موظفون “on call”.. “بدعة جديدة” في المصارف اللبنانية
تحت عنوان: “موظفون “on call”.. “بدعة جديدة” في المصارف اللبنانية”، جاء في موقع “الحرة”:
“قبل 25 سنة ركبتُ قطار العمل في أحد فروع البنك اللبناني للتجارة شمال لبنان. كنت مطمئنة أنني سأصل للمحطة التي تضمن شيخوختي، من دون أن أتوقع أنني سأجبر يوماً على الترجل قبل الوصول إلى وجهتي، لأجلس على مقاعد الانتظار داخل نفق مظلم من أترقب مصيري. بهذه الكلمات وصفت لينا (اسم مستعار) حالها وعدد من زملائها الذين طلبت منهم إدارة المصرف البقاء في منازلهم.
في 30 اذار الماضي تفاجأت لينا برسالة إلكترونية من مدير التوظيفات أطلعها خلالها بالإجراء الجديد، الذي طال كما تقول ” 65 موظفاً”، مشددة في حديث مع موقع “الحرة” على أنه “لم يتم تحديد المدة التي سيبقى خلالها مصيرنا معلّقاً بين العودة للمكتب والاستغناء النهائي عن خدماتنا، فنحن الآن في مرحلة Employees on call، سنقبض خلالها أساس راتبنا فقط، أي أنه تم حسم بدل النقل والفريش دولار منه”.
الألم النفسي الذي تعانيه لينا أكبر من المادي، فالكلمات المنمقة التي استخدمت في البريد الإلكتروني الذي وصلها، لم تخفف بحسب قولها من ثقل كل حرف مكتوب، وتشير إلى أنها حبست الدمعة في عينيّها، ولملمت حزنها وعاهدت نفسها عدم التواصل مع إدارة المصرف من جديد لمعرفة كيفية سير الأمور.
المجلس التنفيذي لنقابة موظفي المصارف في لبنان أكد ورود معلومات إليه “من عدة مراجع حول اعتماد بعض المصارف بِدعةً جديدةً في التعاطي المستغرب مع عدد لا يُستهان به من موظفيهم، وذلك بالطلب منهم عدم الحضور إلى العمل والتزامهم في المنازل مقابل دفع أساس المعاش من دون بدل النقل ومن دون معادلته مع انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية (التي تدفع حالياً بأشكال متفاوتة كدعم مالي بالفريش أو بطرق أخرى في المصارف)”.
وأعلن الاتحاد العمال العام في بيان تضامنه مع نقابات واتحاد موظفي المصارف، ورفضه “القاطع لأي نوع من أنواع الصرف، سواء كان سافرا أو مستتراً والذي تعمد إليه بعض المصارف”.
“البدعة”.. مرفوضة
وتابع المقال: “المجلس التنفيذي لنقابة موظفي المصارف في لبنان شدد في بيان على أن “بدعة المصارف المُبتكرة غير مقبولةٍ من قبلنا بكافة المقاييس، فيكفي موظف القطاع المصرفي ما عاناه ويعانيه اليوم، ومنذ بداية الأزمة، وتلقي الضربات من الزبائن والإدارات على السواء ليصل إلى وضعه أمام مصيرٍ مجهولٍ، وبمعاشٍ لا يليق بأي أجيرِ في هذه الظروف الاستثنائية الضاغطة”.
وأضاف “كرامة موظف القطاع المصرفي ترفض رفضاً قاطعاً قبول مبالغ مالية من دون مقابل، فنحن لسنا طالبي حسنة، أما إذا كان المطلوب تمرير الوقت للوصول إلى صرفٍ جماعي غير واضح المعالم، فإننا نتوجّه من الإدارات المعنيّة فوراً إلى التفاهم معنا ومع موظفيها على ما سيؤول إليه هذا التدبير، مؤكدين أننا لن نقف مكتوفي الأيدي أمام ما يُحاك من هندساتٍ وفبركاتٍ “.
وطالب المجلس الإدارات التي ستعمد إلى هذا الإجراء بمصارحة الموظفين والنقابة والاتحاد بما تنوي القيام به بعد فترة الاستيداع، إما بالالتزام بإعادة الزملاء الموظفين إلى العمل، أو وضع بروتوكولٍ مقبولٍ يتم التوافق عليه، يكون في مصلحة كافة الأطراف.
مصير “رمادي”
وتابع المقال: “لجأت مجموعة من الموظفين الذين طالهم القرار الجديد إلى رئيس اتحاد نقابات موظفي المصارف، جورج الحاج، للاستفسار منه عما يحصل، والاطلاع على الخطوات التي ستقوم بها النقابة، الا أنهم سمعوا منه، كما تقول لينا ردا واحدا، هو “عدم القدرة على فعل شيء إلى حين اتخاذ المصرف قرار صرفنا، كون مازلنا نعتبر في عداد الموظفين”.
وفي حديث مع موقع “الحرة” أكد الحاج أن البنك اللبناني للتجارة هو المصرف الوحيد حتى الآن الذي أعلم موظفيه بهذا الإجراء، من دون أن يلغي ذلك احتمال إقدام مصارف أخرى على ذات الخطوة من ضمن سياسة إعادة الهيكلة، وكنقابة نطالب بمعرفة فيما إن كان ذلك يعني الاستغناء عن خدمات الموظفين، إذ في هذه الحالة يجب وضع بروتوكول فوراً، فمن حق الموظف الحصول على تعويض مقبول يتناسب مع الظروف التي تمر بها البلاد”.
ويضيف “إجراء المصرف غير مريح، لذلك نعمل على وضع الأمور في إطارها، وكشف أي طريق يُرسم للموظفين، وقد اتخذنا الموقف الذي عبرنا عنه في البيان”، مشددا على أن ” الراتب الأساسي للموظف بالكاد يعادل 40 دولارا، مما يعني أن لا قيمة له من دون الإضافات”.
فاق عدد المصارف في المحافظات والأقضية اللبنانية قبل الأزمة الاقتصادية التي تتخبط بها البلاد، الـ 60 مصرفا ولامس عدد فروعها الألف، ثم انخفض عددها في مارس 2022 إلى حوالي الـ 900 فرع. اما عدد الموظفين في القطاع المصرفي فبلغ 25 ألفا قبل ان ينخفض مع نهاية العام 2022 إلى ما دون الـ 19 ألفا، وذلك بعد إقفال حوالي 65 فرعا، وصرف حوالي 7 آلاف موظف بأشكال مختلفة، وفق ما جاء في بيان الاتحاد العمالي العام.
ورأى الاتحاد العمالي في بيانه أنه “مع تدحرج كرة الانهيار المالي والنقدي، وتنصل المصارف من واجباتها تجاه العقود المبرمة معها من قبل المودعين، وحصر المسؤولية عنها بالمصرف المركزي والدولة اللبنانية، بعد تحقيق أرباح بمئات مليارات الدولارات التي هربتها مع شركائها إلى الخارج بجريمة موصوفة، تحاول هذه المصارف اليوم وحفاظاً على هامش أرباحها، وليس بسبب خسائرها، تحميل الانكماش القائم نتيجة انعدام الثقة بأدائها للعاملين فيها”.
كما أعلن رفضه لأي تسوية تقليدية في ظل هذه الأزمة الطاحنة لعدم ثقته بإداء بعض المصارف، “لأنها أخلت بعقدها مع المودع ولأنها عملت على إفراغ العقد الجماعي مع الموظفين من مضمونه، ولأن كبرى المصارف منعت موظفيها من الانتساب إلى نقابتنا”، داعياً نقابات واتحاد المصارف إلى عدم الركون إلى أي بروتوكول، والاستناد إلى ضمانات حقيقية ملموسة في وزارة العمل والمصرف المركزي ووزارة المال، تحمي الموظفين من توحش الغول المصرفي”.
والحماية الفعلية، بحسب الاتحاد العمالي “تأتي من التضامن فيما بين الموظفين ومع الإتحاد العمالي العام، والاستعداد للنزول إلى الشارع والتحرك والتصعيد كيفما كان لحماية الحقوق التي تتعرض للاغتصاب”.
خيارات “مرّة”
دفعت الأزمة الاقتصادية، القطاع المصرفي إلى “اتخاذ خطوة إعادة الهيكلة الذاتية، كل مصرف بحسب قدرته وحاجاته، وذلك بهدف التخفيف من المصاريف التشغيلية”، بحسب ما يقوله خبير المخاطر المصرفية الدكتور محمد فحيلي، مشيرا إلى أن ذلك يتطلب “إغلاق فروع وصرف موظفين من الخدمة، والطلب من بعضهم التوقف عن الحضور مع استمرار قبض أساس أو جزء من رواتبهم مع ضمان التغطية الصحية، وذلك في حال كان صرفهم بشكل نهائي سيكلف المصرف مبالغ مالية كبيرة”.
يشرح فحيلي في حديث لموقع “الحرة” أنه “في المنطق الاقتصادي، تعكس الحركة في القطاع المصرفي حركة الاقتصاد، وبعد الانكماش الذي أصيب به الأخير، إذ تراجع الناتج القومي من 55 مليار دولار سنة 2018 إلى ما دون الـ 20 مليار اليوم، من الطبيعي أن تتقلص الحركة في القطاع المصرفي”.
كما ساهم فقدان الثقة بالمصارف العاملة في لبنان، كما يقول فحيلي “في شلّ حركتها، وبعد أن كانت تقدم في السابق مئات الخدمات جمدّت نحو 90% منها لسبب عدم قدرتها على تقديمها أو توقف عملاء المصرف عن طلبها، إذ أصبح الأمر يقتصر على السحوبات والإيداعات، وفق أحكام تعاميم مصرف لبنان الأساسية (التي تحمل الأرقام 150، 151، و 158) إضافة إلى خدمة منصة صريفة”، وفق أحكام التعميم الأساسي رقم 161، لافتاً إلى أن “ما أقدم عليه البنك اللبناني للتجارة خطوة جريئة وأساسية إذا كان توجه مجلس الإدارة هو دمج هذا المصرف مع فرنسبنك، كونهما يعودان لذات المالكين”.
(الحرة)