عبد اللهيان في بيروت… هل يُفتح جدار في الازمة؟
لا توحش الرأسمالية، ولا قساوة الشيوعية، ولا بطش الديكتاتورية، ولا مغالاة التوتاليتارية، تسمح بمثل هذا الاستهتار الحاصل بغالبية اللبنانيين، الذين باتوا في واقع “نيروني”، يرزحون فيه تحت نير ذل الذين اقترعوا لهم بأنفسهم عام ٢٠١٨ ثم عززوهم عام ٢.٢٢.
عادة وحوش الانظمة، يتركون شعوبهم تعيش بالحد الأدنى، لكن في لبنان الآن، بلغت الأوضاع المعيشية المذلة، ما هو أعمق من الدرك، ولا تظهر قرارة لسعر صرف الدولار… والذين يُطلق عليم ألقاب رؤساء أحزاب أو زعماء على الناس المقترعين، هؤلاء، لا يرون في الناس سوى الوقود لمصالحهم اكثر من اي وقت مضى.. ان هؤلاء، منهم من يسأل عن تطبيق الدستور، ومنهم من يسأل عن دستورية التطبيق، ومنهم من يفتش ويبحث ويمحص، في ثغرات القوانين والدستور، من أجل تبرير تطبيقها، او تبرير عدم تطبيقها، كلّ على هواه، أو بعضهم من أجل تفجير اي انتظام مؤسساتي، انطلاقا من تفجير تحاقدهم وتناكدهم وعقدهم النفسية، وخبث نفوسهم ونتانة أنفاسهم، ومصالحهم الضيقة الخاصة الشخصية…
إنهم لا يتفقون على اسمين، او على اسم، او ثلاثة، لخوض الانتخاب الرئاسي، إنهم ايضا لا يذهبون الى حوار، انهم لا يذهبون الى نصف حوار، انهم لا يتوافقون على موقف، يحافظ على هيبة الاستحقاق الانتخابي الرئاسي، كي يبقى للكرسي الرئاسي هيبة وشخصية… إنهم لا ينتهجون الحد الادنى من نهج رجالات الدولة والوطن و”القضية”، والسياسيين ما قبل ١٩٩٠، عندما كان عدد من هؤلاء رجالات الدولة، كما القضية، ومهما تنازعوا او تقاتلوا او تصارعوا او تناحروا، الا أنهم في الأوضاع الحرجة والحساسة والاستحقاقية، كانوا يركنون الى موقف سياسي واحد موحد، يعزز تاريخ لبنان المشع، ويجانب تاريخ لبنان القاتم، ويحصن “روحية القضية ونضالاتها”، وفي شكل، يضمن الكرامة والعزة والصمود …
أما بلبنان اليوم، وحيث الدولار اشرأب نحو درجة الخمسين ألفا، فإن المعنيين بانتخاب أول موقع في الدولة، بانتخاب رئيس للجمهورية أولا، والمعنيين بإدارة البلاد، والمعنيين بعيش العباد، والقيّمين على السياسة ومتفرعاتها، هؤلاء لا جفن لهم يرف، حيال مذلة الناس، لا بل يتلهون بالمناكفات، كما بمناسبات وجولات وحركات خفيفة، وبإطلاق مواقف، لتمرير الوقت الى ما شاء الله، وليس فقط حتى حلول الجلسة الرقم ١١ الخميس المقبل لانتخاب رئيس لجمهورية لبنان… إنهم يحرقون الوقت، ويحرقون ما تبقى من كرامة الناس، ويحرقون ما تبقى من لبنان الحديث الذي عرفناه.
لكن الرجاء لا يزال موجودا، بأن يعود لبنان منارة المنطقة في أي لحظة تعود فيها المؤسسات الى الانتظام بدءا بانتخاب رئيس للجمهورية كمفتاح- تسوية أو تسوية- مفتاح، تعيد الامور تدريجا، ثم يغتنم اللبنانيون ثرواتهم الجديدة، وابداعاتهم المتجددة وووو.
لكن هذا الرجاء على ما يبدو، بات مركوناً الآن، فقط وكليا هذه المرة، الى ما يمكن أن يوفره الخارج، حيث وعلى رغم التقليل من الأهمية، يتصاعد داخليا ترقب الاتصالات الخارجية ذات الصلة بلبنان، وفي اتجاهات عدة، سعودية، قطرية، مصرية، ايرانية، وعبر القنوات الفرنسية وسواها، بهدف تأمين الأجواء الخارجية – الداخلية الملائمة لضمان الانتخاب الرئاسي ثم فتح جدار في الأزمة… واذا كانت زيارة وزير الخارجية الايرانية حسين امير عبد اللهيان للبنان، بدت وكأنها حجر ملوّن، حرّك مياه الأزمة اللبنانية، إلا أن دوائر هذه المياه، لاحظتها جيدا الدوائر الخارجية. ومن البديهي، أن تندفع هذه الدائرة الغربية والاقليمية في شكل أقوى، نحو تعزيز الاتصالات والمساعي في شأن لبنان.