استياء في بكركي من ميقاتي!
كتب سعد الياس في “القدس العربي”:
إذا كان موقف كل من البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي المحذّر من إفراغ المناصب المارونية والمسيحية لانتزاعها بالأمر الواقع وموقف رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بإعادة النظر بتركيبة الدولة للتخلّص من «سلبطة» حزب الله خدشا الشعور الوطني لبعض الفئات اللبنانية التي ردّ بعض قادتها السياسية والروحية بنفي أي تهديد للوجود المسيحي وللشراكة الوطنية، إلا أن أوساطاً مسيحية لفتت إلى أن موقفي الراعي وجعجع كانا أصدق تعبير عن النقطة التي أفاضت الكأس وهي تعطيل الاستحقاق الرئاسي والاجتهادات التي تحصل حول نصاب الانتخاب بالثلثين لإفشال الانتخاب واستدراج الكتل النيابية السيادية والمعارضة إلى انتخاب الرئيس المدعوم من قوى الممانعة أو في أحسن الأحوال انتخاب رئيس تسوية يشكّل امتداداً للأزمة.
وتستغرب الأوساط أن تُطرَح دائماً التسوية في انتخابات رئاسة الجمهورية وأن يُقال إن رئيس الجمهورية يجب أن يكون له بُعد وطني إسلامي وليس فقط مسيحياً، بينما في انتخابات رئاسة مجلس النواب لا يتكلم أحد عن رئيس للمجلس له بُعد وطني وليس فقط شيعياً فيُنتخب بالنصف زائداً واحد من أصل 128 نائباً، كذلك في تسمية الرئيس المكلّف بتشكيل الحكومة لا يطعن أحد بالنتيجة التي آلت إليها استشارات التكليف لتسمية الرئيس نجيب ميقاتي مثلاً بـ54 صوتاً فقط أي بأقل من نصف عدد أعضاء مجلس النواب وفي غياب أصوات الكتل المسيحية الوازنة.
وما يدعو إلى الاستغراب في بكركي وغيرها من المواقع المسيحية هو الانقلاب على الوعود بعدم استفزاز المكوّن المسيحي بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون وخصوصاً من قبل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مدعوماً من الثنائي الشيعي، ومبادرته إلى دعوة مجلس الوزراء للانعقاد أكثر من مرة في ظل الشغور الرئاسي بحجة تلبية مطالب وحاجات الناس في وقت لم يبادر هو نفسه إلى دعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد قبل انتهاء ولاية عون.
والمثير للاستغراب أكثر هو كيف تخلّى الرئيس ميقاتي عن «ثوب الحمل» الذي كان يزور به بكركي لطمأنة البطريرك الراعي حول مرحلة ما بعد انتهاء الولاية وإلى عدم وجود مصلحة بتأليف حكومة أولاً لأن الأولوية هي لانتخاب الرئيس، وثانياً بذريعة أن الفريق العوني يريد الاستئثار بمقاعدها الوزارية المسيحية، وأنه أبعد ما يكون عن الطائفية ولن يسمح بأي شرذمة وأي استفزاز للمسيحيين من خلال عقد جلسات لمجلس الوزراء إلا في حالات استثنائية. لكن ميقاتي نسي وعوده والتزاماته ليس فقط أمام البطريرك بل أمام الكتل النيابية في ساحة النجمة لدى تلاوة ومناقشة رسالة الرئيس السابق ميشال عون، فدأب بعد مرور شهر فقط على الفراغ الرئاسي على دعوة مجلس الوزراء رغم الشغور في سدة الرئاسة وغياب الشريك الدستوري. الأمر الذي جعل البعض يقتنع متأخراً بما ورد في رسالة الرئيس عون إلى مجلس النواب بإعلانه «أن الرئيس المكلف الذي يرفض تأليف حكومة جديدة بقرار سياسي منه، يؤبّد حالة التصريف ويفاقم الفراغ فراغاً ويسطو على رئاسة الجمهورية، وهي معقودة بميثاق العيش المشترك لسواه، مراهناً على ممارسة صلاحياتها في حين ان المادة 62 من الدستور تنيطها وكالة بمجلس الوزراء حين خلو سدتها لأي علّة كانت، وحكومة تصريف الأعمال بالمعنى الضيّق تستحيل عليها هذه الممارسة وهي التي لا تمارس أصالة كامل اختصاصها الدستوري!».
وفي ضوء ما تثيره جلسات مجلس الوزراء من فوضى دستورية وميثاقية وأعراف في غير محلها، تمنى البعض لو لم يلتزم الرئيس عون بنصوص الدستور ولم يغادر قصر بعبدا في نهاية ولايته طالما أنه قادر بحسب الاجتهادات الدستورية على الاحتفاظ استثنائياً بموقعه، ليدير المرفق العام بما أن مجلس الوزراء غير قائم ليتولى صلاحيات الرئيس وكالة وطالما لا يجري احترام الالتزامات والميثاق والشراكة الوطنية وطالما يمارس رئيس حكومة مستقيلة غير مكتملة الأوصاف الدستورية صلاحيات لا يستطيع توليها مَن انحصرت دائرة اختصاصه بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال. وهذا يفسّر بيان مجلس المطارنة الموارنة غير المسبوق الذي رغم العلاقة الطيبة بين بكركي والرئيس ميقاتي وجّه سهامه في اتجاهه قائلاً «لا يحق لرئيس الحكومة المستقيلة أن يدعو المجلس للانعقاد من دون موافقة الوزراء، ولا يحق له أن يصدر مراسيم ويوقعها من دون توقيع جميع الوزراء، عملًا بالمادة 62 من الدستور». واللافت أن الرئيس ميقاتي لم يتوان عن الرد على بيان بكركي من خلال موقعه الإلكتروني، سائلاً «هل دور بكركي أن تطلق شرارة حرب التفسيرات الدستورية التي ستفتح أبواب جهنم على الجميع وستستتبع حتماً بردات فعل مقابلة وتفسيرات دستورية مضادة» منتقداً «التباكي على الفراغ في سدة الرئاسة وفي المناصب المارونية خصوصاً» واعتبر «أن رمي المسؤولية على الآخرين، لم يعد يفيد، والمشكلة الأساسية في الموضوع الرئاسي مارونية بامتياز، وتتحمل مسؤوليتها القيادات المارونية المتخاصمة كافة والمنقسمة على نفسها».
وعلى هذا الكلام، لا ترغب مصادر كنسية بالرد لكنها تستهجن التناقض في الحديث تارة عن إلقاء مسؤولية الفراغ الرئاسي على القيادات المارونية بسبب عدم اتفاقها على مرشح من جهة والحديث طوراً أن الانتخابات الرئاسية ليست استحقاقاً مارونياً ينحصر بالموارنة فقط بل هي استحقاق وطني يشارك فيه جميع اللبنانيين.