محليات

آخر الحكّام؟

أخيرًا كُشفَت الأوراق حول وراثة رياض سلامة حاكم مصرف لبنان الذي سيخرج من منصبه في أبعد حدّ في تموز المقبل، إن لم يكن قبل ذلك بفعل التطورات القضائية المتصاعدة من جانب قضاء التحقيق الفرنسي. هذا التحقيق المهنيّ بظاهره، أنتجت تطوّراته ارتياحًا عند كثيرين، ما أثبت الحاجة الجماعية إلى الشعور بالعدالة فتحققت فكرة “كبش الفداء” وهي حاجة للمجتمعات البشرية وفق عالم الأنتروبولوجيا الفرنسي رينيه جيرار، بصرف النظر عن تحققها فعليًا.

هناك من يعتبر أن التحقيق الفرنسي يرمي إلى وضع فرنسا يدها على ملف مصرف لبنان لتكون لها كلمة في تعيين الحاكم، أي أن الهدف هو الحاكم المقبل وليس الحالي. العدالة في فرنسا متقدمة ولكنها ليست مثالية، فالملاحقات السياسية الأهداف والخلفيات معروفة، وقد شهدنا أحد فصولها اخيراً بحقّ الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي.

في مقابل الدخول الخارجي على ملف وراثة سلامة، احتدم الصراع الداخلي عليه، الذي وكالعادة ينطلق من مصالح الأطراف المعنيين وليس من باب المصلحة الوطنية التي تفرض أن يكون الهدف الإنقاذ وعنوانه الوحيد إعادة العمل المصرفي إلى مساره تدريجيًا وتجديد الإلتزام القانوني المقدّس بحقّ المودعين غير القابل للمساس أو الانتقاص بودائعهم.

طُرحت احتمالات عدة، منها تعيين حاكم جديد وأثار المعارضون مسألة كون الحكومة في حال تصريف الأعمال وغياب رئيس الجمهورية، وطُرح استلام مهام الحاكم من قبل نائبه الأول مع حديث عن رفض الأخير، كما وطُرحت فكرة تعيين حارس قضائي.

قانون النقد والتسليف يتضمّن الأحكام التي تُطبّق في حال تعذّر التعيين وتُنظّم حالتي الشغور والغياب وهي تُغني عن كل الاجتهادات.

المادة 25 من القانون نصت على أنه “بحال شغور منصب الحاكم، يتولى نائب الحاكم الاول مهام الحاكم ريثما يعين حاكم جديد.”

والمادة 27 نصت على أنه “بحال غياب الحاكم او تعذر وجوده يحل محله نائب الحاكم الاول وبحال التعذر على الاول فنائب الحاكم الثاني وذلك وفقا للشروط التي يحددها الحاكم.”

بموجب المادة 25 وبمجرّد شغور منصب الحاكم، يتولّى نائبه الأول مهامه، ويصبح حاكمًا لمصرف لبنان بالإنابة. وهذه المادة لا تتحدث إلّا عن النائب الأول ولا تلحظ انتقال المهام إلى النائب الثاني.

أما إذا رفض النائب الأول تولّي المهام فيُصار إلى تطبيق المادة 27 التي تُعالج حالتي الغياب والتعذّر، والتي بخلاف المادة 25 تلحظ إمكان انتقال المهام إلى النائب الثاني بعد النائب الأول. وتنص على أنه عند غياب النائب الأول أو تعذّر وجوده يحل محلّه نائب الحاكم الثاني. وبالتالي إذا شغر منصب الحاكم يحلّ محله نائبه الأول، وإذا رفض الأخير المهمة وغاب عن عمله يُطبّق عندها حكم المادة 27 ويتولّى النائب الثاني مهامه.

أما إذا تقدّم النائب الثاني باستقالته فيجب أن تقترن بالقبول بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء وما لم تُقبل فإن منصبه لا يُصبح شاغرًا ولا تنطبق حالة الشغور بل حالة الغياب أو تعذّر الوجود، ويحل محله النائب الثاني.

من المرجح أن يستلم مهام الحاكم نائبه الأول، وهذا هدف استراتيجي لمن يُمثّل، وقد سبق أن أُسقط الاعتراض الطائفي المحتمل على هذا الخيار عبر الإبقاء على العميد الياس البيسري مديرًا للأمن العام بالوكالة. هناك من يتوقع تكريس تعيين النائب الاول أو غيره بالأصالة من ضمن التسويات الآتية وتحت عنوان المداورة الطائفية وكأحد بدائل التعديل في موازين القوى في النظام. فهل يكون رياض سلامة الحاكم الماروني الأخير؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى