عداد الإيدز في لبنان يرتفع… فهل من داعٍ للهلع؟
حزيران من العام 1981… إنّه ذلك التاريخ المشؤوم الذي استيقظ فيه العالم على كابوس أثار رعب ملايين البشر في شتّى بقاع الأرض؛ فقد تمّ الإعلان عن ظهور أولى الإصابات بمرض “نقص المناعة المكتسبة”، الذي أُطلق عليه في العام 1982 مرض “الإيدز”. وفي العام 1983، اكتُشف سبب الداء، وهو فيروس نقص المناعة البشرية.
منذ بداية تفشّي الوباء، أصيب به ما يُقارب الـ84.2 مليون إنسان، وتوفّي ما يُقارب الـ38.4 مليوناً بأمراض مرتبطة بالإيدز.
ما هو الإيدز؟
هو مرض مزمن يُسببه فيروس يُطلق عليه فيروس نقص المناعة البشريّة (HIV)، ويُصيب خلايا CD4، فيؤدّي إلى تدميرها، وهي نوع من خلايا الدّم البيضاء المسؤولة عن الجهاز المناعيّ.
يتطوّر المرض لدى المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية (HIV) إلى الإيدز عندما يقلّ عدد خلايا CD4 في الدم عن 200 خليّة.
ينتقل فيروس نقص المناعة البشرية (HIV) عن طريق الدّم وسوائل الجسم كالسائل المنوي لدى الرجل، والإفرازات المهبليّة لدى المرأة.
أرقام #لبنان لا تبشرّ بالخير… فأين لبنان من مرض نقص المناعة؟
سجّل لبنان أول إصابة بالفيروس في العام 1984، وبعد خمس سنوات أنشأ برنامجاً مشتركاً بين وزارة الصحة العامة ومنظّمة الصحة العالمية أطلق عليه “البرنامج الوطني لمكافحة #السيدا”.
في خضم الأزمات التي يعيشها البلد، وأثّرت بشكل كبير على قطاع الصحّة والأدوية؛ وبعد ورود معلومات عن انقطاع اختبار فحص المناعة السريع من الصيدليّات، كان لا بدّ من الاطلاع على وضع الفيروس ومدى انتشاره، فأجرت “النهار” مجموعة من الاتصالات بعدد كبير من الصيدليّات الموجودة في بيروت للتأكّد من صحّة المعلومات، ليتبيّن أنَّ أغلبها ليس لديها الفحص، وتفتقد إلى أيّ تبرير للأمر الذي طرح الكثير من التساؤلات.
وللاستفسار عن سبب انقطاع اختبار الفحص تمّ التواصل عدّة مرات مع نقابة الصيادلة، التي أوضحت أنَّها لا تملك أدنى فكرة عن الموضوع.
انقطاع الفحص لا يبشّر أبداً بالخير، خاصّةً أن هناك فئة كبيرة من المجتمع اللبناني لا تزال ترى أنَّ الإصابة بفيروس نقص المناعة وصمة عار على جبين المُصاب، بل منهم مَن يفضّل الحفاظ على سريّة هذه المعلومات. من هنا ضرورة توافر اختبار الفحص في الصيدليّات.
“النهار” تواصلت مع جمعية العناية الصحية للتنمية المجتمعية الشاملة “sidc” التي أطلعتنا على وضع الفيروس في لبنان ومدى انتشاره.
يعتبر الأول من شهر كانون الأول يوماً عالمياً لمصابي الإيدز، يصدر فيه البرنامج الوطنيّ لمكافحة الإيدز إحصائيات سنويّة تتعلّق بأعداد المصابين. وبحسب هذه الإحصائية بلغ العدد التراكمي للإصابات 3108 إصابة، أمّا الحالات التي سجّلت في العام 2022 فقد بلغت 181 إصابة، 92 في المئة منها من الذكور.
وأشارت المتحدّثة باسم الجمعية إلى أنّه – بحسب الإحصائيّات الصادرة عن البرنامج – 87،4 في المئة من المصابين هم من مثليّي الجنس.
أما عن كيفية انتقال الإصابات، فالظاهر أنها تتمّ عبر علاقات جنسيّة غير محميّة إذ بلغت نسبة المصابين 99،55 في المئة.
والجدير ذكره أنَّ هذه النّسب غير دقيقة، لأن هناك حالات غير مسجّلة في وزارة الصحّة، خاصّةً في ظلّ انعدام الثقافة الجنسيّة لدى البعض، الذين يعتبرون الفيروس وصمة عار.
غلطة الشاطر بألف… خوف، اكتئاب ونكران هكذا كانت البداية!
قبل أن يبدأ حديثه، يصرّ الناشط في مجال التوعية بفيروس نقص المناعة على عدم الكشف عن هٌُويّته لأن معاناته تُعتبر آفة غير مقبولة من قبل المجتمع الذي سيرفضه تلقائيّاً.
بصوت منخفض يبدأ المصاب حديثه…. لقد كانت البداية منذ 12 عاماً. لم أشعر بأيّة أعراض، بل كان اكتشاف الفيروس عن طريق الصدفة خلال قيام جمعية “sidc” بحملة توعية وفحوصات مجانيّة. لقد تم أخذ العيّنة، وهنا كانت الصدمة!
نفس عميق…”لا شكّ في أن الصدمة كانت قوية ومخيفة في بداية الأمر، لأنّني وجدت نفسي أمام واقع قاسٍ ومجهول. لا أكذب إن قلت إنّني عشت فترةً بحالة من الخوف والاكتئاب والنكران، لكنّني قرّرت المقاومة وعدم الاستسلام”.
يضيف “بدأت بتوسيع معرفتي بهذا الفيروس من خلال القراءة عبر الإنترنت عن أسباب الإصابة به وأعراضه وطرق معالجته، وكان للجمعية دور كبير في هذا الأمر، فهي كانت أول الحاضنين لي”.
ويوضح بأن “الفترة الأولى من العلاج لم تكن سهلة، خاصةً أنَّ عائلتي لم تكن تعلم بما حلَّ بي. وبعد فترة من الوقت، ومع بداية العلاج، قرّرت أن أخبر أخي لأنَّ الدواء كان يجب أن يبقى محفوظاً في الثلاجة. تفاجأت بردّة فعله، وبتقبّله، وبمدى درايته ومعرفته بالفيروس؛ الأمر الذي هوّن عليَّ الكثير من الجانب النفسيّ وأعطاني دافعاً للمتابعة”.
يؤكّد المصاب: “لم تتغيّر حياتي كثيراً على الصعيد الاجتماعي لأنني حافظت على سريّة هذا الأمر. أما على الصعيد الجنسيّ فجُلّ ما تغيّر هو اتّباع المزيد من الوقاية والاحتياطات لجهتي وجهة الشريك”.
لا يجزم المصاب بمعرفته بسبب انتقال الفيروس إليه، لكونه زار أحد أطباء الأسنان خارج العيادة، ممّا يطرح احتمال انتقال الفيروس من الأدوات الطبيّة،كما يطرح إمكانية انتقاله جنسيّاً، مع العلم أنّه لا يذكر إقامته علاقات جنسية غير محميّة، فهو يقول إن غلطة الشاطر بألف”.
وشدّد على أنَّ الدعم النفسيّ هو أكثر ما يحتاجه مريض السيدا لتخطّي المرحلة الأولى من معرفته بأنّه مصاب إلى حين التأقلم مع وضعه الصحيّ والتعايش مع الفيروس.
ويختم كلامه بتوجيه النصيحة إلى جميع الشباب لأخذ الحيطة والحذر في أثناء نشاطاتهم الجنسيّة أو أي نشاط محتمل لانتقال العدوى بفيروس HIV.
بروتوكول العلاج في لبنان
عند شعور أيّ شخص بضرورة خضوعه لفحص نقص المناعة، يُمكنه التوجّه إلى إحدى الجمعيّات المتخصّصة، ليتمّ إجراء الفحص الطبيّ له.
وإذا تبيّن أن الفحص إيجابيّ، بمعنى أنّه مصاب، يُبلّغ البرنامج الوطنيّ لمكافحة الإيدز بالحالة، ليخضع مرّة أخرى لفحص تأكيديّ، ثمّ تجرى فحوصات دورية كلّ ستة أشهر لمتابعة حالة المتعايش مع المرض ومدى انتشار الفيروس في جسده.
يكفل القانون لكلّ مَن اكتشف إصابته بالإيدز في لبنان تلقّي العلاج مجّانًا، بما في ذلك المتابعة الدوريّة لحالته. ويشمل ذلك كافة الجنسيات، بالتعاون مع منظمة الهجرة الدولية.
تُقدّم الخدمات إمّا بصورة مباشرة في مراكز البرنامج الوطني والجمعيات العاملة على مكافحة الإيدز، أو بوساطة موظّفين اجتماعيّين يقصدون أماكن إقامة المصابين بالمرض.
كذلك هناك جمعيّات معنية بحملات التوعية والإرشاد، مثل جمعية العناية الصحيّة وغيرها…
وفي حديث مع “النهار”، رأى الدكتور بيار أبي حنا، رئيس قسم الأمراض الجرثومية في مستشفى رفيق الحريري، أنه بحسب الأرقام الأخيرة هناك ازدياد في عدد الحالات في لبنان، الأمر الذي يستدعي اهتماماً ومتابعة أكبر، خاصّةً أنَّ هذه الأرقام لا تمثّل كافة الإصابات الموجودة في البلد؛ فهناك أشخاص تتعايش مع الفيروس من دون معرفتهم بذلك، وهؤلاء يعتبرون من الأسباب الرئيسية لازدياد أعداد الحالات؛ لذا يحثّ أبي حنا الأشخاص الناشطين جنسياً على القيام بالفحص بشكل دوريّ كلّ 6 أشهر لحماية أنفسهم وشركائهم.
أما في حال ثبوت إصابة شخص ما بالفيروس، فالأمر ليس بالكارثة، إذ تعتبر العلاجات المتاحة اليوم والمتوافرة قادرة على تمكين الأشخاص من التعايش مع الإصابة، وبالتالي يمكن لهؤلاء أن يتابعوا حياتهم بشكل طبيعي كما يمكنهم الزواج؛ لذا لا بدّ من متابعة العلاج بشكل دقيق.
ولفت أبي حنا إلى أنه بالرغم من الأزمات التي تعصف بقطاع الصحة، فلا تزال الدولة تقدّم العلاجات اللازمة، وقسم كبير من الفحوصات بشكل مجانيّ.
أما على الصعيد الاجتماعي، فيقول أبي حنا إنَّ قسماً كبيراً من المصابين متجاوبين مع العلاج، إذ الناس لم يعودوا يخشون الفيروس كما في السابق، خصوصاً اليوم، في ظلّ وجود العلاجات، من دون أن ينفي ضرورة أن يأخذ المرء احتياطاته.
محمد بزّي