ما قدّمه فرنجية لدوريل من ضمانات لم يقنع السعودية
قدم رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، مرشح حزب الله للرئاسة في لبنان، خلال زيارته إلى باريس ولقائه باتريك دوريل المستشار السياسي للرئيس الفرنسي سلسلة من الضمانات التي حاول أن يوحي من خلالها بأنه يستطيع أن يقدم ما لا يستطيع تقديمه آخرون. ويبدو أن هذه الضمانات لم تقنع السعودية، وهو ما عكسته مواقف الأطراف السياسية المحسوبة عليها.
وبحسب تقارير إعلامية لبنانية تعهد فرنجية بعدم عرقلة برنامج الحكومة الإصلاحي، وإقرار الإستراتيجية الدفاعية بالتفاهم مع حزب الله، ووقف تصدير المخدرات إلى دول الخليج، وضبط الحدود، وعدم خروج لبنان عن الإجماع العربي، فضلا عن توطيد العلاقات مع السعودية وبقاء خطوط التشاور معها مفتوحة في كل القضايا التي تهم العلاقات بين البلدين. وتعود فكرة تقديم الضمانات إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، باعتبارها مخرجا محتملا من الاستعصاء الراهن.
ولم ترفض السعودية الفكرة ووعدت بدراسة ما يمكن لفرنجية تقديمه، وذلك على سبيل تأكيد أنه لا توجد تحفظات شخصية ضده. إلا أنها أحالتها إلى “لجنة مصغرة”، في إشارة إلى أنها لا تستطيع شراء ضمانات سبق أن حصلت عليها، كما حصل عليها الرئيس ماكرون نفسه، ثم تم التنصل منها بذريعة أو بأخرى.
ويقول مراقبون إن إستراتيجية حزب الله تقوم على تقديم التسهيلات والقبول بالشروط التي تضعها الأطراف الدولية والإقليمية، ومن بعد ذلك “التفاوض عليها” لتخفيفها، ومن ثم التفاوض عليها مجددا حتى تذوب ويجري التنصل منها كليا. وهو ما حصل بالفعل عندما أعرب حزب الله عن قبوله بكل الشروط التي طرحها ماكرون خلال زيارتيه إلى لبنان عقب انفجار مرفأ بيروت، وقبوله بتنفيذ الإصلاحات التي طلبها صندوق النقد الدولي، ولكن لم يتحقق شيء في النهاية.
والأمر نفسه ينطبق على حكومة سعد الحريري، حيث حصل على ضمانات لكي يدعم ترشيح ميشال عون للرئاسة، قبل أن ينتهي الأمر بتعطيل حكومته، وفقا لقاعدة “الثلث المعطل” التي تمسك بها الحزب لعرقلة اجتماعات الحكومة، وهو ما دفعه إلى الاستقالة، وفشلت جهوده في تشكيل حكومة جديدة، وصولا إلى دفعه أبهظ ثمن سياسي بالانسحاب الكلي من الحياة العامة، متحملا انتقادات السعودية لموقفه “المتساهل” إزاء حزب الله. وعلى هذا الأساس، فإن لسان حال السعودية يقول “لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين”، وهو ما عكسته مواقف أطراف المعارضة القريبة منها.
وقال سمير جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية، إن أيَّ مرشّحٍ من محور الممانعة مهما كان اسمه أو هويّته “هو الفراغ بحد ذاته”، مضيفا أن “محور الممانعة تسلّم الرّئاسة مرّة، ودمَّر البلد ألف مرّة ومرّة، لذا حان الوقت كي يبتعد ويفسح المجال أمام اللبنانيين الشُرَفاء الإِصلاحيّين السياديّين ليُخرجوا الشعب من هذا الأتون الذي تسبّب به هذا المحور”.
وأشار جعجع إلى مظاهر المرونة التي يبديها حزب الله ومرشحه للرئاسة بالقول “إنهم يتحدّثون عن حوار وتفاهم، فيما قرّروا سلفًا من يريدون، تبعًا للطريقة التي يبغون.. هناك من يبتزّنا ككل مرّة، ويخيّرنا بين المرشّح التابع له أو الفراغ”.
وقد أعرب وليد جنبلاط، زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي الذي سبق فرنجية إلى زيارة باريس والالتقاء بمدير الاستخبارات الخارجية الفرنسية برنار إيميه، أعرب عن تحفظات مماثلة كانت امتدادا لرفض قاطع قدمه ابنه النائب تيمور جنبلاط بالقول “إنه لن يصوّت لفرنجية بأي شكل من الأشكال، انسجامًا مع موقف القاعدة الشعبية”.
ولم يكتف جنبلاط بالقول “إن انتخاب فرنجية أمر صعب، وإنه حتى لو وافقت المملكة سيبقى الأمر صعبا بسبب موقف الكتل المسيحية منه” وإنما طلب من الفرنسيين بصراحة التخلي عن فكرة المقايضة (على أساس الجمع بين فرنجية وتمام سلام)، والتخلي حتى عن محاولة إقناع السعوديين بالسير بها”.
يذكر أن نتائج المشاورات التي انعقدت في باريس خلال فبراير الماضي في إطار اللقاء الخماسي (فرنسا والولايات المتحدة ومصر وقطر والسعودية) انتهت بموقف عاصف أدّى إلى مغادرة رئيس الوفد السعودي نزار العلولا القاعة غاضبا، ومعه السفير السعودي في بيروت وليد البخاري، بعدما وصل النقاش إلى طريق مسدود، خصوصا بعد أن تمسك الجانب الفرنسي بفكرة “أن حزب الله طرف لا يمكن تجاهله، وأن الفراغ سوف يستمر، ما يملي طرح مبادرة توافقية تمنع الانفجار في لبنان”.
وفشل الاجتماع هو الذي دفع الرئيس ماكرون إلى طرح فكرة الضمانات على ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وبحسب ما أعلنه قصر الإليزيه “أبدا الجانبان الفرنسي والسعودي تمسكهما بالعمل على إنقاذ لبنان من أزمته المحتدمة”.
وكان دوريل اجتمع قبل اللقاء مع فرنجية بالمستشار في الديوان الملكي العلولا والسفير البخاري، انطلاقا من فكرة أن الاتفاق السعودي – الإيراني على إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران يمكن أن ينسحب على لبنان.
إلا أن حسن نصرالله زعيم حزب الله نسف الفكرة بالقول “إن الاتفاق لن يكون على حسابنا ولا على حساب الشعب اليمني ولا على حساب سوريا ولا على حساب المقاومة.. ونحن واثقون أن الطرف الثاني (إيران) لا يخلع صاحبه، وأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا تقوم مقام الشعوب ولا تتخذ قرارات بالنيابة عنها”.
المصدر – العرب اللندنية