جيلبير شاغوري اليد الخفية وراء دعم الفرنسيين لفرنجية
على موقعه الإلكتروني شاء جيلبير شاغوري أن يقدم نفسه بكلمات تحمل كثيراً من الدلالات، فهو “صديق الرؤساء وقادة الدول وأقطاب الأعمال ومحط ثقتهم، والعارف والعليم بخبايا السياسة الحقيقية، والمستشار في الملفات السياسية والقضايا الدبلوماسية الحساسة في غرب أفريقيا ووسطها…”. لماذا غاب غرب آسيا، وتحديداً بلده لبنان عن التعريف؟ لا يوجد تفسير. بدأت أعمال آل شاغوري تزدهر عندما أسسوا مطاحن عدة للدقيق، في نيجيريا وبنين، ثم توسعت الأعمال إلى النفط والإنشاءات وأنواع متعددة من الصناعات والتجارة. ومنذ تلك الأيام والمطاحن لا تزال تدور، ويلقي جيلبير تحت حجر رحاها، إضافة إلى الحبوب، كل أنواع المشتقات النفطية والصفقات السياسية. الحامل أيضاً للجنسيتين النيجيرية والبريطانية (ورثها عن والده عندما كانت نيجيريا تحت التاج البريطاني)، تمتد “أنابيبه” المالية من لاغوس وبيروت إلى باريس وواشنطن. أنابيب تضخ مالاً ونفوذاً لتصب في مصافي النفط ومجاري السياسة. في السطور الآتية، نتناول تحديداً “توتال إنرجيز”، وتسويق المرشح اللبناني للرئاسة سليمان فرنجية.
الآن، اتضحت أكثر صورة الحماسة الكبيرة التي أبداها “حزب الله” ورئيس البرلمان نبيه بري في شأن الترسيم البحري لحقول النفط في جنوب لبنان، والذي شابه علامات استفهام عند أطراف محلية متعددة.
وبحسب معلومات “اندبندنت عربية” فإن جيلبير شاغوري من كبار حملة الأسهم في “توتال إنرجيز”، وعمل بدأب على خط نبيه بري، أحد عرابي الترسيم، ليربح ورقة وجهها لبناني وقفاها فرنسي. بسهم واحد أصاب شاغوري هدفين. وإذا دخلنا إلى قلب نبيه بري نجده يحمل أيضاً كثيراً من أسهم الود لشاغوري الذي:
هو الصديق الذي يفك ضائقة رئيس “حركة أمل”، كلما دعت الحاجة.
هو الممول السخي حتى لا يتوقف البث في قناة (أن بي أن) لصاحبها نبيه بري.
من المعروف أن شاغوري يوظف في ممالكه التجارية في أفريقيا المئات من اللبنانيين الشيعة الذين في معظمهم يدينون بالولاء لبري.
ولكن الشق اللبناني من “توتال إنرجيز” ليس جبل الجليد، بل رأسه. وعندما يحكى في لبنان، أن وراء الحماسة الفرنسية لمرشح “حزب الله” سليمان فرنجية “خلفيات اقتصادية”، وجب علينا التوغل أكثر في دهاليز “توتال إنرجيز” الشركة الأم، ومقرها باريس.
بانتظار الرئيس تينوبو
ماضياً، نشط شاغوري في أعمال مصافي النفط. فككل دولة محكومة بالفساد والإدارة الفاشلة، كان في نيجيريا كثير من النفط وقليل من المصافي. من ثغرة التكرير دخل شاغوري بقوة، وحازت شركة “توتال” قصب السبق في عقود في تلك الأيام.
وقبل التوجه “باريسياً” لا بد من التعريج على لاغوس في نيجيريا. في 29 مايو (أيار) الجاري، يتسلم الرئيس المنتخب بولا أحمد تينوبو مقاليد الرئاسة. أخيراً، بعد سلسلة من “رؤساء عجاف” تنفس جيلبير شاغوري الصعداء بوصول “صديق قديم”. وما بعد “الرؤساء العجاف” ليس كما قبل. فمنذ سنوات فقدت “توتال إنرجيز” عرش الصدارة البترولية لصالح شركتي “شل” و”شيفرون”، وحان وقت العودة. فشركة “شل” قالت في عام 2021 إنها تخطط للمغادرة وبيع حقولها النفطية وأصولها البرية بعد 80 عاماً من العمليات، وبعد سلسلة ادعاءات قانونية بسبب سجلها البيئي. و”شيفرون – تكساكو” ليست بحال أفضل مع سجل من التحقيقات والشبهات، كانت من أهمها ما أوردته “فايننشال تايمز” عام 2007 عن غسل عشرات ملايين الدولارات، لمصلحة شركة مملوكة من “سياسي نيجيري قوي”.
“يا رب خذ روحي”
خلال حكم الرئيس النيجيري الأسبق ساني أباشا، والذي فاحت شبهات فساد كثيرة حوله، كان شاغوري ممراً ضرورياً للشركات الغربية الراغبة في الاستثمار في النفط والغاز النيجيريين، وبشكل خاص مع شركة “توتال”، التي نجحت بفضله في الفوز بتصريحها الأساس في نيجيريا عام 1998.
في عهد ساني أباشا ضربت نيجيريا الرقم القياسي بصفقات الفساد وبعشرات مليارات الدولارات. إلى يوم وفاته عام 1998 قدرت المبالغ التي نهبها تحت تسميات عديدة، واستطاع محققو غسل الأموال في العالم وضع اليد عليها، بملياري دولار. هذه المبالغ تمثل نصف الأموال التي سرقها أباشا ورفاقه، بحسب المحققين، هذا الرجل غريب الأطوار الذي سيرته تمت بشبه مع ديكتاتور أوغندا القديم عيدي أمين، والذي نادراً ما خلع نظارتيه، استهوته الأحكام العرفية وسجن معارضيه. وعام 1995 استجلب إدانة عالمية عندما أعدم الكاتب والمسرحي كين سارو ويوا. اقتيد سارو ويوا مع تسعة من رفاقه إلى منصة الإعدام، واستلزم شنق هذا الكاتب خمس محاولات، بسبب خلل في المعدات. كانت كلماته الأخيرة “يا رب خذ روحي، لكن الكفاح مستمر”.
وقبل أن يتسنم تينوبو الرئاسة، نشط شاغوري على خط قصر “الإليزيه” الفرنسي، رافعاً شعار: جئتكم حاملاً وعوداً واعدة لـ”توتال إنرجيز” في نيجيريا، فلا تسقطوا سليمان فرنجية في لبنان، من يدي.
وبحسب المعلومات، اليد الأخرى لشاغوري تحمل حقائب مالية بتصرف “ستة نواب مترددين”، والمكافآت ستشمل من يقترع لمرشح “حزب الله”، ومن يكتفي بتأمين النصاب. والمعلوم أن معركة النصاب في انتخابات الرئاسة هذه المرة هي بيت القصيد.
التغاضي الفرنسي
هنا بدا أن الرئيس إيمانويل ماكرون سال لعابه نفطاً. وعلى رغم أن عديداً من الدول الأوروبية يصنف “حزب الله” منظمة إرهابية، وعلى رغم أن الاتحاد الأوروبي عام 2013 أدرج جناح “الحزب” العسكري على قائمة الإرهاب، فيما مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية اعتبراه من عام 2016 منظمة إرهابية، قفز ماكرون فوق هذه الحواجز على صهوة شاغوري. الفرنسيون المولجون بالملف الرئاسي، عندما يواجهون سيل الكتل المعارضة لـ”حزب الله” لا يجدون تبريراً لدعم فرنجية إلا “خذوا ضمانات” أو “خذوا رئيس الحكومة”، بمعنى آخر “الرئاسة لـ”حزب الله” والحكومة للمعارضة”. وطبعاً الفرنسيون لا يعوزهم عذر “الواقعية السياسية” ليقولوا إن “الانتخابات النيابية أفرزت نواباً لـ(الحزب)، وهو يمثل شريحة واسعة لا يمكن تجاهلها”.
شاغوري و”حزب الله”
يبدو أن جيلبير شاغوري لم يكتوِ بنار التهم التي لاحقته بسبب “حزب الله”. ففي عام 2015 عندما ترشحت هيلاري كلينتون لمنصب الرئيس، منع شاغوري من الحصول على تأشيرة إلى الولايات المتحدة بناءً على تقرير استخباراتي صدر عام 2013 من مكتب التحقيقات الفيدرالي زعم أن الملياردير المتعدد الجنسية أرسل أموالاً إلى رئيس “التيار الوطني الحر” آنذاك ميشال عون، بحسب ما ذكرت صحيفة ”لوس أنجلوس تايمز”. وبما أن عون حليف وثيق لـلحزب، ذكر مصدر للصحيفة أن شاغوري بذلك كان “يسهل جمع التبرعات لـ(حزب الله)”. ووفقاً لبرقية نشرها موقع “ويكيليكس” فإن وزيراً لبنانياً طلب من الدبلوماسي الأميركي جيفري فيلتمان عام 2007، أن ترسل الولايات المتحدة إلى شاغوري رسالة قوية حول إمكان فرض عقوبات مالية وحظر سفر على من يقوضون المؤسسات اللبنانية الشرعية، على خلفية دعمه غير المباشر لـ”حزب الله” من خلال ميشال عون.
في رسائل هيلاري كلينتون
وفي قضية الرسائل الإلكترونية التي تسربت في أميركا وأوقعت وزيرة الخارجية آنذاك هيلاري كلينتون في ورطة سياسية كبيرة، كان لشاغوري حصة فيها، إذ طلب دوغ باند أحد مستشاري بيل كلينتون، في عام 2009 من نائبة رئيس الموظفين في وزارة الخارجية هوما عابدين، تدبير موعد لشاغوري في وزارة الخارجية “لمناقشة سياسة الولايات المتحدة في لبنان”. وقال باند لعابدين “كما تعلمين هو “شخص مهم” (key guy) هناك ولنا، وهو محبوب في لبنان”. عابدين ردت “عليه أن يتصل بجيفري فيلتمان (السفير الأسبق في لبنان)، أنا واثقة أنه يعرفه”. أضافت “سأتصل بـ”جيف” (جيفري)”.
ولكن كما يغسل ماكرون يديه في لبنان بنفط نيجيريا، أعادت أموال دعم آل كلينتون في حملاتهم الانتخابية، ترتيب أوضاع شاغوري في الولايات المتحدة. وبحسب “وول ستريت جورنال” قدم شاغوري ما بين مليون وخمسة ملايين دولار، وفقاً لقائمة تضم أكثر من 200 ألف متبرع أصدرتها المنظمة الخيرية للرئيس الأسبق بيل كلينتون، و”لطالما كان السيد شاغوري داعماً مالياً للسيد كلينتون. وتبرع بأموال لدعم جهود إعادة انتخابه في عام 1996، وساعد لاحقاً الرئيس الأسبق في الحصول على مكافآت مالية بدلاً من محاضرات ألقاها في بعض دول البحر الكاريبي”. وتضيف الصحيفة أن شاغوري تبرع أيضاً “بآلاف الدولارات لحملات ترشيح السيدة هيلاري كلينتون غير الموفقة، ولكن وزارة العدل الأميركية كان لها رأي آخر وغرمته 1.8 مليون دولار بتهمة “التواطؤ مع بعض الزملاء لتقديم مساهمات غير قانونية في الحملة الانتخابية لأربعة مرشحين سياسيين في الأقل بين يونيو (حزيران) 2012 ومارس (آذار) 2016.
وبحسب اتفاق الملاحقة القضائية المؤجلة مع الحكومة، اعترف شاغوري بتقديم مساهمات غير قانونية للتدخل في الانتخابات، ووافق على التعاون مع تحقيق الحكومة في الفضيحة، وسدد الغرامات في ديسمبر (كانون الأول) 2019. كذلك أقر اثنان من رجاله في أميركا، جوزيف عرسان وتوفيق بعقليني، بأنهما انتهكا قوانين المساهمة في الحملات الانتخابية، من خلال مساعدة السيد شاغوري في تدخله غير القانوني. سبق هذه “التسوية” دعوى قضائية رفعها شاغوري ضد مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالات أخرى بتهمة الإضرار بسمعته.
وبموجب الاتفاق، أكدت الحكومة أنه لم يكن مدرجاً على قائمة العقوبات الأميركية وأن المؤسسات المالية لها الحرية في التعامل معه. ووافقت القاضية تانيا تشوتكان، على أن الحكومة الأميركية، أيضاً، “ربما انتهكت السياسات الداخلية والقانون الفيدرالي”، لكن وزارة العدل لم تقر بأن أي مسؤول أميركي انتهك القانون.
وقال شاغوري في بيان صحافي إنه يأمل أن يخفف الاتفاق بعض الأضرار التي تسببت فيها المزاعم التي نالت من سمعته ومصالحه التجارية في الولايات المتحدة وأماكن أخرى حول العالم. وأضاف “كما قلت مراراً، أحببت أميركا طوال حياتي لأنها كانت أرض الحرية والعدالة، ويسعدني أن حكومة الولايات المتحدة اعترفت رسمياً بأنني لست مدرجاً في قائمة الأشخاص المحظورين (SDN LIST) ولم أكن من قبل، وأن هذه المسألة التي بدأت بسبب قيام شخص ما بنشر معلومات كاذبة وضارة عني تم إغلاقها أخيراً”.
القنصلية الأميركية لدى لاغوس
شاغوري الحاضر على موائد آل كلينتون، كرمه لم يكن من دون مقابل، إذ ساعدت “العائلة الكلينتونية” شاغوري في الترويج لمشروع Eko Atlantic، وهو مشروع تطوير عقاري ضخم يمتد أكثر من 10 كيلومتر على شاطئ لاغوس في نيجيريا. ويا لها من مصادفة سعيدة أن تعلن البعثة الأميركية في نيجيريا في مايو 2019 أنها اشترت نحو 50 ألف متر مربع من الأرض في مدينة “إيكو أتلانتيك سيتي” لبناء قنصليتها الجديدة. وستكون القنصلية الأكبر في العالم، هذا الإعلان أثار مخاوف في أوساط أميركية على خلفية تعهد الرئيس جو بايدن بمكافحة الفساد في جميع أنحاء العالم، وبخاصة في أفريقيا.
تبييض صفحة الأسد
لنعد قليلاً إلى جيلبير شاغوري اللبناني، إذ لا يمكن أن تشتعل سوريا المجاورة عام 2011 ولا يكون لشاغوري قول وفعل في ما حصل. هذه المرة استفاق “حسه المسيحي” من بوابة رئيس النظام السوري بشار الأسد، ونظم زيارة لرجال دين من الطائفة السريانية إلى واشنطن، في محاولة غير مباشرة للقول إن الأسد يحمي المسيحيين في سوريا. هذه الزيارة جلبت عليه سخطاً في أوساط أميركية، عندما أسهب متكلمون في أحد المؤتمرات في انتقاد إسرائيل، مما اضطرهم إلى اختصار اللقاء بعد جلبة حدثت بسبب ذلك.
أما دخوله على خط القيادات المسيحية في لبنان، فشابه دوماً التأرجح. صحيح أنه كان داعماً مالياً وسياسياً لميشال عون، لكن عز عليه ألا ينسحب عون لمصلحة ابن زغرتا، جارة بلدته مزيارة، سليمان فرنجية في انتخابات الرئاسة عام 2016، وبذل “الغالي والرخيص” أمام عون عله ينسحب لفرنجية وقتها، فباءت مساعيه بالفشل. وربما جر عليه هذا الموقف “غياب الكيمياء” بينه وبين صهر عون السيد جبران باسيل، الذي “لم يستلطفه” يوماً. هذه “الكيمياء المفقودة” تنسحب أيضاً على قيادات مسيحية عديدة.
ضابط إيقاع رؤساء أفارقة
ومع تقدم سليمان فرنجية إلى حلبة السباق الرئاسي، استنفر شاغوري علاقاته البترو – فرنسية، وعلاقته مع الرئيس النيجيري المقبل بولا أحمد تينوبو، الذي بحسب العارفين بدهاليز نيجيريا المتشابكة والمشوبة بالفساد المتأصل، هو “خاتم في إصبع شاغوري”. فقط يكفي أن نذكر أن لقب تينوبو في نيجيريا هو “Godfather of Lagos” (عراب لاغوس). إذاً مستقبل واعد ينتظر “توتال إنرجيز” في البلد الأكبر إنتاجاً للنفط في أفريقيا، بفضل “صديق الرؤساء”، كما يعرف شاغوري عن نفسه. والذي يوصف أيضاً بأنه “ضابط إيقاع” رؤساء أفارقة عدة، فقصره في فرنسا محطة واجبة لزوار من عيار وزراء وقادة دول في القارة السمراء.
الإفلات من قبضة ريبادو
في يوم صيفي من يوليو (تموز) عام 2004، ما إن حطت طائرة شاغوري في أحد مطارات شمال نيجيريا، وقبل أن تطفئ محركاتها عاودت الإقلاع. هذه المرة أفلت من كمين نوهو ريبادو، كبير الادعاء العام لمكافحة الفساد في البلاد. وعلق ريبادو على الحادثة قائلاً “من المحتمل أن موظفاً في المطار ساعده ليهرب”. المدعي العام ريبادو كان يلاحق شاغوري بتهم فساد تربطه بالرئيس ساني أباشا، إذ يتهم أباشا بأنه حول ما يقارب 480 مليون دولار من المصرف المركزي إلى الخارج بمساعدة من شاغوري. وفي مقابلة صحافية صرح ريبادو الذي تعرض لمحاولتي اغتيال، والذي اضطر لفترة إلى مغادرة البلاد “لا يمكنك التحقيق في الفساد من دون النظر إلى شاغوري”. وبعد وفاة الرئيس أباشا أعاد شاغوري ما يقدر بنحو 300 مليون دولار محفوظة في حسابات بنكية سويسرية إلى الحكومة النيجيرية لتأمين حصانته من الملاحقة القضائية، ولكن في 29 مايو الجاري ثمة من سيقول “مات أباشا عاش تينوبو”.
“اندبندنت عربية” تواصلت مع السيد جيلبير شاغوري عبر البريد الإلكتروني لمعرفة رأيه ببعض ما ورد في هذه المقالة، ولطرح مزيد من الأسئلة، لكنها لم توفق بجواب.