آخر رسالة دوليّة للبنان.. خطوة واحدة ستوقف “الإنهيار”
لم يكُن كلام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أمس الإثنين عن “تجديد صندوق النقد الدولي دعمه للبنان”، بمثابةِ كلامٍ عابر، فمضمون التصريح هو رسالةٌ واضحة إلى المعنيين من الأفرقاء السياسيين، بأنّ هناك فرصة لإنقاذ لبنان ووضعه على سكّة الحل بغية الخروج من أزمتهِ المالية والإقتصاديّة.
اليوم، وأكثر من أي وقتٍ مضى، باتَ لبنان بحاجةٍ إلى الحلول السريعة والناجعة لاسيما مع اشتدادِ إنهيار الليرة بشكل دراماتيكيّ وإستفحال الأزمة الإقتصاديّة. فمع وصول الدّولار إلى مستويات قياسية وتجاوزه عتبة الـ122 ألف ليرة مؤخراً، أصبح من الضروري جداً التمسّك بأيّ خطوةٍ يمكن أن تُمهّد للإستقرار، وعملياً فإنّ أساس استقامة الوضع يبدأ من خلال إتمام إتفاقٍ مع صندوق النقد الذي يُعتبر بطاقة العبور نحوَ خروج لبنان من مأزقه الحالي.. ولكن، أي تكمُن المشكلة؟ وما هو الثمن الذي يدفعهُ لبنان من تأخير توقيعه الإتفاق؟
أقلُّ ما يمكن قوله هو أنّ مجلس النواب هو الجهة المسؤولة أولاً وأخيراً عن تأخّر توقيع الإتفاق، إذ من خلاله يُفترض إقرار القوانين الإصلاحيّة التي يطلبها صندوق النقد لإتمام التوقيع ووضع لبنان على خارطة طريقٍ جديدة. ولكن إذا نظرنا إلى وضع المجلس اليوم، فإنّ ما يمكن قوله هو أنهُ مُعطّل ومُكبّلٌ تماماً، فمن جهة يُعتبر هيئة ناخبة في ظلّ الشغور الرئاسي الذي بدأ قبل نحو 5 أشهر، كما أنّ مبدأ تشريع الضرورة في ظلّ عدم وجود رئيسٍ للجمهوريّة، لا تقبلُ به مختلف الكُتل للمُضي باتجاه إقرار القوانين اللازمة للإتفاق مع صندوق النقد.
هنا، قد يقولُ البعض أنّ الفراغ الرئاسي فاقم الأزمة وأخّر التوقيع، وحتماً الأمر هذا صحيح، لكنّ الحقيقة أيضاً تقول إنه قبل فراغ سدّة الرئاسة الأولى، وقبل تحوّل المجلس النيابي إلى هيئة إنتخابية، كان بإمكانه تمرير القوانين المطلوبة لإبرام الإتفاق مع صندوق النقد. وفعلياً، كانت لبنان ومنذ بدء المفاوضات مع الصندوق في العام 2020 وقبل نهاية العام 2022، فرصة في الوصول إلى برّ الأمان عبر تحضير الأرضية المطلوبة لإتفاقٍ يضمن خروج لبنان من أزمته. ولكن، وبكل ثقة، فإنّ ما حصل هو أنّ المناكفات السياسيّة هي التي عطّلت كل شيء، وباتت الحلول مؤجّلة لا بل متأخرة تماماً، ولو تمّ إقرار القوانين سابقاً لكان لبنان تجنّب الوصول إلى هذا الإنهيار المُتسارع، ولكانت الليرة حافظت على قيمتها، ولكان الدولارُ قد “لُجم” ونأى بنفسه عن الإرتفاع، ولكان الاحتياطات من العملات الأجنبية في مصرف لبنان بمنأى عن الإستنزاف.
من دون أدنى شك، فإنّ لبنان يدفع ثمناً باهظاً لقاء التعطيل الذي تشهده السلطة التشريعية، الأمر الذي يُبقي لبنان غير قادرٍ على إستعادة ثقة المجتمع الدولي به. وبكلّ ثبات يُمكن القول إنّه مهما تعاظمت التسويات الخارجية، فإن لبنان لن ينوبه شيءٌ من الإستثمارات والمساعدات والأموال طالما بقيَ بعيداً عن إتفاق صندوق النقد وطالما بقيَ فاقداً للثقة. حتماً، فإن مختلف الأطراف تُعوّل على الإستثمارات الخليجية والأجنبية التي قد تأتي إلى لبنان في حال انتخاب رئيسٍ للجمهورية وتحديداً بعد الإتفاق السعودي – الإيراني، إلا أنّ الحقيقة في مكانٍ آخر. فاليوم، الخليجيون والأوروبيون منشغلون بدُولهم وسط الأزمات المالية التي تعصف ببنوك كبرى، في حين أنّ أي استثمارات في لبنان لا يمكن أن تحصل من دون “شهادة ثقة” من صندوق النقد. كذلك، فإنّ حصول لبنان على امتيازات من شركات أجنبيّة لا يمكن أن يحصل ضمن أرضية غير مستقرة مالياً ونقدياً، ولإتمام ذلك هناك ضرورة لأن يُصبح لبنان في خانة الجهات “الموثوقة بها” من أجل إستقطاب المشاريع النهضوية، وبالتالي التأسيس لمرحلة جديدة إقتصادياً تترافق مع إصلاحات وحوكمَة ومراقبة وشفافيّة.
إذاً، ومع كل ذلك، فإنّ ما قاله ميقاتي بالأمس عن إستمرار دعم الصندوق للبنان بمثابة تأكيدٍ ورسالة دولية للبنان مفادها أنّ الخارج ما زال مُهتماً بمساعدة بيروت، إلا أنه ينبغي على الأخيرة مساعدة نفسها وإخراج ملف الإصلاحات من المُناكفات.. حقاً، هذه عينُ الحقيقة، والمضيّ باتجاهِ الإتفاق ليس صعباً بل يحتاجُ إلى إرادة فاعلة وإدارة متماسكة تؤسس لمرحلة فعلية من الإنتعاش، وإلا فإنّ الإنهيار سيزداد أكثر فأكثر خلال الفترة المُقبلة.
المصدر: لبنان 24