هل فتحت باريس الطريق أمام فرنجية؟
لم تنجح باريس حتى الساعة في تعبيد الطريق لتصبح سالكة سياسياً أمام إنتخاب زعيم تيار “المردة”، النائب السابق سليمان فرنجية، رئيساً للجمهورية اللبنانية، مع دخول الشغور الرئاسي في شهره السادس.
فزعيم تيار “المردة” عاد، مساء أول من أمس السبت، إلى بيروت قادماً من باريس بعد أن عقد، وبناء على طلبه، إجتماعاً مع دوريل لم يبدل في نتائجه حتى الساعة على الأقل، كما تقول مصادر في المعارضة، من واقع حال الإنقسام العمودي في البرلمان الذي يعيق إنتخاب رئيس للجمهورية.
وتقول مصادر في المعارضة نقلاً عن مسؤولين فرنسيين لـ”الشرق الأوسط” إن باريس تجاوبت مع رغبة فرنجية بزيارتها للقاء دوريل، لأن لديه ما يقوله في ضوء تأكيده أنه يأخذ من سوريا و”حزب الله” أكثر من أي مرشح آخر.
وتؤكد المصادر نفسها أن باريس تنطلق من دعوتها لفرنجية للإستماع إلى وجهة نظره, كونه يأتي في طليعة المرشحين لرئاسة الجمهورية، وبالتالي يمكن أن يسهل إنجاز الاستحقاق الرئاسي، ويسرع في إنهاء الشغور في رئاسة الجمهورية.
وتلفت إلى أن باريس تعتقد أن هناك فرصة للحصول على الضمانات المطلوبة منه، وتكشف أن زيارة رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي”، وليد جنبلاط، على رأس وفد من “اللقاء الديمقراطي”، لم تكن مبرمجة مع دعوة باريس لفرنجية، وإن كانت اللقاءات التي عقدها تمحورت حول الضمانات المطلوبة من فرنجية لانتخابه رئيساً.
وتقول المصادر إن جنبلاط لم يعترض عليه لدوافع شخصية، وإنما لاعتبارات سياسية.
وكرر جنبلاط قوله، في لقاءاته مع المسؤولين الفرنسيين، إنه آن الأوان للبحث عن شخصية وفاقية لا تكون طرفاً في الانقسام الحاصل، ولا تشكل تحدياً لأحد، وتملك رؤية إصلاحية.
وتتوقف المصادر أمام الضمانات التي تطرحها باريس، وتسأل عنها، وصولاً لإستيضاح فرنجية عن موقفه منها، وتؤكد أن دوريل طرح عليه مجموعة من الأسئلة تنطلق من إنتخابه رئيساً للجمهورية في مقابل تكليف السفير السابق، نواف سلام، تشكيل الحكومة، على أن يُعين مسؤول الشرق الأوسط وأفريقيا في “صندوق النقد الدولي”، الوزير السابق جهاد أزعور، حاكماً لـ”مصرف لبنان”، خلفاً لرياض سلامة.
وفي هذا السياق، تقول مصادر سياسية إن دوريل سأل فرنجية عن موقفه حيال أبرز العناوين ذات الصلة بالأزمة اللبنانية، ويأتي في مقدمها:
موقفه من التفاوض مع “صندوق النقد الدولي” والتعاون معه؟
ما رؤيته ليستعيد علاقاته بالدول العربية، وتحديداً الخليجية؟
مدى إستعداده لتكليف قيادة الجيش طوال الفترة المتبقية من ولاية العماد جوزف عون التي تنتهي في 1/ 1/ 2024 بوضع خطة أمنية متكاملة لضبط الحدود اللبنانية السورية والسيطرة عليها لوقف عمليات التهريب، خصوصاً تلك المتعلقة بتهريب المخدرات، إضافة إلى إحكام سيطرته على “مطار رفيق الحريري الدولي” والموانئ اللبنانية؟
ما نظرته للإستراتيجية الدفاعية للبنان وكيفية تعاطيه مع سلاح “حزب الله”؟
تكليف السفير سلام رئاسة الحكومة، وعدم وضع “فيتو” عليه من الثنائي الشيعي، وتحديداً “حزب الله”.
موقف فرنجية مما نص عليه اتفاق الدوحة, بإعطاء فريق معين الثلث الضامن، خصوصاً أنه كان وراء عدم الاستقرار الحكومي بتعريض رئيس الحكومة إلى الابتزاز؟
أين يقف من مبدأ التناوب بين الطوائف على الوزارات دون حصر بعضها بطائفة دون غيرها، في إشارة باريس إلى تخصيص وزارة المال لوزير شيعي؟
نظرته إلى مستقبل العلاقات اللبنانية – السورية، وضرورة تحقيق التوازن، بعد تبادل التمثيل الدبلوماسي بين البلدين؟
ومع أن دوريل لم ينطلق في دعوته لتسريع انتخاب رئيس للجمهورية بتأييد فرنجية من أنه يحظى بتأييد 65 نائباً، لإعتقاده أن هذا الرقم ليس دقيقاً من دون أن يحجب عنه أنه أحد المرشحين الجديين، في مقابل وجود معارضة جدية، رغم عدم اتفاقها حتى الساعة على مرشح واحد.
كما أن باريس تنظر إلى الإتفاق السعودي الإيراني على أن تطبيقه سينعكس إيجاباً على لبنان، وصولاً إلى وقف “تصدير الثورة”، في إشارة إلى “حزب الله”، بذريعة أنه ينص على عدم التدخل في شؤون الدول.
وفي المقابل، علمت “الشرق الأوسط” أن دوريل كان إستبق إستقباله لفرنجية بمبادرته إلى طرح مجموعة من الأسئلة حول الضمانات المطلوبة منه، وذلك لدى إجتماعه بجنبلاط، وقد فوجئ بأن الأخير لم يأخذ بها, بتذكيره دوريل بأن التجارب التي مر بها لبنان سابقاً لم تكن مشجعة، نظراً لعدم التزام محور الممانعة بسياسة النأي بالنفس ولا بالمقررات الصادرة عن مؤتمرات الحوار الوطني.
لذلك، فإن الضمانات من وجهة نظر المعارضة لن تقدم أو تؤخر، في ظل إنعدام الثقة بين محور الممانعة وخصومه، وبالتالي لم يحقق لقاء فرنجية نقلة نوعية في الملف الرئاسي، خصوصاً أن عودته إلى بيروت تزامنت مع موقفين لقوى المعارضة عبر عنهما رئيس حزب “القوات اللبنانية”، سمير جعجع، ورئيس “اللقاء الديمقراطي”، تيمور وليد جنبلاط, ما يعني أن الأمور باقية على حالها.
وعليه، تشكك المعارضة في الضمانات التي بحثها دوريل مع فرنجية، لأن التجارب السابقة في هذا المجال لم تكن مشجعة، وهي تستعيد إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري أثناء إجتماعه بالرئيس الأميركي باراك أوباما، وبنزول القمصان السود بطلب من “حزب الله” إلى بعض الشوارع المؤدية إلى بيروت، وإحتلال الوسط التجاري للعاصمة في 7 أيار عام 2008، التي مهَّدت لمؤتمر الحوار في الدوحة في قطر.
ويبقى السؤال: كيف سيتحرك فرنجية لاحقاً؟ وهل في جعبته، وبناء على نصيحة فرنسية، برنامج للتحرك بإتجاه المعارضة ولو متأخراً؟ وماذا سيقول لهم؟ وهل سيتمكن من تحقيق إختراق في صفوفها ليس في متناول اليد حتى الساعة؟