إلى متى يستمر الرصاص الطائش في محيط مطار بيروت الدولي؟
كتبت سوسن مهنا في اندبندنت عربية:
بين الفينة والأخرى يتصدر طريق مطار بيروت الدولي وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي، بدءاً بشكاوى المواطنين من الزحمة غير العادية، إلى انقطاع التيار الكهربائي عنه، مروراً بالمشكلات الإدارية الناتجة من صراعات سياسية على تعيين مراقبين جويين، إضافة إلى شهادات عدة تحدثت عن سرقات من حقائب المسافرين، وصولاً إلى غيرها من الحوادث الأمنية الخطيرة.
في نهار الثامن من مارس (آذار) الحالي نجت طائرة مدنية من كارثة محققة قبل هبوطها في المطار، وذلك إثر اشتباك مسلح بين آل صفوان وآل المقداد، جرى فيه إطلاق نار كثيف في محلة الجناح-السلطان إبراهيم في الضاحية الجنوبية لبيروت، كما أفيد عن قيام المدعو “ح. ص” بإطلاق قذيفتي “بي 7” وذلك على خلفية إشكال سابق بين العائلتين منذ أيام. وأشعلت الحادثة مواقع التواصل بحملة “شيلوا المطار من طريق المطار”، أي انقلوا المطار من مكانه، إضافة إلى أصوات نادت بإنشاء مطار آخر في منطقة آمنة.
حوادث المطار تستدعي الهلع
لم تكن هذه الحادثة الأولى من نوعها، ففي كل مرة يعيش سكان منطقة محيط المطار فرحاً أو حزناً أو نجاحاً أو إذا ما احتفلوا بقدوم عام جديد، وأحياناً بولادة طفل، يلعلع الرصاص من السلاح المتفلت، فيصيب المطار بطائراته ومدارجه، وما ينتج من ذلك من تعريض حياة المسافرين عبره من لبنانيين وعرب وأجانب للخطر.
في شهر يناير (كانون الثاني) 2022 تداولت بعض المواقع الإلكترونية، معلومات عن تعرض طائرات في المطار لإطلاق نار، ما اعتبر مؤشراً خطيراً وغير مسبوق لتدهور الأحوال الأمنية والعامة في لبنان، إلا أن وزير الأشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الأعمال، علي حمية، نفى حينها هذه المعلومات، مؤكداً أنه تمت مراسلة جهات متخصصة في الولايات المتحدة لإعداد تقرير عن ثقب تعرضت له طائرة يونانية في مطار بيروت. وقال حمية إنه “حرصاً على الشفافية وعدم التسرع في النفي أو التأكيد، انتظرنا التقرير الفني من الجهات المعنية في المطار، فأكد عدم تعرض الطائرة المذكورة لأي رصاص”. وشدد الوزير على أن التقرير المتخصص “جزم أنه ليس هناك أي رصاصة في الثقب المذكور”. وعلق حمية على حادثة أخرى كانت تعرضت لها طائرة قطرية، فقال إنه “تبين أن هناك قطعة معدنية علقت في إحدى إطاراتها، من دون أن يتسبب ذلك بأي مخاطر تذكر، وهذا قد يحصل في كل مطارات العالم”. لكن رغم ما أعلن عنه الوزير، أعلنت شركة طيران “إيجيان” اليونانية في ذلك الوقت، أنها علقت جميع الرحلات الجوية إلى بيروت، في انتظار نتائج التحقيق لمعرفة السبب وراء الأضرار التي لحقت بإحدى طائراتها التي كانت متجهة إلى بيروت. وقال بيان لأكبر شركة طيران في اليونان إن الطاقم الأرضي في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت اكتشف أضراراً خارجية في جسم الطائرة التي أقلعت من أثينا في 10 يناير 2022، مما دفع شركة الطيران في اليوم التالي إلى تعليق جميع الرحلات الجوية من وإلى بيروت.
وخلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، أكد مصدر في ”طيران الشرق الأوسط”، إصابة “طائرة تابعة للشركة برصاصة طائشة أثناء هبوطها في مطار بيروت، وأشار إلى أن “الرصاصة اخترقت سطح الطائرة إلى داخلها من دون تسجيل أي إصابات”. وحذر المصدر نفسه حينها من “استمرار إطلاق الرصاص في محيط المطار”، لافتاً إلى أنه “سبق أن أصيبت طائرات أخرى وهي رابضة في مطار بيروت الدولي، ولكن هذه المرة هي المرة الأولى التي تصاب فيها طائرة أثناء تحليقها”. وأثناء رحلة عودة طائرة من العاصمة الأردنية عمان، اخترقت رصاصة من سلاح رشاش مقدمتها، قبل أن تحط على أرض مطار بيروت بثوان قليلة، وقيل إن الرصاصة جاءت نتيجة إطلاق نار أثناء مراسم تشييع في الضاحية الجنوبية، الأمر الذي أحدث حالة من الهلع بين ركاب الطائرة، لا سيما أن الرصاصة أحدثت ثقباً في الجسم المعدني للطائرة، وهي من طراز “إيرباص إيه 321″(A321 Airbus) وكان على متنها حوالى 150 راكباً، بينهم النائبة في البرلمان اللبناني بولا يعقوبيان، ما استدعى أن تصرح يعقوبيان بأنه “بدل صباح الخير، صار لازم نقول لبعض الحمدالله على السلامة. لبنان السلاح المتفلت والرصاص الطائش يجب أن يوضع له حد”.
في بداية العام الحالي، أصيبت طائرتان لـ”طيران الشرق الأوسط” برصاص طائش، بحسب وسائل إعلام لبنانية، وأفيد بأن الطائرتين “T7-ME9” و “T7-ME2” سحبتا إلى حظيرة الطائرات لإصلاحهما، بعد تضررهما من الرصاص، وفي حادثة خطيرة أخرى، أصيب هاتف خلوي برصاص طائش يعود لمواطن كان يغادر مطار بيروت عند منتصف الليل وهو يجر حقائبه، كل ذلك يحصل وسط عجز السلطات المتعاقبة عن ردع أو معاقبة الفاعلين الذين يكونون أحياناً معروفين لدى السلطات الأمنية.
وكان وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال القاضي بسام مولوي بعد جولة على أقسام المطار في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بمرافقة قائد جهاز أمن المطار العميد نبيل عبدالله وكبار الضباط في الجهاز وقوى الأمن الداخلي والأمن العام في المطار، صرح في مؤتمر صحافي، أنه ناقش “مع جهاز أمن المطار بعض الخروقات الأمنية التي سجلت في الفترة السابقة حول المطار والمواضيع التي تهدد سلامة الطيران كإطلاق النار العشوائي أو الرصاص الطائش في أماكن محيطة بالمطار”، وأضاف أنه “يجب وضع حد لذلك وهذا ما سيحصل، فوزارة الداخلية وجهاز أمن المطار والمتخصصون يعملون لإيجاد حل، إذ من غير المعقول أن يشهد محيط المطار الرصاص الطائش”، وطمأن المسافرين إلى سلامة قدومهم إلى لبنان”.
محيط المطار “مربعات رعب وترهيب”
بالعودة إلى حادثة الثامن من مارس، صرحت مصادر أمنية لصحيفة “الشرق الأوسط” أن مهمة ملاحقة مطلقي النار هي فعل مشترك بين جميع القوى الأمنية في البلاد، وليست موكلة على عاتق الجيش فقط أو قوى الأمن الداخلي فقط، مشددةً على ضرورة أن تكون “جميع القوى الأمنية منخرطة في هذه الجهود للقضاء على الظاهرة كلياً”، وشددت المصادر على أن جميع مطلقي النار “لا يحظون بغطاء سياسي، وأبلغت السلطات الأمنية بالكامل أن لا غطاء سياسياً على أحد مطلقاً”، في إشارة إلى “حركة أمل” و”حزب الله”، وهما طرفان فاعلان، ويتمتعان بنفوذ واسع في ضاحية بيروت الجنوبية المحاذية للمطار، بحسب الصحيفة.
وقالت المصادر إن كل الأطراف السياسية “لا تستطيع أن تغطي أياً من المخالفين ومطلقي النار، وأعطت الضوء الأخضر لملاحقتهم وتوقيفهم”. بدوره صرح الوزير حمية أن “الإشكال الذي وقع قبل أيام في منطقة الجناح حصل بين عائلتين نتج منه إطلاق نار عشوائي، ولم يكن المطار مستهدفاً ولا الطائرة”، وأضاف، “بعد الإشكال الذي حصل في منطقة الجناح أوقف سبعة أشخاص من قبل الجيش اللبناني الذي يستمر في تواجده في محيط المطار ومخابرات الجيش موجودة بشكل كثيف جداً للحفاظ على أمن المطار”، وشدد حمية على أن “موضوع أمن المطار أولوية عند الدولة اللبنانية ولن نستهين فيه وكل من يطلق النار بشكل عشوائي في محيط المطار لا غطاء عليه من أحد ويجب توقيفه”.
في المقابل، يخالف الكاتب السياسي شادي سرايا تصريحات الوزير حمية ويقول “إن حمية قال إن الطائرة لم تكن مستهدفة، وإنما كان إطلاق النار غير مقصود وعشوائي، صحيح بأنه في هذا اليوم (يوم الحادثة) حصل اشتباك مسلح بين آل صفوان وآل المقداد في منطقة الجناح، لكن إطلاق النار لم يكن عشوائياً إنما كان بقصد إصابة الطائرة”، وبحسب سرايا فإن “الاشتباك بين العشائر في الضاحية يحصل فيه إطلاق النار من مبنى نحو مبنى آخر، وليس في الهواء، كما أن الطلقات الأولى استهدفت مقدمة الطائرة ومن ثم استهداف الطائرة بالمباشر بعشرات الطلقات النارية، وهذا ما يثبت قصد الضرر والأذية”.
ويؤكد سرايا أنها “ليست الحادثة الأولى ولن تكون الأخيرة”، مشيراً إلى أن “محيط المطار أصبح مكمناً للرعب، لأنه محاط بمخاطر هائلة نتيجة الأبنية العشوائية القريبة من مدرجاته، ونتيجة وجود عناصر الممانعة الخارجة عن القانون في الأوزاعي، والرمل العالي، والتحويطة، والكوكودي وصولاً إلى الجناح (مناطق في ضاحية بيروت الجنوبية)، كلها مربعات رعب وترهيب”. ويشدد سرايا على أن “خلفيات ذلك هو إلحاق الأذى والضرر بكل مؤسسات الدولة والموسم السياحي المقبل، من قبل قوى الأمر الواقع من حزب الله وأتباعه”. ويرى أن “الحل الوحيد هو تشغيل مطار رينيه معوَّض في منطقة القليعات وغيره من مطارات لبنان”.
الكلفة المادية الباهظة لتلك الحوادث حيث تتعرض سنوياً نحو سبع إلى ثماني طائرات للرصاص الطائش، من دون أن تنفع المناشدات المتكررة من رئيس مجلس إدارة “طيران الشرق الأوسط” محمد الحوت ومدير عام “الطيران المدني” فادي الحسن والمواطنين الذين باتت حياتهم عرضة للخطر، وتكشف المصادر لوكالة الأنباء المركزية أن كلفة إصلاح طائرة واحدة جراء إصابتها برصاصة تفوق المليون ونصف المليون دولار، كون الأمر لا يقتصر على ”ترقيعة” إنما يستوجب إرسال فريق مهندسين من الشركة الأم للإشراف على عملية إصلاحها خشية حصول أعطال لاحقاً، وأحد أسباب هذه الحوادث هو ظاهرة السلاح المتفلت في لبنان التي تزداد مع التسيب الأمني الحاصل والانهيار المعيشي وانعدام الأمان الاجتماعي، وبحسب تقرير لموقع سويسري متخصص برصد ومكافحة انتشار الأسلحة الفردية على مستوى العالم، صدر في نوفمبر 2021، توجد 31.9 قطعة سلاح فردي لكل 100 شخص في لبنان، ما يعني أن الرقم الإجمالي لقطع السلاح هو 1.927 مليون قطعة، لعدد سكان يقدر بنحو ستة ملايين نسمة، ما يعني أن لبنان يحتل الترتيب الثاني عربياً بعد اليمن، والتاسع عالمياً، في عدد قطع السلاح بالنسبة إلى عدد السكان، ويتفوق على العراق الغارق في فوضى أمنية وسياسية منذ نحو 20 عاماً.