوره داخل الورشة من أجل وزن المواد التي جمعها لتحديد كميتها حتى يحصل من صاحب الورشة على أجرته.
ويأتي إلى صاحب إحدى ورشات جمع الخردة، الذي عرف نفسه باسم «علي محمود»، في اليوم أكثر من 15 أعمارهم تحت 18 عاماً.
وقال لـ«وكالة أنباء العالم العربي»: «ازداد عدد الأطفال خلال السنوات الأخيرة، ومعظمهم تعاني عائلاتهم من أزمة معيشية تفوق القدرة على التحمل، فمن يرغب في إرسال ابنه للعمل في مثل هذه المهنة القاسية؟!».
أضاف: «لا يمكنني رفضهم، فهم يؤمنون لي مدخولاً عبر جمعهم المواد، وبدوري أستطيع تأمين أجر يعينهم في حياتهم».
ويعاني لبنان من واحدة من أسوأ الأزمات المالية في العالم، وانهار نظامه المالي في 2019، ولا يستطيع المودعون الوصول إلى أموالهم في البنوك، بينما فقدت العملة المحلية نحو 98 في المائة من قيمتها أمام الدولار، مما دفع بعشرات الآلاف إلى الفقر.
ويستغل مروجو المخدرات حاجة الأطفال إلى العمل لاستخدامهم في نقل البضائع صغيرة الحجم إلى الزبائن.
وفي وقت سابق من الشهر الحالي في أحد أحياء بيروت، انتظر فتى عمره 16 عاماً على مفترق طريق عامة، ووقف أمامه سائق دراجة نارية أعطاه لفافة شفافة محاولاً عدم إثارة شكوك المارة.
وقال سليم كامل، وهو أحد سكان الحي، لـ«وكالة أنباء العالم العربي»، إن هذا الفتى سلم اللفافة إلى شخص يجلس في سيارة.
وأضاف أن الأمر تكرر مرات عدة، وعندما حاول شباب الحي سؤاله عما يحمله، تخلى عن اللفافة وهرب مسرعاً «لنكتشف أن بداخلها مخدر الحشيش».
اختارت عائلات إخراج بناتهن من المدارس بسبب الأوضاع الاقتصادية، والعمل في تنظيف المنازل.
ليلى حسين؛ البالغة من العمر 55 عاماً، تقول إنها غير مقتنعة بعمل ابنتها في تنظيف المنازل، مؤكدة أنه من الصعب عليها توجيه ابنتها للعمل بدلاً من الدراسة.
وقالت لـ«وكالة أنباء العالم العربي»: «توفي زوجي منذ 3 أعوام، وازداد ضغط العمل عليّ لتأمين حياة 3 أولاد، فاضطررت لإخراج ابنتي الكبرى، وهي الآن بعمر 17 سنة، من المدرسة لتساعدني في مصروف إخوتها».
أكثر ما يخيفها هو تعرض ابنتها لتحرش جنسي أو عنف لفظي أو معاملة سيئة من قبل أصحاب البيوت التي تعمل فيها، لذا تحاول في البداية معرفة العائلات التي ستعمل لديها الابنة.
وفي تقاطع طرق عند «بشارة الخوري» في النقطة المتجهة نحو وسط بيروت التجاري، يقف صبية وفتيات لا تتجاوز أعمارهم 11 عاماً في انتظار توقف حركة المرور لمحاولة بيع الورود والمناديل.
يبقى الأطفال في الشوارع إلى ما بعد منتصف الليل، فالمطلوب منهم جمع مبلغ مالي لا يستطيعون إنهاء عملهم من دون تأمينه ويصل أحياناً إلى مليون ليرة (11 دولاراً)، وبعضهم من النازحين السوريين.
وعزت زينة علوش، المستشارة الدولية في حماية الطفل، أزمة عمالة الأطفال إلى تداعيات جائحة فيروس «كورونا» وتردي الأوضاع الاقتصادية وفقدان الليرة قيمتها.
وقالت لـ«وكالة أنباء العالم العربي»: «أثرت الأزمة على قدرة العائلات على تغطية نفقات التعليم»، وأشارت إلى تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) عام 2021 قال إن 25 في المائة من الأسر اللبنانية أصبحت عاجزة عن تأمين تكاليف الدراسة.
وأضافت: «شهدنا نزوحاً كبيراً من المدارس الخاصة إلى الرسمية، وهو ما تتبعه نسبة تسرب مدرسي عالية، وهذا يشمل كل الأطفال الموجودين على الأراضي اللبنانية؛ بمن فيهم السوريون والفلسطينيون».
ترك الدراسة وعمالة الأطفال
وترى علوش ارتباطاً بين ترك الدراسة وعمالة الأطفال، قائلة إن الأطفال الذين يتركون التعليم يتجهون إلى العمل، أو إن عمالة الأطفال تستلزم ترك الدراسة؛ «لأن أشكال العمل لا تتوافق مع قدراتهم العمرية ولا تحترم حاجتهم إلى المدارس».
وأضافت: «القانون اللبناني نظم عمالة الأطفال ومنع العمل تحت 14 سنة، وهناك بعض أشكال العمالة الآمنة المسموح بها، ولكن نتيجة الأزمة نشهد توجه الأطفال إلى أنواع من العمل، مثل مساعد ميكانيكي (فني إصلاح السيارات) وبيع الورود في الشوارع، وهذا يحمل كثيراً من المخاطر النفسية والجسدية لا تتناسب مع حياتهم».
وعدّت علوش أن الخطر الأكبر هو العنف الجنسي والجسدي الذي يمكن أن يتعرض له الأطفال من دون رقابة، مضيفة أنه «نتيجة الفقر والحاجة يصبح هناك كتمان وعدم بوح بما يتعرضون له من اعتداءات».
وأشارت علوش إلى قضية بيع الأطفال التي انتشرت في لبنان وقت الحرب الأهلية في الفترة من 1975 إلى 1990.
وقالت: «بعد انفجار مرفأ بيروت شهدنا إعلانات عن بيع الأطفال للتبني غير الشرعي، ولكن هناك حالات يتم فيها بيع وشراء الأطفال بهدف الاتجار بالأعضاء البشرية».
وتابعت: «رغم ملايين الدولارات التي صُرفت لحماية الأطفال، فالدولة والجمعيات والمؤسسات الدولية كأنها لم تتحضر للتعامل مع الأزمة، وهناك قصور في التدخل لمنع تسرب الأطفال من المدارس ومنع دمجهم في العمل، ويكفي التجول في الشوارع ليلاً لمشاهدة الأطفال، خصوصاً البنات القاصرات مع عودة الحديث عن تزويجهن في سن مبكرة».
ويحدد القانون اللبناني المهن والأنشطة المحظورة كلياً لمن هم دون 18 عاماً، ومنها المهن ذات المخاطر الجسدية والوظائف التي تنطوي على أثر نفسي كالعمل في المنازل والتسول.
كما يحظر استخدام الأطفال تحت 16 عاماً في الأعمال التي «يرجح أن تؤدي؛ بفعل طبيعتها أو بفعل الظروف التي تُزاول فيها، إلى الإضرار بصحتهم أو سلامتهم أو سلوكهم الأخلاقي، مثل المقاهي والملاهي الليلية، وكل أنواع البناء، والعمل في وسائل النقل المختلفة».