إقتصادمحليات

التدخل الأوروبي المباشر في التحقيقات المالية.. هل يؤدي إلى خضة أمنية؟!

جاء في الديار:

تتخوّف العديد من الشخصيات السياسية من زيارة وفد أوروبي يضمّ مُحققين وقضاة إلى بيروت في الأسبوع الثاني من كانون الثاني 2023، والذي سيُحقّق مع شخصيات مصرفية ومالية منها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ووزير المال يوسف خليل (بحكم منصبه السابق كمدير للعمليات في مصرف لبنان) وأصحاب مصارف ونواب الحاكم الخمسة ورئيس الدائرة القانونية في المصرف المركزي ولجنة الرقابة على المصارف.

هذا التخوّف مُبرّر من باب أنه لا يأتي في إطار تعاون قضائي بحت كما نصّت عليه مُعاهدة مكافحة الفساد والتي وقّع عليها لبنان في الثاني والعشرين من نيسان 2009، حيث هناك إلزامية على القضاء اللبناني بتأمين وتنفيذ المطالب القضائية للدول الموقّعة على المُعاهدة بمجرّد إبراز مستندات قضائية من الدولة أو الدول صاحبة المطالب.

وبحسب المعلومات المتوافرة، فقد أخطر الوفد الأوروبي السلطات القضائية عبر القنوات الرسمية اللبنانية عن قدومه إلى لبنان لإجراء تحقيقات مع لائحة من الشخصيات المالية والمصرفية من دون تفاصيل عن تواريخ التحقيقات أو أين ستجّري أو إذا كان مسموحًا لقضاة لبنانيين بحضورها. وهو أمر إعتبره البعض خرقًا للسيادة اللبنانية بكل أبعادها.

وبفرضية أن هذا يعتبر خرقًا للسيادة الوطنية، هل يُمكن للبنان رفض إستقبال هذا الوفد؟ الجواب بالطبع نعم، لكن لهذا الرفض تداعيات سلبية هائلة لا يُمكن للبنان تحمّلها ولعل أهمّها العقوبات الأوروبية وإستطرادًا الدولية على لبنان من خلال مثلًا إصدار مذكرات توقيف بحق مسؤولين لبنانيين سواء كانوا شخصيات سياسية أو قضائية، بالإضافة إلى عقوبات تطال منع الإستيراد من الدول الأوروبية أو دول أخرى وهو ما يجعل من لبنان الدولة الأكثر فقرًا في العالم.

الجدير ذكره أن لبنان وقّع على معاهدة مكافحة الفساد للأمم المتحدة بالإضافة إلى عشرات المعاهدات المبرمة بينه وبين الإتحاد الأوروبي والتي تفوق قوّة القانون اللبناني، وبالتالي هو مُلزم قانونًا عدم رفض التعاون.

قانونيًا، ينطلق الأوروبيون من حجّة أن جرائم مالية أُرتكبت على أراضيها من قبل مواطنيين لبنانيين، وبالتالي لها الحق في التحقيق في هذا الأمر، وبالتالي لا يُمكن للبنان رفض قدوم هذا الوفد خصوصًا أنه وبحسب المعلومات هناك رضى أميركي ضمّني، وإلا لما تجرأ الأوروبيون على أخذ هكذا خطوة.

لكن في العمق المخاوف تأتي من مكان أخر وإليكم الأسباب:

يتخوّف السياسيون من أن تذهب قضية التحقيق مع الشخصيات ويتمّ ملاحقة مسؤولين سياسيين تعاقبوا على الحكم من تسعينات القرن الماضي. وهذا الأمر لا يُعجب الكثيرين حيث يظن البعض، خصوصًا حلفاء التيار الوطني الحرّ وبعض نوابه، أن فريق التيار الوطني الحرّ الذي عمل على تقديم شكاوى بحق حاكم المركزي في كل الدول الأوروبية حيث له مناصرون يحملون جنسيات هذه الدولّ، تسرّع في هذا الأمر من دون أن يحسب حساب أن التحقيقات قد تطال قطاع الكهرباء والإتصالات ولكن أيضًا الجمارك وغيرها من الملفات التي قد تُطيح بالعديد من الرؤوس. وبالتالي وعملًا بمعاهدة مُكافحة الفساد، فإن هؤلاء المسؤولين سيتمّ ملاحقتهم في كل دول العالم.

يتخوّف أيضًا البعض من أن تنسحب التحقيقات في الملف المالي لتطال التحقيق في قضية تفجير مرفأ بيروت حيث ذهب مئات الضحايا وآلاف الجرحى ومنهم يحملون الجنسية الأوروبية على مثال زوجة السفير الهولندي في بيروت. وبالتالي فإن السماح للوفد الأوروبي بالتحقيق المالي يفتح الطريق أمام تحقيق أوروبي أخر في ملف تفجير المرفأ وهو أمر ترفضه العديد من القوى السياسية بحجّة المخاوف من تسييس التحقيق وهو ما قد يؤدّي إلى تطورات لا تُحمد عقباها!

إذا وبما أن لبنان الرسمي لا يُمكنه رفض قدوم الوفد الأوروبي للأسباب الآنفة الذكر، وبما أنه هناك مخاطر من أن يذهب التحقيق بعيدًا وهو ما يُشكّل تعديًلا كبيرًا في المشهد اللبناني، هناك سيناريوهان يُمكن طرحهما من باب الإحتمالات:

أولًا – أن يكون هناك تزامن بين خضّة أمنية يتمّ إفتعالها وبين قدوم الوفد الأوروبي وهو ما سيؤدّي حكمًا إلى تأخير قدوم الوفد إلى وقتٍ لاحق؛

ثانيًا – أن يكون هناك محاولات إغتيال بحق شخصيات سيتم التحقيق معها على غرار ما حصل مع قائد القوات اللبنانية إيلي حبيقة الذي إغتيل قبل يومين من ذهابه إلى أوروبا للإدلاء بشهادته حول مجاز صبرا وشاتيلا؛ وهنا السؤال: هل ستسمح الأجهزة الأمنية والجيش بهكذا أمر؟

الجواب مُرتبط بعوامل سياسية وحسابات شخصية لن ندخل في تفاصيلها بل نترك الأمر للقارئ، لكن يتوجّب الذكر أن الأجهزة الإستخباراتية في القوى العسكرية والأمنية تعرف جيدًا هذه السيناريوهات وبالتالي الأمر منوط بقيادتها لمنع مثل هذا التطور الأمني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى