تعيين حاكم “المركزي” بين الدستور والاجتهاد..
كتبت ميريام بلعة في “المركزية”:
“هل يحق لحكومة تصريف الأعمال تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان؟ أم لا؟” سؤال أثار قراءات اجتهادات دستورية وقانونية عدة، عزّزها إعلان الحاكم الحالي رياض سلامة عدم رغبته في التمديد له لولاية جديدة من جهة، وإيحاء النائب الأول لحاكم مصرف الأعمال وسيم منصوري بأنه سيقدّم استقالته من منصبه في حال حدوث الشغور في سدّة الحاكمية من جهة أخرى وذلك بغطاء، وقد يكون بإيعاز، من مرجعيّته السياسية.
إذاً يبقى على حكومة تصريف الأعمال في ظل الفراغ الرئاسي، الاحتكام إلى النصوص الدستورية والقانونية لتبني على الشي مقتضاه… فعلى ماذا تنصّ حول هذا الاستحقاق الذي قد يكون داهماً إن أغفلت السلطة التنفيذية التحضير له قبل بلوغ الموعد…
الخبير الدستوري المحامي سعيد مالك يوضح لـ”المركزية” من الناحية الدستورية، أن “حكومة تصريف الأعمال تصرِّف الأعمال بالمعنى الضيّق للكلمة، وفي الأحوال العادية لا يحق لحكومة تصريف الأعمال أن تعيّن حاكم مصرف لبنان ولا أي مدير أو مسؤول أو موظف، كون ذلك يخلق أعباءً على الخزينة العامة.. وبالتالي يبقى الأمر من اختصاص أي حكومة مكتملة المهام”.
هذا في الظروف العادية، يُضيف مالك، أما في الحالات الاستثنائية “حيث يكون حاكم البنك المركزي متهَماً وملاحَقاً محلياً ودولياً، فالأمر يعطي لحكومة تصريف الأعمال ضمن إطار نظرية “الضرورات تبيح المحظورات”، إمكانية العمل على الذهاب إلى تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، خصوصاً أن النائب الأول للحاكم لوّح في الفترة الأخيرة أنه لن يتسلّم المهام في حال انتهاء ولاية الحاكم رياض سلامة من دون تعيين بديل، الأمر الذي يخلق فراغاً ويجيز للحكومة عندها عملاً بمبدأ “الضرورات تبيح المحظورات”، تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان نظراً إلى أهمية الموقع من جهة، وإلى الاتهامات المُساقة في حق الحالكم الحالي.
ولم يغفل مالك الإشارة إلى العقبة الأساسية التي ستواجه الحكومة الحالية، الكامنة في الفقرة الأخيرة من المادة 18 التي تفرض على حاكم البنك المركزي قَسَم اليمين أمام رئيس الجمهورية، ويتابع: مع غياب الرئيس هناك استحالة لقسَم اليمين، ما يعرقل إمكانية تعيين حاكم لمصرف لبنان. فلا تستطيع الحكومة هنا أن تنوب عن رئيس الجمهورية في هذا الأمر. إذ لا يمكن للحاكم الجديد أن يباشر عمله قبل قسَم اليمين…
هذا على صعيد النَصّ وتفسير القانون… ولكن من باب الاجتهاد، يعقّب مالك، “يمكن تعيين حاكم جديد في الوقت الراهن، على أن يُقسم اليمين لاحقاً فور انتخاب رئيس للجمهورية”.
حمود وسابقة التعيين في الفراغ الرئاسي..
لهذا الاجتهاد، سابقة حصلت مع الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود حين تم تعيينه لتولي رئاسة اللجنة.. ويقول حمود لـ”المركزية” في هذا السياق: يستطيع الحاكم الجديد أن يمارس مسؤوليّته، إلى حين انتخاب رئيس للجمهورية عندها يُقسم أمامه اليمين الدستورية. تماماً كما حصل معي حين تولّيت مهام رئيس لجنة الرقابة على المصارف حيث كان هناك شغور رئاسي، وعندما تم انتخاب رئيس للجمهورية أقسمت أمامه اليمين.
وعن إمكانية تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان اعتباراً من أيار المقبل كما يتردّد، يقول: في استطاعة الحكومة تعيين حاكم جديد للبنك المركزي قبل انتهاء الشهر السابع، لا شيء يمنع التعيين المسبق إطلاقاً… لكن يحق للحاكم الحالي إكمال مهامه حتى آخر تموز المقبل.
وليس بعيداً، يوضح أنه “بما أن حكومة تصريف الأعمال في ظرف استثنائي حيث يجب أن تلتمس خلاله الضرورة القصوى في التعيين، فلن تُقدِم على هذه الخطوة سوى لسببين: الأول، اقتراب انتهاء ولاية الحاكم. والثاني، يجب أن يسبق ذلك إيحاء أو إعلان واضح من النائب الأول لحاكم مصرف لبنان في عدم استعداده لتسلّم المسؤولية ورغبته في الاستقالة بالتنسيق مع مرجعيّته السياسية. في خلاف ذلك، يعتبر القانون أن ليس هناك من فراغ إنما شغور، لأن النائب الأول يمكن أن يملأه. عندها تصبح الحكومة أمام حالة طارئة وتصبح حكومة تصرّف استمرارية المرفق العام..”، لكنه يؤكد “إنها وجهة نظري البحتة”.
في الخلاصة، يشدد حمود على “وجوب أن يكون هناك حاكم أصيل لمصرف لبنان، وكل الأمور الأخرى تهون أمام هذا الهدف… إذ من الضرورة التخفيف من الخسائر اللاحقة بالبلاد، وأهمية تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان.. وإلا نكون ارتكبنا أكبر جريمة في حق الوطن بإحداث شغور في منصب حاكم البنك المركزي، بعد الشغور في موقع رئيس الجمهورية… وتركنا البلديات ما بين الإثنين”.