عودة سوريا إلى لبنان.. هل هي لمصلحة “حزب الله”؟
صحيحٌ أنّ زيارة رئيس الجمهورية السّابق ميشال عون إلى سوريا، قبل يومين، فاجأت الكثير من الأطراف السياسية في لبنان، فتوقيتُها أتى متقاطعاً مع 3 أمورٍ أساسية وهي: إحتدام المشهد على صعيد الإنتخابات الرئاسية في لبنان، تنامي “التصعيد” بين “التيار الوطني الحر” الذي يرأسه عون “فخرياً” من جهة و “حزب الله” الحليف الأول لسوريا من جهة أخرى، وصعود نجم دمشق عربياً لاسيما بعد القمّة العربية التي عُقدت في السعودية الشهر الماضي.
في القراءات الأوليّة لخطوة عون اللافتة، برزَ حديثٌ عن أن الأخير حاول إقناع سوريا بأن “الوطني الحر” ليس ضدّها حينما اختار السير بعيداً عن “حزب الله” في ملف الرئاسة. أما الكلام الأهم الذي قيل، فيوحي بأنّ عون حاول إقحام سوريا بينه وبين “حزب الله”، على قاعدة أن دمشق يمكنها أن تمونَ على “الحزب” في أي ملف تريده ضمن لبنان، لكن الجواب الدائم من جبهة سوريا يأتي على النحو التالي: إذ أردتم شيئاً في لبنان، فراجعوا الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله.
بمعزلٍ عن أهداف زيارة عون وخلفياتها، وبغضّ النظر عن الرسالة التي أراد “الجنرال” إبرازها من لقاء الأسد، ثمّة السؤال الأكثر أهمية وهو: هل من مصلحة لـ”حزب الله” بتدخلٍ سوري عميق في الداخل اللبناني مُجدداً؟ وهل ستميلُ سوريا إلى جبهة “الوطني الحر” ضد خيارات “حزب الله”؟
البداية ستكونُ من السؤال الأخير، وحتماً الجواب “لا”. وللحقيقة، فإنه مهما كانت “المودّة” عميقة بين عون والأسد، فإنها لن تطغى على المكانة التي يحظى بها “حزب الله” عند السوريين. حتماً، المسألةُ هنا أبعد بكثيرٍ من خيارات سياسية، فهي تمتدُّ إلى توازنات إستراتيجية في المنطقة ككل. وعليه، فإن دمشق لن تُضحي بعلاقتها مع “حزب الله” لصالح عون أو صهره رئيس “الوطني الحر” جبران باسيل الذي وعلى ما يبدو لا يحظى برضى دمشق وغير مرحب به عندها. كذلك، لن تُبادر سوريا إلى إعطاء الأخير “الثقة” المُطلقة التي ينالها “حزب الله”. إلا أنه وللإنصاف، فإنّ ما قد يشفع قليلاً لباسيل هو أنه وخلال الفترة الماضية، وقبل إنفتاح العرب مُجدداً على سوريا خلال الأشهر الماضية، بقيَ مُصراً على إبقاء العلاقة مع دمشق قائمة، فهو لم ينسف رسائله الإيجابية تجاهها، ولم يوقف مطالبته بالتنسيق معها. عملياً، كان باسيل قريباً من سوريا ولكن من بعيد، وهذا الأمرُ قد يتركُ له هامشاً من التواصل مهما كان ضيقاً.
ماذا عن “حزب الله” ومصلحته من تدخُّل سوريا؟
في الواقع، قد يكونُ الرّهان على قبول “حزب الله” بعودة قوية لسوريا إلى لبنان، في غير مكانه. وفي حال كان الدعم مُكرساً لذلك، فإنّ الحزب سينال ضربةً جديدة داخلية هو بمنأى وبمعزلٍ عنها. في الأساس، ما يمكن قوله هو أنّ الظروف اختلفت تماماً عن السابق، فالحزبُ بات أقوى من الماضي، كما أنه يعي تماماً تركيبة التوازنات القائمة حالياً والتي تمنعُ إستحضار النفوذ السوري من جديد. وأصلاً، من سيقبلُ بعودة سوريا؟ بكل ثبات، حركة “أمل” لن تكون مؤيدة لهذا الأمر، فلطالما كان رئيس مجلس النواب نبيه بري مشدداً على ضرورة “لبننة الإستحقاقات”، ولهذا لن يكون لديه قبولٌ بأي ضغط سوري مهما كان في الداخل اللبناني. حتماً، المسألة ستكونُ صعبة وستُكرّس إنقساماً حاداً سينقلب ضدّ “حزب الله” وحلفائه، وبالتالي ستكون الهجمةُ أكبر، وعندها سيكون إحتواؤها صعباً.
ما لا يُمكن نكرانه أيضاً هو أن حلفاء سوريا “التقليديين” باتوا خارج “الحُكم” من ناحية أو بأخرى، بإستثناء الحزب و”أمل”. وهنا، يكمنُ التساؤل: عند من سيُصرف النفوذ؟ هل عند السّنة الذين باتوا يراقبون الإصطفافات السياسية من خارج المشهد؟ هل سيُصرف النفوذ عند الدروز الذين يركنون في نهاية المطاف إلى زعامة آل جنبلاط المُناوئة للنظام السوري؟ هل سيتقبل المسيحيون عودة سوريا إلى لبنان وهم الذين اعتبروا إتفاق الطائف الذي دعمته دمشق قبل 30 عاماً بمثابة العامل الأساس لإقصائهم وإنتهاك خصوصيتهم وحقوقهم؟ أما عند الشيعة، فمن قال إن الجميع ضمن الطائفة يؤيدون النفوذ السوري؟ في الماضي، كانت هناك “أعمدة” يمكن لسوريا الإتكاء عليها في لبنان، سواء في الأمن أو في السياسة.. ولكن، أين هؤلاء اليوم؟ البعضُ بات “نائباً سابقاً”، فيما البعض الآخر يتحالف مع الحزب الذي يضمن حلفاءه تجنباً لخسارتهم.
أمام كل ذلك، يصحُّ القول أيضاً أن إستعادة سوريا لـ”زخم الضغط” في الداخل اللبناني سيعني أنّ الحزب قرّر الإرتهان لقرارٍ خارجي، وعندها سيُثبت التهمة المُساقة ضده والتي تقول بأنه يُدار من الخارج. لكن في الحقيقة، من المستبعد حصول ذلك لسببين: الأول وهو أنّ قوة الحزب كعنصر فاعل بمفرده في لبنان يجعل حركته أقوى، في حين أنّ نمط سوريا الجديد قد لا يقبل تدخلات في شؤون لبنان كما كان يحصلُ سابقاً حتى وإن كان المشهد العربي لصالحها، وهنا بيت القصيد.. اليوم، تسعى دمشق لـ”إعلاء صورتها” مجدداً في المحيط العربي ضمن التسوية الشاملة، ولبنان سيكون مُلحقاً بتلك التسوية التي يديرها لاعبون كبار مثل السعودية.. وعليه، من الممكن أن تستبدلَ سوريا المسار السابق بآخر جديد يُجاري المتغيرات، وهذا الأمر سيُحصن “حزب الله” أكثر في لبنان.. فقوة سوريا في داخلها وليس في خارجها، وهذا الأمر يطلبه الحزب أكثر من غيره لضمان نفسه في لبنان.
في خلاصة الكلام، سيكون من الصعب جداً تكريس عودة دمشق إلى لبنان، فالحزبُ هو القائم بكل شيء هنا، وأصلاً لن تقبل إيران بتحجيم الأخير، وحتماً هذا السيناريو غير مطروح. أما رئاسياً، فـ”حزب الله” قال كلمتهُ ومشا: “سليمان فرنجية مرشحنا الأوحد، ودمشق تعي موقفنا وتدعمه، ولا داعي لكلامٍ آخر “.
لبنان 24