خلدة أمام “إختبار” خلال أيام.. دلائل تكشف وضعها الأمنيّ
لم يكُن المؤتمر الصحفي الذي عقدتهُ لجان عرب خلدة، أمس الإثنين، بحضور نواب من مختلف الأطراف السياسية، سوى إشارة إلى أنَّ ملف “أحداث خلدة” والأحكام الأخيرة الصادرة عن المحكمة العسكرية بشأن المتورطين به، قد خرج من إطارٍ محدود ليُصبح عنواناً لمواجهة سياسية في المدى القريب.
ما بدا لافتاً ضمن المؤتمر هو التركيز على أمرٍ بعيدٍ تماماً عن حيثيات الملف المفتوح منذ سنتين، والذي ارتبط بمواجهات مسلحة بين أبناء عشائر خلدة ومناصرين لـ”حزب الله”. ففي الواقع، سعت جهاتٌ عديدة بالأمس للتصويب على المحكمة العسكرية وفتح سجالٍ حول شرعيّة وجودها، بعدما تم تصويرها على أنّها تقف ضدّ أبناء خلدة بسبب إصدارها أحكاماً بحقهم دون سواهم من المتورطين “الطلقاء”، والمقصود هنا مناصرو “حزب الله” الذين حصلت معهم الإشتباكات في صيف الـ2021، وهم ومنذ ذلك الحين ما زالوا بعيدين عن التوقيف أو المحاكمة، على حد اعتبار “العشائر”.
إذاً، وأمام الإستهداف الذي يطالُ المحكمة العسكرية، باتت هناك مخاوف من إنتقال ملف “أحداث خلدة” من مكانٍ إلى آخر غير معروف التوجّه، إلا أنّ الأساس وسط كل ذلك هو أمرٌ واحدٌ لا ثاني له، وهو كيفية الحفاظ على إستقرار المنطقة المذكورة رغم “التصعيد الكلامي”.
حتماً، كانت الرسائل الناريّة متوقعة بعض الشيء، فالمطالبة بـ”تمييز” أحكام “العسكرية” قائمة حُكماً، لكنّ الأمر الأهم هو أنَّ “شرارة المواجهة” كانت مرفوضة حتى وإن كان سقف الخطابِ ضد “حزب الله” عالياً. فعملياً، يبقى التركيز على “وأد الفتنة” والتمسك بالدولة هو الأساس، ورغم “النبرة العالية”، كانت هناك تهدئة بعض الشيء من قبل أطراف أساسية، وذلك لتجنب الإنجرار نحو صدامٍ جديد مع “حزب الله”. هنا، الأمر هذا يرتبط بسببين: الأول وهو أنّ عشائر “عرب خلدة” ليس لديها أيُّ قرارٍ بفتح مواجهة مُسلّحة مع أحد حتى وإن كانت ستُصعد موقفها في حال لم تحصل أي تعديلات على الأحكام الصادرة عن “العسكرية”. أمّا السبب الثاني فهو أنّ منطقة خلدة تعتبرُ حسّاسة جداً، ولهذا فإنّ أيَّ مبادرة باتجاه مفاقمة الوضع هناك ستعني بداية معركة قد تنتقلُ إلى المناطق الأخرى.
واقعياً، فإنّ الوجود النيابي المتنوع “طائفياً” في خلدة، بالأمس، أرسى دعماً كبيراً للعشائر، وكرّس ضماناتٍ بالمتابعة التي سيتمّ خوضها على أكثر من جبهة. الأمرُ هذا يعني سحب “فتيل التوتر” من الشارع ووضعه في الجانب السياسي والبرلمانيّ بشكل خاص، إلا أنه ووسط هذه المشهدية، يُطرح السؤال الأهم: هل سيُبادر “حزب الله” مُجدداً إلى إنهاء الملف تماماً والتعاطي بـ”ليونة” مع أيّ تعديلات قد تطرأ على أحكام المحكمة العسكريَّة؟
بالنسبة للحزب، تبقى هناك أولوية واحدة وهي أنّ طريق خلدة يجب أن تبقى سالكة وقطعها ممنوعٌ بتاتاً. ضمنياً، هذا الأمر، ورغم التمسك به، قد تخرقه بعض التحركات، إذ من المرتقب أن يبادر أبناء عشائر العرب للتظاهر ميدانياً بعد أيام في حال لم تعالج مسألة الأحكام. بالنسبة لمصادر مقرّبة من “حزب الله”، فإن التحركات الإحتجاجية واردة، ونجدد التأكيد على أن الجيش هو الوحيد المخول بمعالجتها بهدوءٍ وحكمة شرط ألا تبقى طويلاً.
خلال الأيام الماضية، برز أمرٌ مهم جداً لا يمكن التغاضي عنه وهو أنّ عشائر العرب وأثناء تحركاتها الأخيرة، تعاطت بـ”مسؤولية” مع الشارع، فما حصل هو أنّ “أبناء العرب” أقفلوا الطرقات في أوقاتٍ مُحدّدة وقصيرة، فيما تعاملوا مع الجيش بكل ليونة حينما يأتي القرار بفتحها أمام المارّة. كذلك، فإنّ مختلف التحركات التي جرت لم يتخللها أي إشتباك أو انخراط عناصر غير منضبطة لإفتعال إشكالات، ما يعني أنّ ما جرى كان تحركاً إحتجاجياً وإعتراضياً، لا إستفزازياً ولا حتى رسالة باتجاه معركة.
كل هذه الأمور وصلت إلى جهة الحزب، ولهذا كانت قيادته على إستعدادٍ لتدارس الملف بشكل معمّق وإنهائه عبر مُصالحة ستتجدّد أصلاً خلال المرحلة المقبلة رغم التصعيد في المواقف. إلا أنه وقبل حصول أي شيء، تبقى العينُ على ما سيُسفر عنه الحراك السياسيّ بشأن أحكام “العسكريّة”، وعمّا إذا كانت ستكونُ هناك تسوية ما تلوحُ في الأفق تُخفف من وطأة تضرّر “عشائر العرب” من جهة، وتحمّل “حزب الله” جزءاً من المسؤولية من جهة أخرى. عندها، يُمكن القولُ إن الأمور ستهدأ أكثر، وسيكونُ الملف قد حُلّ بخطوة تساهم في حفظ المنطقة من إهتزازٍ أمنيّ مُحتمل.
ماذا يعني موقع خلدة “أمنياً”؟
في رمزيتها، تعدُّ خلدة شرياناً حيوياً لا يُمكن التغاضي عن معالجة أي ندوبٍ فيه. فالمسألة هناك لا تتعلّقُ فقط بإشكالٍ بين عشائر العرب ومناصرين لـ”حزب الله”، بل هي ترتبطُ بقضية أمنٍ قومي فعلي. حُكماً، تعدّ تلك المنطقة صلة وصلٍ بين الجنوب وبيروت، كما أنها الطريقُ الأساسية نحو الجبل حيثُ الثقل الدرزي، في حين أنها تُعدّ ممراً لأبناء الجنوب وإقليم الخروب. كذلك، فإن تلك المنطقة تحتضنُ المطار الذي تقوم على أطراف مناطق تتميز بـ”ثقلٍ” لـ”حزب الله” و “حركة أمل”. وعليه، فإنّ حصول أي هزّة أمنية هناك ستعني دخول مختلف الأطراف في المعركة، وعندها ستكون الأضرار شاملة للجميع من دون أي إستثناء.
وإنطلاقاً من ذلك، بات الحرصُ شديداً على تطويق أي إشكالٍ يحصل هناك من قبل الجيش، فخلال المؤتمر الذي عُقِد بالأمس وأثناء التحركات التي حصلت مُسبقاً، كانت العناصر العسكرية متواجدةً بكثافة وبشكلٍ إستباقيّ. وعملياً، فإن كل ذلك يعني أنّ التعاطي مع المنطقة يعتبرُ في الأولويات، وأيّ محاولة للعبث بأمنها سيلقى رداً عسكرياً من الجيش، وهذا الأمرُ متفق عليه سياسياً ويؤيده “حزب الله” أيضاً.
في خلاصة القول، فإن ما يبقى مُنتظراً هو ما ستؤول إليه الإتصالات على صعيد أحكام “العسكرية”، والسؤال: هل سينجح التدخل السياسي في ذلك؟ وفي حال لم تصل الأمور إلى نتائج مُرضية.. ما هي الخطوة التالية؟ هل ستشتعل جبهة خلدة من جديد؟