هجمة غير مسبوقة للنازحين طلباً للترحيل… “لا نُريد لبنان”
كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
اذا صحّت المعلومات عن تشكيل لجنة خماسية عربية تضم مصر والسعودية والامارات والاردن والعراق، هدفها مساعدة سوريا في مجاليْ إعادة الإعمار وتسهيل عودة اللاجئين، فهذا يعني أنّ القمة العربية رسمت خارطة طريق حقيقية لتثبيت الإستقرار في سوريا، وإعادة رسم سلطة الدولة السورية وسيادتها على أرضها. وهذا يؤكد الدخول في مرحلة جديدة سيكون للعرب فيها دور في الحوار مع الأميركيين ومع الأتراك لترتيب وضعية المناطق التي يتواجد فيها الجيش التركي أو تلك التي يتواجد فيها الجيش الأميركي.
وإذا كانت اللجنة الخماسية هذه لا تضم لبنان مع أنّه من الدول المضيفة للنازحين، فإنّه سيكون حاضراً بين الدول المدعوة للإجتماع الثاني الخاص بموضوع النازحين، ما يؤشر إلى أنّ مسألة العودة انتقلت إلى حيّز التنفيذ العملي. وهذا معطوف على الإجتماعات العربية، وما رشح من وقائع تلمسته الجهات الدولية المعنية بدعم النازحين من استعداد النظام السوري لإستقبال العائدين في المناطق الجاهزة لاستقبالهم إلى حين تأمين المساعدات لإعادة إعمار المناطق المنكوبة.
مذ توسّعت الحملة لدفعهم باتجاه العودة، بدأ القلق يُساور النازحين. توقفت المنظمات الدولية عند إجبار الجيش اللبناني المخالفين على العودة. حتى الأمس القريب كان يشعر النازح أنه محمي بفضل المنظمات الدولية ومنظمات الإغاثة التي أمّنت له الإقامة بظروف حسنة تفوق تلك التي يعيش في ظلها كثير من اللبنانيين ولم يجبر على العودة قسراً. لكن الواقع تحوّل، وإزاءه تتحدث معلومات عن هجمة نازحين غير مسبوقة على منظمات الأمم المتحدة طلباً للحماية ولإعادة توطينهم في دول أخرى غير لبنان.
بالموازاة، لا يزال ملف النازحين عرضة للصدام بين الوزارات المعنية بشؤونهم في لبنان والمنظمات الدولية التي ترفض عودتهم كما ترفض تسليم الحكومة الداتا المتعلقة بحقيقة عددهم وخارطة توزعهم. تهمة ثانية توجهها السلطات اللبنانية إلى هذه المنظمات، وهي عدم المرور بالدولة في المساعدات التي تقدمها أو المشاريع التي تنفذها.
مبررات الجهات الدولية للجهات الدولية وقائع مختلفة ومبررات، يمكن تلخيصها في شقين تقني وسياسي:
في الشق التقني، تتحدث المصادر عن كباش قائم بين الدولة والمؤسسات الدولية المعنية بقضايا النازحين السوريين في لبنان، والناتج عن عملية ابتزاز تمارسها جهات داخل الدولة بغرض الإستفادة بحصة أكبر من المساعدات المخصصة للنازحين، بعدما لجأت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR واليونيسف إلى تخفيف الشق المتعلق بالمساعدات للنازحين وتحويله إلى المجتمعات الأهلية مباشرة. فبعدما كانت هذه المؤسسات تقدم مساعداتها للنازحين من خلال الدولة، باتت تتولى الدفع بالدولار الأميركي للمستفيد الأول مباشرة بالتعاون مع البلديات المحلية بدل أن تكون الدولة ومؤسساتها هي الوسيط.
و»على عكس ما يشاع» تؤكد المصادر أنّ المؤسسات الدولية «لم تقلص مساعداتها للنازحين وانما قلصت تلك التي تصرف عبر الدولة ومن خلال مؤسساتها ووزاراتها المعنية لإنعدام الثقة بين الطرفين، وهو ما أثار بلبلة في الآونة الأخيرة وكان سبباً في الخلاف وتبادل الإتهامات بين بعض الجهات اللبنانية المعنية بملف النازحين وبين المؤسسات الدولية».
وفي الشق السياسي، كان الجيش أول من بدأ في التشدد بالاجراءات المتعلقة بالنازحين العابرين للحدود اللبنانية السورية. وعلى الرغم من كون الأمر لا يدخل في صلب صلاحياته إلا أنه تولى توقيف النازحين غير المستوفين شروط الإقامة على الأراضي اللبنانية، وهو ما أثار علامات استفهام. وفي فورة الإنتخابات الرئاسية وحماوة الكباش أثيرت علامات استفهام حول ما إذا كان قائد الجيش جوزف عون في وارد الإستثمار رئاسياً في هذا الملف وبعث رسائل قوية إلى المجتمع الدولي تتعلق بحماية الحدود مع سوريا. بعده مباشرة حاول المرشح الرئاسي سليمان فرنجية تجيير الملف لصالحه واعداً بإجراء حوار مع الأسد حول عودة النازحين فور انتخابه رئيساً، لتكر سبحة المطالبين بعودة النازحين وترتفع أصوات قيادات مسيحية سياسية وروحية بحجة حماية المجتمع المسيحي. أمّا «حزب الله» فلم يتحمس للموضوع من أساسه ولو كان لا يمانع في إثارته.
جديد الموضوع اليوم يتمثل بما تلمسته المنظمات الدولية من عمل جدي لدى النظام السوري لإعادة النازحين السوريين على عكس الإنطباع السائد. وتتحدث مصادر فاعلة في إحدى هذه المنظمات عن نية الرئيس السوري بشار الأسد العمل جدياً لإعادتهم الى الأمكنة التي يرتئيها وبشروطه بعدما أعيد فتح قنوات التواصل معه عربياً.
لكن العودة ستكون إلى المناطق غير المدمرة، أمّا المناطق المدمرة، فالنظام يحتاج إلى اموال لإعادة إعمارها قبل إعادة أهلها إليها، ما يعني أنّ النازحين لن يعودوا إلى مناطق إقامتهم القديمة بل إلى مناطق أخرى. أمّا المعارضون فلن يتعاطى معهم، وفق شروط العودة، وستكون عودتهم إلى المناطق في ادلب ومثيلاتها، وهو ما يثير خشية المجتمع الدولي من عملية تغيير ديمغرافي.
بالإنفتاح العربي والمساعدة بإعادة الإعمار تكون سوريا قد تجاوزت مرحلة العقوبات التي فرضها قانون قيصر، ولكن لا يجوز استباق الأحداث حيث لن تكون سهلة مواجهة العناد الأميركي والتركي في التعاطي مع النظام، بدليل ما قاله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن أنه لن يسحب جيشه من المناطق التي يحتلها في سوريا.
نحن أمام مرحلة جديدة بكل ما تتضمنه من تعقيدات وسط آفاق للحلول، ولكن المؤكد أن ما بعد القمة العربية لن يكون كما قبلها.