جنبلاط حسمَ خياراته.. ماذا قرّر وسط “معركة الرئاسة”؟
في آخر إطلالةٍ إعلاميّة له، الإثنين الماضي، كان رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” مُصراً على عدم تسمية أيّ شخصيةٍ جديدة لاستحقاقِ رئاسة الجمهوريّة، لكنهُ أكّد على المواصفات التي كررها دائماً وهي التالية: “أن يكون الرئيسُ توافقياً ولا يحمل صفة التّحدي”.
في الواقع، يرى جنبلاط أنّ شروطه ليست صعبة طالما أن هناك مساعٍ في هذا الإطار من مختلف الأطراف، لكنه في الوقت نفسه تمسَّك بطرحِه للمحامي شبلي الملاط كمُرشح يراهُ “من خارج المنظومة”.
اللافتُ أيضاً في كلام رئيس “الإشتراكي” هو “نعيه” غير المباشر ترشيح النائب ميشال معوّض للرئاسة، فيما لم ينفِ تماماً إمكانية ذهاب كتلة “اللقاء الديمقراطي” لإنتخاب رئيس تيار “المرده” سليمان فرنجية، وسط وجود إمكانية لعدم مقاطعة أي جلسة إنتخابية قد تمهد إلى وصول الأخير رئيساً في بعبدا. كذلك، لم يعطِ جنبلاط أي أملٍ حول الصيغ الرئاسية المطروحة، فلا إقتراب من “التيار الوطني الحر” في ذلك، ولا خطوة باتجاه “القوات اللبنانية” أو كتلة “التغيير” وغيرهم.
إذاً، ما يتبيّن وسط كل ذلك هو أن جنبلاط بقيَ متمسكاً بـ”إبتعاده” ومراقبته للأمور، حتى أنه رفض أن يكون وسيطاً.. فماذا يعني ذلك؟ وما الذي اختارهُ له زعيم “المُختارة” في الوقت الراهن؟
عملياً، قد يكونُ جنبلاط حذراً مما ستحملهُ المرحلة المُقبلة من صعوبات ومساوئ، ولهذا قرّر أن يكونَ بمعزلٍ عن أي تسمية رئاسية قد يحصدُ الكثيرون “الندم” بسببها لاحقاً. في الوقتِ نفسه، قد يكونُ جنبلاط من أكثر الجهات التي تلتقطُ ما تحمله الإشارات الخارجية من مضامين حساسة، وبالنسبة إليه فإنّ “الترتيبات” الجديدة في المنطقة ما زالت تتأسّس تباعاً، كما أنَّ الحراك الخارجي الذي حُكي عنه ما زال ضعيفاً وليس حاسماً في معركة الرئاسة. وعليه، قد يكونُ جنبلاط أكثر تريثاً من غيره في حسم خياراته بانتظارِ ما سيقوله الخارج حقاً بملف الرئاسة في لبنان، واضعاً مشهدية القرار في كتلة “اللقاء الديمقراطي” بعُهدة رئيسها النائب تيمور جنبلاط. هكذا، يكونُ “بيك المختارة” قد “حيّد” نفسه عن واجهةِ التفاوض لسببين: الأول وهو أنه لا يريدُ أن يُحمّل حزبه أي خيارٍ رئاسي يمكن أن يُفاقم الأزمة، وبالتالي يُهدّد زعامة نجله تيمور خلال أي إنتخابات مُقبلة. أما السبب الثاني وهو أنّ جنبلاط لا يسعى لأن يكون في الواجهة بعدما رأى أن “المستقبل” لتيمور وليس له. وبهذا، يكونُ جنبلاط قد سحبَ اسمهُ من “التداول السياسي” حالياً وظاهرياً، إلى حين “استواء التسويات الخارجية” التي لم ينتج عنها أيّ شيء فعليّ حالياً.
بموازاة كل هذه الأمور، يُعدُّ “إنزواء” جنبلاط عن “بازار” الطروحات الرئاسية، بمثابة “حصنٍ” له في السياسة، فالتسوية المرتقبة لا ترتبطُ حقاً بشخصية رئيس للجمهورية فحسب، بل تتصلُ بكيانٍ سياسي بأكمله يشمل رئاسة الحكومة والمجلس النيابي والمراكز المتقدمة في الدولة أبرزها حاكمية مصرف لبنان وقيادة الجيش، فيما المشكلة الأساس أيضاً تكمُن في أنَّه ما من طرفٍ يريدُ حالياً الكشفَ عن أوراقه للمرحلة المقبلة وعن طريقة تعاطيه مع العهد الجديد ومع التعيينات التي يمكن أن تؤسس لمسار جديد تحتاجها الإصلاحات. في ذات الوقت، يبقى جنبلاط الأكثر تمسكاً بـ”البرنامج الرئاسي” وعن الخطوات التي سيقوم بها الرئيس العتيد. وإلى الآن، وبحسب كلامه، لم يرَ جنبلاط هذا الأمر بشكلٍ فعلي، ما يعني بالنسبة له أنّ الكلامَ في الرئاسة ما زالَ عاماً ولم يدخل مرحلةً فعلية للمعالجة، وبالتالي يبقى “الإنزواء” في الوقت الراهن هو الأنسب والأفضل.
مقابل كل ذلك، فإنه من الممكن أن يكون رفضُ جنبلاط لعب دورِ “الوسيط”، بمثابة مقدّمةٍ لعدمِ الإنخراط في أي عملية تُقرّب أي طرف من الآخر. هنا، ما يُفهم من كلام “البيك” أنه لن يمارس دوراً “إصلاحياً” بين “القوات” و “التيار” أو بين الأخير و “حزب الله”. مع هذا، قد لا يرغب جنبلاط في أن يكون “همزة وصلٍ” داخلية لإتمام حوارٍ مباشر بين الحزب والمملكة العربية السعودية، إذ يعلمُ أنَّ الإنخراط بهذا الأمر قد يرتدُّ سلباً عليه في السياسة عند بعض الأطراف التي كان حليفاً لها سابقاً.
على أساس كل ذلك، يمكن إستشرافُ موقع جنبلاط المُقبل: “بعيدٌ عن مختلف الأطراف لكنه على مسافات متفاوتة بين طرفٍ وآخر”، “لا تحالفات ولكن لا خصومة مُطلقة”، “لا قبول بأي طرحٍ ما لم يحظَ بضمانات مستقبلية”. فعلياً، هذه الأمور هي التي يتمسّك بها جنبلاط الذي يضعُ عينه على ما سينتج من تفاهماتٍ لدى الخارج. فإلى اليوم، وحتى هذه اللحظة، يبقى جنبلاط مُتمسكاً بشكل غير مباشر بمبادرة خارجية على غرار “إتفاق الدوحة” لإنتاج رئيس للجمهورية، ومن شأنها أن تُمهّد لعهدٍ أكثر استقراراً.. فهل سيتحقق هذا الأمرُ في القريب العاجل؟ هل ستُلبّى رغبة “البيك” في ذلك؟
لبنان24