محليات

أوقِفوا إعدام السّجناء

ليس في لبنان سجون، إنّما غُرف تعذيب وإهمال ومستودَعات بشريّة، لم تمرّ بها للإنسان قيمة، ولا حقوق.

إنّ ما تتداوله بعض وسائل الإعلام عن أحوال السجون عندنا يدعو إلى الاستنكار، من قبل كلّ المرجعيّات السياسيّة والدينيّة والقانونيّة، التي تدير أذنها الطرشاء لهذه القضيّة المأساة. فهل من المقبول أن تسجن الدولة أناسا ليس لها القدرة على تأمين أمنهم الغذائيّ والطبّيّ بالحدّ الأدنى؟

يفهم المواطن اللبنانيّ المغلوب على أمره أنّه في دولة تكتفي بسجن أصحاب الجرائم الصغيرة، وتترك المجرمين الكبار يتحكّمون بحياتنا أحرارا طليقين، لكنّه لا يفهم كيف أنّ الدولة، المسؤولة مباشرة عن حياة السجناء تنفّذ في حقّهم إعداما جَماعيّا بِلا أحكام.

سجناء فوق بعضهم البعض في غُرف لا تتّسع لظلالهم ونعاسهم ونومهم، وطناجر “يُصَوفر” فيها الجوع، وأمراض مُعدية يتصدّرها الجرَب، ونظافة محرومة من الإقامة في الزنزانات وكاراجات الاعتقال، وأدوية مفقودة، واستشفاء بالقطّارة…

أصحيح عندنا في المجلس النيابيّ لجنة إدارة وعدل؟ أصحيح عندنا نقابتا محامين في لبنان؟ أصحيح عندنا قضاة أهل ضمير وعدل؟ أصحيح عندنا مؤسّسات ترعى حقوق الإنسان؟…

من الواضح أنّ التطاحُن السياسيّ، سيّد الموقف، بعيدا من أيّ اعتبار لكرامة الإنسان، والسجين ليس مجرّد إنسان فقط، إنّما هو في عهدة سلطة مؤتمَنة على حياته، وما تجاهُل المرجعيّات اللبنانيّة، على مختلف وظائفها، للموت اليوميّ الذي يعيشه السجين عندنا سوى إقرار بأنّها مرجعيّات فاسدة، تتفرّغ للعمل على مكاسب خاصّة، بينما هي في الواقع مسؤولة معنويّا وعمليّا عن حقوق الإنسان وصَونها.

كلّنا نعلم أنّنا في دولة مُفلِسة، لكن بالإمكان تحسين أوضاع السجون والسجناء من خلال الاستعانة بالمؤسّسات الدوليّة، لا سيّما تلك التي تولي الاعتبارات الإنسانيّة الاهتمام الأوّل. كما باستطاعة السلطة، وبالتنسيق مع نقابة الأطبّاء، استحداث مستوصفات مجّانيّة في السجون، والإتيان بالأدوية من خلال عدّة مؤسّسات محلّيّة وخارجيّة تقوم بمساعدة المواطنين اللبنانيّين وغيرهم من المقيمين على الأراضي اللبنانيّة…

إنّ التفريط بحياة أيّ سجين بسبب الإهمال والتقاعس والتهرّب من تحمّل المسؤوليّة يدعو إلى محاسبة المعنيّين، بجريمة القتل المتعمّد، فالسّجين الذي حُكِم، بخطإ أو خطيئة، من حقّه أيضا أن يقاضي مَن يغتاله في سجنه، لا سيّما إذا كان السلطة المُلزَمة بحماية حياته.

قزحيا ساسين – “السياسة”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى