حصان الثنائيّ أمام عربة فرنسا… الانتداب الجديد
كتب قزحيا ساسين في “السياسة”:
سقطت مقولة “الأمّ الحنون” منذ زمن بعيد جدّا. وفرنسا، اليوم، تناصر الديكتاتوريّات، ولم يعد عندها للثورة وكرامة الإنسان وثقافة الحرّيّة ما تقدّمه لنا. وقد استطاع الرئيس ماكرون التسلّل إلى ساحة لبنان الملتهبة، ليقف على أطلال مرفأ بيروت المفجوع، ويتقمّص حزن “خنساء” العرب على أخيها “صخر”.
لكنّ الأيّام كفيلة بمعرفة مَن بكى ممّن تباكى. وسرعان ما انقلب الزائر الفرنسيّ الحنون رجلا يَنشُد لبلاده موردا ماليّا عندنا، في حين نحن نشتهي العضّة في الرغيف. وليس الاستثمار في نفطنا الهدف الوحيد، إنّما يريد ماكرون، إن استطاع، الاستثمار في كلّ مشاكلنا، بدل المساعدة على حلّها بشفافية وصدق.
نعم، إنّ فرنسا اليوم دولة تساوم وتتبرّأ من قيمها، على مستوى السلطة، لأجل مصلحتها فقط، في ظلّ الصراع الدوليّ والإقليميّ، الذي تطلع منه رائحة حرب عالميّة جديدة، وإن لم تكن شاملة ومشتعلة في وقت واحد، إنّها حرب عالميّة بالتقسيط.
يحاول الرئيس ماكرون، إرضاء طهران، ويدعم ترشيح النائب السابق سليمان فرنجيّه، وهو يعرف أنّه ينتمي إلى محور الممانعة، وليس له تمثيل مسيحيّ يُذكَر. ويعرف ماكرون أيضا أنّ فرنجيّه لن يصل إلى قصر الرئاسة، غير أنّه يعمل ما في وسعه ليحافظ على مصداقيّته مع ولاية الفقيه، وحزب الله الذي يمثّلها في لبنان، وحركة أمل، وسائر القوى السياسيّة المنتمية إلى محور الممانعة.
وما الغارات القضائيّة على الحاكم رياض سلامه وأصحاب المصارف، التي تقودها فرنسا، سوى خطوة فرنسيّة أيضا في اتّجاه الاستثمار لاحقا على المستوى المصرفي، سواء الاستثمار السياسيّ في النفوذ، أو الاستثمار الماليّ مباشرا وغير مباشر. لا شكّ في أنّ سلامه وأهل المصارف شركاء في خراب “بَصرتِنا”، إلّا أنّ الخراب تمّ بالتكافل والتضامن مع المنظومة السياسيّة الفاسدة، هذه المنظومة التي تقف فرنسا عند خاطرها، وتحاول من خلال ما يقوم به القضاء الأوروبي والفرنسي أن تسدي لها خدمات، قد تُتَرجم لاحقا بمَن سيكون حاكم مصرف لبنان الجديد…
كان جديرا بالدولة الفرنسيّة ألّا تساهم في إغلاق أهمّ ملفّ قضائيّ في تاريخ لبنان الحديث، وهو ملفّ تفجير مرفأ بيروت. ولو أنّ ماكرون بقي يثير قضيّة المرفأ ويضغط في اتّجاه عودة القاضي البيطار إلى السّير نحو إصدار الحكم العادل، لما كان من شكّ وشُبهات في استنسابيّة فرنسا قضائيّا. إنّما يبدو حضور شركة “توتال” في التنقيب هو الوجهة الفرنسيّة الحقيقيّة، لا العدالة الكاملة والشاملة التي يحتاج إليها لبنان.
فكيف يدعم ماكرون البيطار، وثمّة مطلوبون للعدالة، في ملفّ تفجير المرفأ، محسوبون على من تتحالف معهم فرنسا، وتعمل لزيادة نفوذهم، وإيصال رئيس لهم إلى كرسيّ بعبدا؟
ويبقى من الاسئلة: هل فوَّضت أميركا فرنسا بما تقوم به؟ وإلى أيّ حدّ ستتمكّن إيران من فرض إرادتها لبنانيّا في يومنا؟ وهل للسعوديّة كلمة خاصّة، يمكن أن يكون لها آذان إقليميّة ودوليّة صاغية، أم أنّ الرياض ستأخذ في اليمن، وطهران في لبنان؟