“طبخة” قضائية قد تطيح بالبيطار؟!
“أن ننسى أيها السادة لا ننسى الذين إستشهدوا كي نبقى نحن. أن ننساهم إنها الخطيئة المميتة… والذي ينسى بطولة كهذه يستحق هو ذاته النسيان”. لعل هذا الكلام الذي حفره المفكر والفيلسوف اللبناني شارل مالك ذات يوم على صفحات تاريخ لبنان لتخليد ذكرى كل شهيد ينطبق اليوم على ضحايا تفجير مرفأ بيروت.
كثر يمعنون في هذه الذكرى، وكثر يعودون إليها في كل 4 آب، وكثر عادوا إلى تلك اللحظة إلى الساعة السادسة و7 دقائق عندما اهتزت الأرض وما تلاها من ارتدادات على أثر الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا منذ حوالى الأسبوعين. لكن سرعان ما تنطفئ الذكرى في انتظار من يحييها من أهالي الضحايا. وهنا يبرز السؤال، وينن؟
لماذا سكن أهالي الضحايا أبراج الصمت على رغم الصفعات والخيبات التي تلقوها منذ الزلزال القضائي الأخير الذي نتج عنه انهيار أعمدة الدعم داخل مبنى السلطة القضائية وتفسخ جدران الحق والعدالة وصولًا إلى انهيارها إثر إطلاق مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات كل الموقوفين في ملف تفجير المرفأ وإرجأ قاضي التحقيق في ملف جريمة المرفأ طارق البيطار التحقيق مع المدعى عليهم بحسب جدول المواعيد التي حددها للمثول أمامه إلى أجل غير مسمى؟ وينن؟
لعلهم يترقبون ما ستؤول إليه التطورات لا سيما بعد محاولات رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود رأب الصدع داخل المجلس لعدم سقوط هيكل العدالة على رأس أصحابه، لكن في هذه الأثناء حصل ما لم يتوقعه أحد: زلزال مدمر في تركيا وسوريا يحصد أكثر من 40 ألف ضحية وملايين المشردين. وتحولت أنظار العالم إلى كيفية توفير المساعدات للناجين والمشردين… وتسألون بعد عن ملف تفجير المرفأ. نعم أهالي ضحايا المرفأ يسألون عن الملف الذي كان يفترض أن يكون على سلم أولويات دول القرار . أيضا يسألون عن زعماء الأحزاب والسياسيين الذين تبنوا قضية تفجير المرفأ وأقسموا أمام أهالي الضحايا أنهم لن ينسوا ولن يتركوهم؟
ثمة من سيعود إلى الدعم السياسي والقانوني الذي قدمه عند اعتقال شقيق الضحية جو نون، وليم وكيف ساهم الضغط السياسي والنيابي والشعبي في إخراجه من السجن .حسنا لكن ماذا حصل من حينه حتى اللحظة وماذا في آخر المستجدات التي لا تبشر بالخير على مستوى الحقيقة؟
تشير معلومات إلى أن ثمة “طبخة” قضائية يتم الإعداد لها بمباركة مرجعيات ذات تأثير نافذ على الرأي العام اللبناني وتقضي بالإطاحة بالقاضي الذي تلقى منه أهالي الضحايا صفعة العصر وقاضية العهد السابق التي عجز مجلس القضاء الأعلى الإطاحة بها. إلا أن التسوية سقطت عند أدراج معدّيها. غير أن لائحة التسويات تختزن الكثير من الإجتهادات التي من شأنها أن تثبت للرأي العام المحلي والدولي كما لأهالي الضحايا أن حقيقة من فجر مرفأ بيروت ومن قتل أولادهم من دون أن يرف له جفن ستبقى رهن عاملي الظروف والزمن… بمعنى آخر لا حقيقة ستسطع تحت شمس لبنان.
رهان أهالي الضحايا المتبقي لديهم يتوقف على تدويل الملف على أن تكون الخطوة الأولى من خلال لقاء مع البابا فرنسيس وذلك عن طريق بكركي. المحامي والأستاذ المحاضر في القانون الدولي والدستوري الدكتور أنطوان سعد يوضح عبر”المركزية” أن القضاء سقط في ملف تفجير مرفأ بيروت وليس الضحايا وحدهم. وما فعله القاضي غسان عويدات وانكفأ المحقق العدلي طارق البيطار ودخوله في التسويات مع المراجع القضائية، كل ذلك يثبت أن القضاء هوى على حساب ملف جريمة المرفأ”.
هل يكون تدويل الملف بمثابة نافذة الحلّ أو الملجأ الأخير الذي سيكشف للأهالي كما للرأي العام الدولي والمحلي الحقيقة كما هي من دون لف ومواربة؟ “تدويل الملف صعب جدا .فقيام لجنة تحقيق دولية يستوجب انعقاد مجلس الأمن كذلك الأمر بالنسبة إلى قيام محكمة دولية”. لكن حتما ثمة استثناءات.
وفي السياق يشير سعد إلى ” إمكانية تخطي مجلس الأمن كما جرى في إسبانيا في ملف محاكمة الديكتاتور التشيلي أوغسطو بينوشيه عام 1988 أو عندما تمت محاكمة آرييل شارون في بلجيكا لإحقاق الحق أو كما الحال عندما تدخلت الولايات المتحدة وأوقفت حاكم باناما العسكري مانويل نورييغا…”.
إذا إمكانية تدخل الدول متاحة وحتى الفاتيكان التي لم ولن توفر جهدا لمعرفة من قتل 230 لبنانيا في جريمة تفجير العصر في مرفأ بيروت”لكن هل يمكن أن تصوت روسيا في جلسة مجلس الأمن ضد إيران وبشار الأسد وهل يمكن أن تصوت الصين ضد مواقف وقرارات روسيا؟”. باختصار يختم الدكتور سعد “حقيقة ملف تفجير مرفأ بيروت لن تظهر وستبقى وصمة عار على قوس العدالة في لبنان”.