تنبيه… كي لا تذهب الثروة النفطيّة إلى المجهول
كتبت ميريام بلعة في “المركزية”:
يقترب لبنان من ساعة الصفر في مجال الاسكتشافات النفطية البحرية، خصوصاً أن سفينة الحفر Transocean Barents التي تعاقدت معها شركة Total -Energies لإتمام عمليات الاستكشاف في البلوك رقم 9 والموجودة حالياً في النروج، ستنتقل إلى لبنان في تموز الجاري للبدء بعمليات الحفر.
هذا ما يؤكده خبير الطاقة الدولي رودي بارودي في حديث لـ”المركزية”، ويشير إلى أن “هذا التطوّر الهام يعني أن شركة “توتال” تقوم بواجباتها التعاقدية إن لناحية استكمال التجهيزات التقنية واللوجستية، أو لناحية البدء الفعلي بعمليات الحفر والاستكشاف في هذا الحقل”. ويقول إن “عملية ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل كانت ضرورية للبدء بهذا العمل المهم، خصوصاً لجهة طمأنة تحالف الشركات الدولية… كما أن هذا الترسيم سيسمح بفرز مكامن النفط والغاز ضمن المناطق المتداخلة مع إسرائيل فوراً، وذلك من خلال اتفاقية Total-Energies”، موضحاً أن “قانون البحار هو آلية أساسية لتسوية جميع المشاكل سلمياً، إذ أن الدول تستطيع اللجوء إليه ساعة تشاء لترسيم حدودها البحرية المتنازع عليها وهو المرجع الصالح لأحكام وقرارات المحاكم الدولية والتحكيم والمعاهدات الثنائية، ما يؤمّن استقراراً مطلوباً لجذب الشركات العالمية من أجل تطوير بلوكات النفط والغاز”.
وفي هذا السياق، يلفت إلى أن هناك “أربعة بلوكات إسرائيلية وهي 74 و27 و36 و70 التي ستُطرح للمزايدة، تتجاوز جنوبًا المنطقة الاقتصادية المصرية الخالصة وتقتطع من البلوك المصري رقم – E4 مساحة ١٤٠ كيلومتراً مربعاً، أي ما يوازي خمس مرات مساحة حقل “زهر”، وعلى الرغم من أن مصر وإسرائيل ليس لديهما توقيع رسمي للحدود البحرية MBL، فمن خلال المفاوضات واستناداً إلى القانون الدولي، يمكن تقاسم العائدات في المناطق المختلطة، من هنا فإن هذا التعدي أو التداخل لم يمنع الجانبان المصري والإسرائيلي من تعيين موعد للمناقصات في 16 تموز 2023 أي بعد حوالي الأسبوعين…أما لبنان كما أسلفنا ذكره، فيمكنه تحصيل عائدات المناطق المتداخلة من خلال اتفاقية “توتال إنريجي” الموقَّعة مع إسرائيل.
الإصلاحات أولويّة وإلا..
ويشدد بارودي على أن “الإصلاحات الاقتصادية والمالية والقانونية المطلوبة من المجتمع الدولي والهيئات الاقتصادية اللبنانية، تبقى أولوية من أجل الاستفادة من الثروات النفطية التي يمكن أن تتكشف في المياه اللبنانية، إذ أن الحوكمة الصحيحة هي التي تؤمّن الاستعمال الصحيح للثروة النفطية… فمن هنا ضرورة ان تقوم الحكومة فوراً بإصلاحات جذرية تبدأ بالاعتماد على خارطة الطريق المقترحة من قبل صندوق النقد الدولي، وضرورة إقرار قانون لصندوق سيادي مستقل شفاف على مثال البلدان التي سبقتنا في هذا المجال وإلا فإن مصير الثروة النفطية سيكون مشابهاً لغيرها من الثروات التي هدرت نتيجة فساد مستشرٍ”.
وليس بعيداً، يوضح أن “غياب الإصلاحات وسيادة القانون سيمنعان شركات النفط الدولية الكبرى من القدوم والاستثمار في بلد يحتاج إلى مداخيل مالية جديدة وشفافة، ولعلّ التمديد الجديد لمهلة تقديم طلبات الاشتراك في دورة التراخيص الثانية في مياه البحرية اللبنانية التي انتهت في 30 حزيران حتى الثاني من تشرين الأول 2023، أكبر دليل على أن غياب الإصلاحات وتردّي الأوضاع السياسية والمالية وعدم تحسّن سمعة لبنان في مكافحة الفساد، ستمنع من تحقيق تقدّم فاعل في عمليات الاستكشاف، كما يُضاف إلى هذه المشكلة التباطؤ في استكمال عملية ترسيم الحدود البحرية مع قبرص، والتأخر في إطلاق ترسيم الحدود البحرية مع سوريا.
…”لبنان يتمتع بمزايا كثيرة” يختم بارودي، منها “ديناميكية شعبه وشمسه وبحره وجباله بالاضافة الى حسن الضيافة، وقريباً جداً قد يتمتع باستكشافات غازية ونفطية واعدة تمكّنه في حال استغلالها بطريقة مستدامة وشفافة، من وضع لبنان على الطريق الصحيح في عملية النهوض الاقتصادي والمالي التي يحتاج إليها”.