محليات

تعرفة “السرفيس” 300 ألف.. اللبنانيّون يستخدمون “البسكليت”!

يزداد انحدار قطاع النقل البري العام مع كل ارتفاع في سعر صرف الدولار، ما يجعل الليرة اللبنانية في قعر الهاوية. وما زاد الطين بِلّة، تجاوز سعر صرف الدولار أمس قيمة اعلى ورقة نقدية في لبنان أي 100 ألف، والمسؤولون صمّ بُكم عُمي، فهم لا يسمعون على قاعدة “تنفّس اذن انت موجود”!

التوقعات باتت مفتوحة على جميع الاحتمالات، فبعد الازمة الاقتصادية وارتفاع أسعار السلع الغذائية، اصبح لا سقف للجم الدولار، الذي كان مع نهاية هذه السنة 42 ألفا ليتجاوز اليوم مئة ألف، أي بزيادة 180 % وقد يتعدّى 200 ألف، ما يعني ان لا حدود لارتفاعه في ظل انعدام الثقة وعدم قيام المعنيين بإجراءات جذرية لمواجهة الأسباب التي زادت من الانهيار.

تضييق على الراكب

يتعمد سائقو النقل العمومي اذلال المواطن من خلال تعريفات خيالية تتغير في الساعة الواحدة عشرات المرات، سواء ارتفع سعر صرف الدولار في السوق الموازية ومعه صفيحة البنزين، أو حتى في حال بقيا على حالهما.

هذا الجبروت يرفضه داني الذي قال لـ “الديار”، يعتبر السائق نفسه “قبضاي”، يحاول أكل رأس الزبون قبل ان يتنفس الأخير بكلمة واحدة. ويكمل: أتتخيلون ان السرفيس من منطقة الكولا حتى البربير أصبح بـ 150 ألفا، ومن رأس النبع الى الحمرا بـ 250 ألفا، وكأننا نرضخ الى مقولة “حكم القوي في الشارع”، مع الغياب التام لجميع مؤسسات الدولة من وزارات ونقابات تمثل هذا القطاع لضبط آلية التسعير بشكل عادل للطرفين.

التسعيرة كالدولار لا سقف لها!

بات الجميع يعزو سبب الفلتان الواقع في هذا القطاع الى تحليق سعر صرف الدولار، وأكثر ما يتحدث السائقون به ان هذا الارتفاع يؤثر في قطع غيار السيارة، الى جانب الزيت والفرامل والميكانيك، بما في ذلك صفيحة البنزين التي بات سعرها حوالى مليون و800 ألف ليرة.

من جهة ثانية، فإن اصدار تعرفة نقل موحدة تراعي أوضاع السائقين العموميين والمواطنين هو امر بالغ التعقيد. فوزير الاشغال العامة والنقل علي حمية لا ينفك يؤكد كلما سنحت الفرصة، على “عدم وجود آلية لتحديد التسعيرة، وهذا الامر جدده في الاجتماع الأخير الذي تناول قطاع النقل، وترأسه رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي في حضور وزراء: الداخلية بسام المولوي، والاتصالات جوني القرم والاشغال علي حمية، الى جانب وزراء الاقتصاد والسياحة واتحادات ونقابات النقل والهيئات التي تعنى بهذا القطاع”.

العجز مستشر!

يقول عماد، وهو موظف في محل لبيع الملبوسات، “عندما يغيب الراعي يلتهم الذئب القطيع، وهذا ما يحدث حرفيا على ارض الواقع، والطامة الكبرى ان رؤساء النقابات يتشبثون بأعذار فارغة، يطلقون من خلالها العنان لهذا السائق الذي ارتأى رفع التعرفة 200%”، ويسأل: “كيف يعقل لمواطن راتبه الشهري لا يتجاوز 5 ملايين ان يدفع بدل نقل في اليوم الواحد حوالى 500 ألف، وهذا ما يحدث معي في كل يوم، حيث امشي من بيتي في سد البوشرية حتى برج حمود، بعدما بتّ غير قادر على تحمل بدل نفقات السرفيس، رغم ان المسافة ليست كبيرة ومع ذلك يطلب السائق مني بدل السرفيس 200 ألف”.

مجهود فردي

“لا مكان للحلال والحرام او للظلم والعدل”، هذا ما قاله بسام أحد السائقين العموميين عن سر التفاوت في التسعيرة والارتفاع الذي اعتمده السائقون دون العودة الى النقابات او الاتحادات المسؤولة عن هذا القطاع بما فيها وزير الاشغال والنقل العام، وعزى السبب الى ارتفاع سعر صرف الدولار من جهة، وصفيحة البنزين من جهة أخرى. واعتبر بسام ان لا قدرة على تثبيت التعرفة والعمل على أساسها او حتى الاتفاق من قبل المعنيين على وضع تعرفة واحدة. وبالطبع لم يغفل عن التذرع بـ “الموال” المشترك بين جميع السائقين والمتمثل بغلاء المحروقات وكلفة الصيانة، وبالتالي فان مراعاة الراكب تعدّ بالأمر العصيّ.

بالتوازي، الكثير من “فانات” النقل العام بدؤوا يتقاضون التعرفة بالدولار، وهذا الامر ليس جديدا فقد بدأ منذ كان الدولار بـ 40 ألفا، وقد يصبح كذلك ضمن إطار منطقة بيروت، كون السائق في الأصل يتقاضى أجرته من الزبون بحسب سعر الصرف اليومي، وبالتالي لم يكن مغبونا في الحصول على حقه من الراكب.

بالمقابل، فان تسعيرة “الفانات” لم تعد مريحة للكثير من المواطنين وباتت خيالية، بحيث ان باص رقم 2 رفع تعرفته الى 70 ألفا، وكذلك الامر لباص رقم 5، اما “الفانات” التي تعمل على خط طرابلس- الكولا، شتورا- البقاع فكل سائق يتقاضى تعرفة مختلفة.

هذه التجاذبات ما بين السائق والمواطن روّجت لوسائل نقل غير شرعية، وهي تفتقد معايير السلامة العامة، ومنها: “التيك توك” والدراجة النارية، حتى ان بعض الطلبة أصبحوا يطلبون عبر التطبيقات الالكترونية دراجة نارية- بولت، كونها اقل كلفة من الذهاب بباص المدرسة، غير ان الامر لا يخلو من الخطورة على حياة هؤلاء، وهو ما يستدعي إيجاد حل من أصحاب المسؤولية.

“البسكليت” ارحم من الاذلال اليومي

وفي ظل الارتفاع غير المحدود في تعرفة “السرفيس”، لجأ بعض المواطنين الى ركوب “البسكليت”، وهذا النوع من الحلول له تأثير إيجابي بيئيا واقتصاديا، ولربما هذا هو الوقت المثالي لنشر ثقافة الدراجة، حيث ان الانانية في الحصول على وسيلة نقل عامة في ظل الارتفاع اللامعقول في تسعيرة “السرفيس”، كسر القيود والتقاليد “والبريستيج الاجتماعي” الذي يعتبر ان هذا النوع من وسائل التنقل هو للفقراء والرياضيين او الذكور فقط. لذا فان ركوب “البسيكليت” هو بديل جيد، ووسيلة نقل ليس فيها عيب او انتقاص من قيمة المرء، وهي متاحة للجميع.

وسيلة صديقة للجيبة والبيئة

يقول نديم: “اشتريت دراجة منذ أشهر قليلة، وبدأت استخدمها في جميع تنقلاتي لأتفادى أي مشاحنات، ومستعد للمشي بها الى حدود الـ 70 كلم كيلا احتك كلاميا مع اصحاب “التاكسي” وازعج نفسي واتوتر بسبب غلاء التعرفة”. أضاف: “البسكليت على بساطتها قد تحل مشاكل كثيرة منها الحد من التلوث، تفادي الوقوف في الازدحام والضجة، والتخفيف من الضغط، وتقليل المصروف، الى جانب انها رياضة تساعد في الحفاظ على صحتنا، واعتقد انها ستصبح الحل البديل الأول لجميع مشاكل النقل والمواصلات، وستكون رقما صعبا بالمقارنة مع الدراجات النارية وحتى السكوتر بأنواعها”.

يتابع نديم: “علاوة على كل ذلك لم اعد محروما من “الكزدورة”، كوني معفى من همّ المحروقات او التفكير في سعر صفيحة البنزين الذي تخطى المليون و800 ألف، كما اتفادى “العَلْقة” مع سائق “السرفيس”، فاذهب بكرامتي وحريتي، واعود مرتاح البال”.

في سياق متصل، عادل صاحب محل لبيع الدراجات الهوائية في منطقة عين المريسة يقول لـ “الديار” ان الاقبال على شراء “البسكليتات” ارتفع بنسبة تفوق الـ 40%، والزبائن هم من كافة الشرائح المجتمعية رجالا ونساء، واليوم تعتبر “البسكليت” الوسيلة “الانظف” والأكثر توفيرا، عدا انها تجعل الفرد مَرِناً ومتجاوباً ومتصالحاً، ولديه طول نفس وصبر بالتعامل مع الاخرين”.

ندى عبدالرزاق – الديار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى