البطريرك ميناسيان: نحن جميعاً إخوة في الإنسانية
ترأس كاثوليكوس بطريرك بيت كيليكيا للأرمن الكاثوليك، البطريرك رافائيل بدروس الحادي والعشرون ميناسيان، قداس أحد الشعانين في كنيسة المخلص في برج حمود، وعاونه في الخدمة لفيف من الكهنة والشمامسة، بحضور حشد غفير من المؤمنين. وبعد تلاوة الإنجيل المقدّس، ألقى البطريرك رافائيل عظة جاء فيها:
“سمعت الجموع التي أتت إلى العيد في أورشليم بأنّ يسوع قادم إليها، فحملوا أغصان النّخل وخرجوا لاستقباله وهم يهتفون المجد لله، تبارك الآتي باسم الرب تبارك ملك إسرائيل ” (يوحنا 11-12). نعم هكذا استقبلوه في أورشليم بالعزّ والإكرام، مجدّوه وعظّموه لأنهم كانوا قد شاهدوا وشهدوا على العجائب الجمّة التي فعلها لهم ولأنسابهم. هرعوا لاستقباله لأنّهم عاشوا معه اللحظات الباهرة التي أقام فيها الموتى، أولاً بابن الأرملة الوحيد وثانيًا ألعازر الحبيب الذي قال عنه يسوع لتلاميذه “هيّا بنا لنذهب إلى ألعازر حبيبنا نائم وأنا ذاهب لأوقظه” (يوحنا 11-11) ولمّا أتى إلى بيت عنيا هبّت أخت ألعازر مرتا تستقبل يسوع بإيمان مرضوض قائلةً له: “لو كنت هنا لما مات أخي”. أي أنها تؤمن بأن حضوره لمنع الموت من الإقتراب من أخيها. لتعود وتصحح قولها قائلةً: “لكني أعلم أيضاً أن كل ما تطلب من الله يعطيك إياه”، مؤمنةً أنه الوحيد القادر أن ينتشلها من آلامها والقادر أن يخلص أخيها حتى من الموت.
وهنا يأتي السؤال: أين أنا من هذه الفئات والتجمعات؟ في استقبال ربي ومخلصي؟
هل أنا من الذين أقامهم من بين الموتى عندما كنت غارقًا في الخطيئة؟ كما قال توما الملقب بالتوأم للرسل تعالوا نذهب نحن أيضاً ونموت معه.
أم أنا مثل مرتا ومريم، أستمع إلى يسوع تارة وأخدمه تارة؟ أم أنا من هؤلاء الذين كانوا ينتظرونه في العيد في أورشليم؟
هل أقول اليوم لمخلصي مبارك الآتي باسم الرب؟ أم أقول له لو كنت هنا لمّا مات أخي؟
هل أنا مستعد أن أُلاقي ربّي في هذه الظروف الصعبة التي أمر بها وأقبله كملك لدُنياي وملك على نفسي؟ والأسئلة كثيرة وليس لي إلا أن أعترف وأقول مثل هؤلاء البرص والعميان الذين فرحوا عندما شفاهم وفتح عيونهم (يوحنا9،8) اشفني أنا أيضاً من أوجاعي وآلامي في وطن أكلته نيران الكراهية، في وطن هزته الاستغلاليات والأنانية والسرقات، وطن غاب عنه أبسط حق من حقوق مواطنيه، في وطن عرف يوماً بعزه وانفتاحه وقيمه الانسانية، ومحبته وكرمه للغريب رغم فقره.
فمن هو إذاً الآتي باسم الرب. إنه الإله المتجسد، الإله المانح للحياة والفرح الحقيقي لمن آمن به. نعم هذا الإله المتجسد هو الذي يهب الحياة ويعطي السلام الداخلي. فهو الذي قال تعالوا إليّ أيها المتعبين وأنا أريحكم. نعم نحن هم من غرقوا في الفقر والعذاب وأصبحوا ضحيةً للأنانية والفحش لأولئك الذين فضلوا أرباحهم اللاشرعية على حساب الأبرياء. نعم إننا مثل أولائك الجموع الذين استقبلوه في أورشليم نهرع ملتجئين للآتي باسم الرب ليخلصنا من أيدي المستبدين، فيعود الوطن إلى لونه البراق وإلى ربوعه الخضراء، فيكون مسكناً ونقطة إنطلاق للفرح والعيش الكريم مستمدين النعمة والسلام من الإله المتجسد بيننا.
نحن جميعاً إخوة في الإنسانية، أبناء إله واحد محب للبشر، حتى أنه أرسل إبنه الوحيد ليخلصنا من هذه الدوامة. فهذا هو اليوم، يوم التجدد والعودة إلى ضمائرنا بفعل ندامة صادقة.
إن كنتُ حقيقةً جاهزاً لهذه الفرصة فسيفوض السلامُ في قلبي وستسيل مياه الحياة في عروقي، فأنشد مع الجموع مبارك الآتي باسم الرب هوشعنا في الأعالي”.
وفي نهاية القداس أقيم زياح الشعانين في باحة الكنيسة حيث حمل الأطفال سعف النخيل وأغصان الزيتون والشموع وساروا في مسيرة إيمانية على وقع انشاد التراتيل الكنسية وعزف موسيقى الكشافة.