النازحون قضيّة جامعة… لكنّها ستفرّق
كتب قزحيا ساسين في “السياسة”:
تتصدّر، اليوم، مسألة عودة النازحين السوريين، مشهد السياسة اللبنانيّة لسببَين: أوّلًا، لأنّ واقع النازحين في لبنان اجتاز الخطوط الحمر، وثانيًا، لأنّ بعض القوى السياسيّة يرى فيه بازارًا سياسيّا خصبًا على مستوى شعبويّ.
من الواضح أنّ مفوّضيّة اللاجئين ليست في وارد مساعدة الدولة اللبنانيّة في العمل على عودة النازحين إلى سوريا. وقد يكون وراء الأكمة ما وراءها، لأنّ التجاهُل الإقليميّ والدوليّ لهذه القضيّة لا يحتاج إلى دليل. وفي المقابل، يَظهر الرئيس بشار الأسد مرتاحا للوجود السوريّ الهائل في لبنان، لما فيه من مصلحة مادّيّة، تشمل مُواطنيه الذين لا يجدون لقمة يومهم في بلادهم، إضافة إلى مصالح أخرى قد تتّضح بعد حين، وليس من المستبعَد أن يكون منها ما هو أمنيّ، باعتبار أنّ تشغيل بضعة آلاف، من الشباب النازحين، أمنيّا أمرٌ في غاية السهولة، في ظلّ الحدود السائبة بين لبنان وسوريا، والمصالح المشترَكة بين الفريق اللبنانيّ المُمانع والنظام السوريّ.
وقد بدأت بعض المرجعيّات الرسميّة، في بعض المناطق والقرى اللبنانيّة، بمبادرة منها، تنظيم وجود النازحين، بترحيل من لا يحمل من الوثائق ما يثبت قانونيّة وجوده، ومنع مَن هو ذو وضع غير قانونيّ من مزاولة مِهَن معيّنة، أو فتح مؤسّسات ذات طابع تجاريّ وإدارتها… وفي ردّة فعل على ما يجري علا استنكار البعض، وشاع الاتّهام بالعنصريّة، وكأنّ المطلوب خلق جبهة ممانِعة في وجه جبهة الحاملين شعار عودة النازحين إلى سوريا اليوم قبل الغد.
وكيفما اتّجهت موازين القوى، فإنّ الوجود السوريّ، كما هو عندنا، لم يعد مقبولا، ولا يجوز السكوت عنه. ومَكمن الخطر في مقاربة هذا الوجود أن تبقى الدولة بما يمثّلها اليوم من حكومة ومجلس نيابيّ على الحياد، لأنّ المسألة في حاجة إلى قرار سياسيّ لا يَقبل اللبس، فالقوى الأمنيّة تتدخّل ميدانيّا، عند حدوث أيّ طارئ أمنيّ، لكن يجب أن تُحمى بقرار سياسيّ، لتتمكّن من العمل بالفاعليّة والحزم المطلوبَين.
وفي حال غياب القرار السياسيّ الرسميّ، ستذهب مسألة عودة النازحين نحو المزيد من التسييس والمواجَهة الداخليّة، في حين أنّها مسألة لبنانيّة وطنيّة جامعة.
وبعيدا من أيّ عنصريّة، وبموضوعيّة تامّة، لا بدّ من الاعتراف بأنّ سوق العمل اللبنانيّ يحتاج إلى اليد العاملة السوريّة، الأمر الذي ليس بجديد، ولم يكُن مشكلة. ولا شكّ أيضا في أنّ مِن النازحين مَن قصد لبنان هربا من بطش الأسد، وليس بِوارد العودة، ومن الطبيعيّ ألّا يُرغَم على الرحيل… لكنّ الكثيرين من “النازحين” إعلاميّا ليسو نازحين، وهم اختاروا بملء إرادتهم اجتياح لبنان للإقامة والعمل الدائمَين فيه، والاستفادة الكبيرة والدائمة من مفوّضيّة اللاجئين… وما لا يَقبَله المنطق، ولا يحمل أيّ تبرير، مجيء سوريّين من سوريا للحصول على المساعدات، وإقامتهم بين لبنان وسوريا، بهدف الاستفادة المادّيّة فقط.
نعم، إنّ الفرز السياسيّ بالنسبة لعودة النازحين بدأ يتّسع، وقد نَشهد قريبا إجراءات رسميّة إضافيّة على مستوى بلديّات، مدعومة بثِقل شعبيّ، بموازاة تصعيد الخطاب السياسيّ عند بعض القوى السياسيّة… صحيح أنّ أحزاب الممانَعة، وتيّار المستقبل وغيره من مكوّنات النسيج السياسيّ السّنّيّ، والحزب الاشتراكيّ، يهمّهم رجوع النازح السوريّ إلى سوريا، غير أنّهم لن يرفعوا الصوت بالقدر الكافي، ومنهم مَن سينتقد حاملي شعار العودة ويتّهمه بالعنصريّة والتطرّف. وقد يَظهر بشكل ما أنّ المسيحيّين المتطرّفين هم الذين يحملون سُلَّم النازحين بالعرض، وكأنّهم يؤسّسون لحرب جديدة.
من هُنا، لا يمكن للسلطة اللبنانيّة الرسميّة البقاء بعيدة عن مسألة النازحين، ولا بُدّ من خطاب سياسيّ وطنيّ واضح عند الجميع، بمعزل عن التزلّف والمساومة والعنصريّة.