اراضي الدولة “تطير”… المشاعات في قبضة الأمر الواقع
كتبت جوانا فرحات في “المركزية”:
لم يكن مشهد رشق عناصر القوى الأمنية بالحجارة والزجاجات الفارغة على أرض بلدة تفاحتا في جنوب لبنان يحتاج إلى أي تفسير. فالإعتداء ليس الأول من نوعه على عناصر قوى الأمن من قبل قوى الأمر الواقع الذين بنوا في الأملاك العامة خلافا للقانون، لينتهي المشهد كما في كل مرة بانسحاب القوى الامنية التي أطلقت النيران التحذيرية منعاً لاصابة أفرادها.
واقعة الإعتداء على مشاعات تفاحتا فتح من جديد الملف الذي يتكرر كل عقد من الزمن وفق ظروف المرحلة. ففي العام 2010، حصلت الظاهرة نفسها للمرة الاولى بعد التسعينيات، والمحيِّر أن السلطات أوصلت الخدمات من كهرباء ومياه واتصالات الى الاحياء التي نمت في العشوائيات . وبتاريخ 31/12/2015، أصدروزير المالية السابق علي حسن خليل مذكرة نقل بموجبها ملكية مشاعات جبل لبنان من أهالي القرى إلى الدولة، وطلب من مندوبي دائرة أملاك الدولة أثناء أعمال التحرير والتحديد العقاري للمشاعات عدم تدوين العبارات الخاطئة التي كانت ترد سابقاً (ملك عموم أهالي البلدة، مشاع عموم أهالي البلدة، إلخ..). ما يعني نقل ملكية مشاع البلدة المسجلة باسم أبنائها إلى الدولة اللبنانية، وحرمان أبناء جبل لبنان ملكيتهم للمشاعات التي تمتد من بشري إلى تنورين والعاقورة وبسكنتا والشوف وصولاً إلى جزين.
رئيس “حركة الأرض اللبنانية”طلال الدويهي يحدد عبر “المركزية” مساحة المشاعات بحوالى 13 في المئة من مساحة لبنان وهي مملوكة من أبناء القرى بموجب مرسوم صادر عن المفوض السامي الفرنسي من دون الحق ببيعها. وكان الفرنسيون قد عمدوا مع إنشاء الإنتداب الفرنسي السجل العقاري وإعتماد التقنيات الهندسيّة في تحديد المساحة بين الأعوام 1923 و1943، إلى مسح ما يقارب الـ50 في المئة من الأراضي، واستكمالها في عهدي الجمهوريتين الأولى والثانية وتحديد ما يقارب الـ20 في المئة من الأراضي حتى تاريخه، وتبقى المساحة المتبقية غير محددة وغير ممسوحة وغير مسجلة في الدوائر العقارية. ويتولى مختار المحلّة أو البلدة دور قاضي السجلّ العقاري في تلك القرى، الذي يعمد بدوره إلى إصدار إفادات تسمح لحاملها بالتملك بموجبها، والتقدم من مؤسسات الدولة للحصول على إشتراك الكهرباء والمياه وغيرها من الأمور الإدارية والتنظيمية، وتتحول تلك العقارات بموجب إفادة المختار إلى أملاك بحكم الواقع.
أما الاراضي الاميرية فتعود ملكيتها للدولة وأي قرار يختص بالتصرف بها يعود إلى المديرية العقارية ووزارة المال.. ويلفت الدويهي إلى أن الإعتداءات في السابق كانت تقتصر على عملية زرع الأرض أما اليوم فيستغل المخالفون ومن وراءهم من قوى الأمر الواقع غياب الدولة ووجود حكومة تصريف أعمال في ترسيخ قواعد مخالفاتهم من خلال عمليات البناء على أراضي المشاعات”.
الأكيد أن من يدير هذه العملية ليسوا أشخاصاً عاديين”هناك عقل استراتيجي يدير عملية تقزيم دور مكون أساسي في البلد من خلال تقزيم حجمه على الأرض وأعني بذلك المسيحيين” يقول الدويهي، مشيراً إلى إستغلال جهات معينة لحال التفكك التي تمّر بها مؤسسات الدولة والوضع المالي الصعب الذي يمرّ به لبنان من أجل مفاقمة التعديات والشراء الممنهج للعقارات، ورفض وضع ما يحصل في خانة الأعمال التجارية والإستثماريّة، “وهذا ما يؤكد وجود مخطط وعقل إستراتيجي من أجل تحجيم الدور المسيحي في لبنان، أكان عبر شراء الأراضي التي تعود ملكيتها لهذا المكون، أو السيطرة عليها عبر وضع اليد، ويشير إلى أن عملية توقيف المعتدين لا تؤخر ولا تقدم”لأنو بيطلعوا في اليوم التالي”.
وعن تداعيات التمادي في عمليات الإعتداء على المشاعات يشير إلى أنها ستؤدي إلى مزيد من الفوضى العمرانية وإضعاف هيبة الدولة والشرعية السياسية في لبنان ناهيك عن التغيير الديمغرافي.
إذا عرفنا السبب بطُلَ العجب. إلا في لبنان. فالإسراع في ضبط ووقف عمليات التعدي على المشاعات سيحد حتما من فداحة الخسائر، أما الكلام عن إنشاء صندوق سيادي فلا جدوى منه طالما أنه لا يوجد قضاء نزيه ولا قدرة للقوى الأمنية أن تحسم الموضوع وتضرب بيد من حديد. ويبقى الحل باستعادة شرعية الدولة وانتخاب رئيس فيكون هناك على الأقل مرجعية رسمية وليس حزبية أو زعاماتية والأهم أن يتمتع المسؤولون بالضمير والمخالفات ” وهذان الكنزان الثمينان غير متوافرين” يختم الدويهي.