لا يُمكن أبداً توقع أي سقفٍ لسعر الدولار في السوق المُوازية، وذلك بعدما تجاوز، أمس الإثنين، حدود الـ48 ألف ليرة. حقاً، المشهدُ بات مألوفاً وليس مُفاجئاً، فبالنسبة لمعظم الخبراء، فإنّ أمر ارتفاع الدولار كان مُتوقعاً، والسعر الذي لامسته العملة الخضراء خلال الساعات الماضية كانَ مُراهناً عليه مطلع العام 2022 وليس في نهايته. إلا أنّه ومع التدخلات الجزئية والموضعيّة التي فعلها مصرف لبنان على خطّ سعر الصرف، كان الهبوطُ حاضراً ولو بشكلٍ طفيف، إلا أنّ المعالجة الفعلية لم تتحقق.
ما لا يُمكن نفيهُ أبداً هو أنّ السعر الذي وصل إليه الدولار لا يرتبطُ بعوامل ثابتة ومُحدّدة، بل يتصلُ بالكثير من الأمور التي ساهمت وستُساهم بارتفاعه، وبلوغه أرقاماً قياسيّة جديدة. هنا، تقولُ مصادر اقتصادية لـ“لبنان24” إنّ ارتفاع حجم طباعة الليرة كان عاملاً مُساهماً في ارتفاع سعر الدولار، موضحة أنّ “هذا الأمر ليس جديداً، لكنه ازداد في الفترة الأخيرة، وبات حجم الكتلة النقدية بالليرة في السوق كبيراً جداً، إذ تجاوز الـ74 تريليون ليرة لبنانية”، وتضيف: “أما العوامل الأخرى فترتبطُ بتحوّل الكثير من القطاعات نحو الدولار، الأمر الذي زاد الطلب عليه وسط نقص المعروض، ما يعني أنّ السعر في هذه الحالة سيشهدُ ارتفاعاً وسط النُّدرة القائمة”.
ماذا جرى في سوق الدولار قبل فترة الأعياد؟
عملياً، فإنّ كل ما يجري على صعيد سوق الدولار، وما يمكن طرحه من عوامل اقتصادية، لا ينفي أبداً حجم المُضاربات التي حصلت. فمن يُراقب حجم المُداولات، سيرى أنّ هناك سيطرة لعناصر “غير منضبطة” على كل المشهد، إذ أنّ من يتحكّم بسوق الصرف هم تُجّارٌ لا يخضعون لأي قوانينَ تضبط عملهم، في حين أن المضاربات التي يقومون بها لا حدود لها.
اللافتُ في كل هذه المشهدية هو أنّ سعر الدولار لم يتلزمِ “الإستقرار” في فترة الأعياد، بل وصل إلى ذروة التصاعد خلالها. وإزاء ذلك، فإنّ ما ينكشف تماماً هو أنّ المُضاربات أثرت بشكل كبير على المداولات، وبالتالي تحقق الارتفاع المطلوب خدمةً لبعض الجهات وإتماماً للكثير من العمليات المشبوهة التي تجري داخل الحدود اللبنانية وخارجها.
قبل فترة الأعياد بأيام، كانت مشهدية الدولار مُختلفة عما هي قائمة اليوم، وبالأحرى فإنّ ارتفاع السعر نحو 6 آلاف ليرة “ضربة واحدة” ليس بريئاً، بل ارتبطَ بمعطيات حصلت في كواليس السوق. عن هذا الأمر، تكشفُ مصادر ناشطة في سوق الدّولار لـ“لبنان24” عن أنّ خلافات حادّة تصاعدت بين مجموعات من الصرافين خلال الأيام التي سبقت عطلة الأعياد، مشيرة إلى أنّ هذا الأمر كان سببهُ التّسابق على “تقسيم مناطق النفوذ” من جهة، وفي فرض التسعيرات العشوائية التي تستغل نُدرة العرض وزيادة الطلب.
بحسب المصادر، فإن هناك توقعات بأن تتصاعد حدّة الخلافات على جبهة الصرافين، محذرة من تكرار سيناريوهات أمنية في ما بينهم خلال الفترة المقبلة. ومع ذلك، فقد أشارت المصادر إلى أنّ الحملات الأمنية باتجاه الصرافين غير الشرعيين تحصل بين الحين والآخر، موضحة أن هناك مخاوف فعلية لدى “الصرافين الصغار” من إمكانية توقيفهم وتنصّل “الصرافين الكبار” منهم بلحظةٍ من اللحظات.
ماذا عن خطوات مصرف لبنان؟
ما يتبين هو أنّ هناك تلاعباً مقصوداً بسعر الصرف، والأساس فيه هو أنّ هناك محاولاتٍ لزيادة الضغط على السوق مع نهاية العام. أما في ما خصّ مصرف لبنان، فإن ما يتبين هو أنه ما من إمكانية لديه حالياً للجم هذا الارتفاع، لكنّ مصادر مالية رجّحت لـ“لبنان24” أن تكون هناك إجراءاتٌ جديدة من المصرف في وقتٍ قريب لتدارك الارتفاع، وبطبيعة الحال سيكون ذلك عبر منصّة “صيرفة”.
إلا أن المصادر عينها تحدثت عن مدى إمكانية تدخل المصرف في السوق حالياً، وقالت: “حاكم البنك المركزي رياض سلامة قال منذ فترة قصيرة أنه حاضرٌ للتدخل في السوق وفق الآليات التي يريدها، فلماذا لم يحصل ذلك في الوقت الراهن؟ متى سيتحقق هذا الأمر وما هو حجم ضخ الدولارات؟ المسألة تحتاجُ إلى انتظار، وأي صعودٍ حالي سيُقابله هبوطٌ وقد يكون الأمر قريباً جداً، إما خلال أيام أو خلال ساعات”.