محلياتمن الصحافة

الإعتداء على المدافن في صيدا: بين الفتنة والفِتية

كتب محمد دهشة في “نداء لوطن”:

لم يمرّ حادث الاعتداء على مدافن الطائفة المارونية في صيدا وتخريبها هذه المرّة، مرور الكرام، بخلاف السابق، وكشف الاستنكار العارم لمختلف القوى السياسية والمراجع الروحية والفاعليات الاجتماعية والبلدية عن مدى تمسّك المدينة بطوائفها الاسلامية والمسيحية بالعيش المشترك ومواجهة أي فتنة بموقف موحّد، خصوصاً في ظلّ الأوضاع السياسية المشحونة والازمة المعيشية الخانقة. مدافن الطائفة المارونية تقع في طلعة سهل الصباغ، وتتبع عقارياً لحارة صيدا، وتحديداً في مثلث فاصل بين مدينة صيدا، وحارتها ومنطقة القناية، حيث يتجسّد العيش المشترك بأبهى صوره، والمدافن هي الوحيدة للطائفة المارونية ولكن لا يوجد عليها أي حراسة ولا كاميرات مراقبة وبابها الرئيسي يقفل تماماً بعد الانتهاء من أي مراسم دفن.

والمسيحيون في صيدا رغم قلّة عددهم، ما زالوا يتمثّلون في المجلس البلدي للمدينة عرفاً وتعبيراً عن الحفاظ على صيغة العيش المشترك (عضوان هما عبد الله كنعان وميشال جورج طعمة)، ولديهم حيّان ومختاران في القناية (سليم عبود) ومار نقولا (الياس الجيز)، ووفق الاحصائيات غير الرسمية، فإنهّم يشكلون ما نسبته 6 في المئة، يتوزّعون بين المذاهب المارونية والروم الكاثوليك والأرثوذكس، ولا يتجاوز عدد الناخبين 4 آلاف صوت، ينتخب منهم النصف تقريباً وغالبيتهم يقيمون في بيروت. ويؤكّد مختار القناية سليم عبود لـ»نداء الوطن» أنّ عدد المسيحيين المسجّلين على القيود في القناية يبلغ نحو 1100، لكن قلّة منهم يعيشون في المنطقة»، مضيفاً «لم نشعر يوماً بأنّنا قلّة أو لا نعيش في مكاننا، فصيدا ومنطقتها تتميّز بالمحبّة والتسامح والحرص على التلاقي والحوار، ما جعلها تشكّل نموذجاً للعيش الطبيعي والمشترك».

بهذه القناعة، يؤكد المختار عبود أنّ الاعتداء على المدافن المارونية في حي سهل الصباغ كان مستغرباً ومستنكراً من كلّ النواب والقوى والفاعليات السياسية والاجتماعية والبلدية والأهلية»، داعياً الأجهزة الأمنية إلى كشف الفاعلين وتوقيفهم ومحاسبتهم وقطع الطريق على أي فتنة». في التحقيقات الأوّلية التي تتولّاها الأجهزة الأمنية والعسكرية من مخابرات الجيش وبإشراف مباشر من مدير الفرع في الجنوب العقيد سهيل حرب، ومن فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي، تتركّز الجهود على كاميرات المراقبة لرصد حركة المعتدين. ووفق المعلومات الأمنية، فقد سبق وتعرّضت المدافن لتعدّيات أكثر من مرّة بهدف السرقة، قيل حينها إنّ الفاعلين فتية ولم تثَر ضجّة حولها، اليوم تركّز على فرضية أخرى، الفتنة، من دون أن تسقط من حساباتها السرقة ايضاً.

وفي مؤشّر على مدى الاهتمام، علمت «نداء الوطن» أنّ النائب العام الاستئنافي في الجنوب القاضي رهيف رمضان اتّصل براعي ابرشية صيدا ودير القمر للطائفة المارونية المطران مارون العمّار مستنكراً، ومؤكّداً له الاهتمام الكبير والعمل السريع مع الاجهزة الامنية لكشف الفاعلين. ووفق قناعة المطران العمّار، فإنّ «هذه الحادثة كشفت وجهين متناقضين، الأول محزن بفعل الاعتداء المُدان، والثاني مُفرح ومطمئن لحجم الاستنكار العام من كل فاعليات منطقة صيدا، ما يؤكّد مدى التمّسك بالعيش المشترك والإصرار على مواجهة أي احتمال للفتنة بموقف موحّد صلب». المطران العمّار الذي لم يهدأ رنين هاتفه الجوّال ولا صالون الكنيسة المارونية من الازدحام ووفود المستنكرين، رأى أنّ «صوت الخير في صيدا والجوار ما زال قوياً مقابل صوت الشرّ، رغم كلّ الظروف المعيشية»، وقال «إنّ هذا العمل المُدان لا يُشبه أهالي صيدا ولا من يحبّونها ويحبّ الخير والعيش بأمان، إنّه عمل غريب جداً، ولذلك يدفعنا إلى نتعاون أكثر ونقول لهم نحن وإياكم يداً بيد». وفي صالون الكنيسة، عقد اجتماع تضامني شارك فيه المطران العمّار وعضو تكتّل «الجمهورية القوية» النائبة غادة أيوب، ورئيس بلدية صيدا محمد السعودي، والمهندس يوسف النقيب، والمختار سليم عبود ووفد من أهالي منطقة القناية. وقالت أيوب التي تفقّدت المدافن ايضاً، «زيارتنا تبعث رسالة مؤدّاها أنّ هذا العمل مرفوض ومستنكر، وأنّه كلّما وقعت أعمال تخريبية في صيدا كلّما ازداد تمسّكنا بالعيش المشترك في منطقة صيدا، لأنّه ليس من عادات وتقاليد أبناء المدينة ضرب العيش المشترك»، داعية «الاجهزة الأمنية إلى كشف الفاعلين ومحاسبتهم».

وقال السعودي باسم بلدية صيدا واتحاد بلديات صيدا – الزهراني: «إننا نستنكر هذا العمل المدان بكلّ المعايير، والغاية منه إيقاع فتنة في المنطقة وان شاء الله لن تمرّ». وفيما تابع النائب عبد الرحمن البزري الحادثة وأجرى اتصالات بالاجهزة الامنية والمراجع الروحية، زار المطرانية مستنكراً النائبان اسامة سعد وشربل مسعد، ووفد من حركة» أمل» موفداً من الرئيس نبيه بري برئاسة عضو المكتب السياسي بسام كجك، بينما دان الاعتداء النواب سعيد الاسمر وميشال موسى وعلي عسيران، النائبة السابقة بهية الحريري، مفتي صيدا وأقضيتها الشيخ سليم سوسان والمسؤول السياسي لـ»الجماعة الاسلامية» بسام حمّود، رئيس «الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة» الشيخ ماهر حمّود، مختار حارة صيدا خليل كامل الزين، وحزبا «القوات اللبنانية» و»الكتائب»، مؤكّدين أنّ صيدا ستبقى نموذجاً للعيش المشترك وداعين الى كشف الفاعلين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى