هل يُستخدم الدولار للضغط السياسي؟
هناك «ستاتيكو» سياسي في لبنان ليس مرشحاً للتبدُّل في المدى المنظور. ففيما قوى المعارضة تتخبّط بخلافاتها وتعجز عن تحقيق أي خرق سياسي، فإن قوى السلطة من جهتها ليست قادرة على حسم الخيارات لمصلحتها نهائياً. ولذلك، يتوقّع العارفون أن يستمرّ «الستاتيكو» الحالي قائماً، إلى أن تطرأ عوامل أخرى من خارج المعادلة تسمح بإحداث تغيير
ولكن، فريق السلطة وحده يستطيع المراهنة على التغيير لأنه عملياً يحتكر الأوراق الضاغطة على الساحة. ومن هذه الأوراق، تحدّي الجميع بِعقد جلسات للحكومة المستقيلة وتسيير أمور البلد في غياب فريق معيَّن. وكذلك، الإصرار على إطلاق أعمال التشريع والرقابة في المجلس النيابي على رغم الفراغ الرئاسي.
لكن ورقة الضغط الأقوى ستكون الانزلاق نحو طبقة أكثر عمقاً في الانهيار المالي والاقتصادي والاحتقان الاجتماعي. فمع وصول الدولار إلى حافة الـ50 ألفاً، وتفاقم المأزق الاجتماعي لدى شرائح واسعة من اللبنانيين، الأرجح أنّ قوى السلطة ستلجأ إلى تحميل المعارضين مسؤولية الوضع، بتهمة عرقلة انتخاب رئيس للجمهورية وتعطيل الحُكم والتسويات السياسية.
فالفريق السياسي الذي يقاطع جلسات الحكومة، والفريق السياسي الذي يرفض تأمين النصاب لانتخاب رئيس الجمهورية الذي ترشّحه قوى السلطة، والقوى المصنفة تغييرية أو اعتراضية، ستصبح كلها تحت الضغط: فإما أن ترضخ للخيارات المفروضة عليها، وإما أن تتحمَّل المسؤولية عن تجويع الناس.
والمثير هو أنّ المسؤولين في الحكم والمعنيين بالنقد والمال لا يتحرّكون لوقف الصعود الدراماتيكي لسعر صرف الدولار في السوق السوداء كما اعتادوا أن يفعلوا في مراحل سابقة، مع علمهم بما يستتبع ذلك من أزمات اجتماعية خانقة. وفي العادة، يضخّ المصرف المركزي كميات كبيرة من الدولارات في السوق لضبط الدولار والحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار.
طبعاً، خبراء الاقتصاد يضعون مسألة الصعود الحالي للدولار في السياق الطبيعي المُنتظر مع تضخّم الكتلة النقدية بالليرة في السوق، نتيجة اقتراب استحقاقين: تمويل الكهرباء ورفع الدولار المصرفي من 8 آلاف ليرة إلى 15 ألفاً في أول شباط، ونتيجة رغبة الجهات المصرفية المعنية في الاستفادة من نحو مليار ونصف المليار دولار يُفترض أن يضخّها المغتربون والسيّاح في السوق خلال الأعياد
ولكن، هذا لا ينفي أن قوى السلطة تتصرف إزاء فلتان الدولار بلامبالاة غير مسبوقة، مع علمها بالمصاعب الاجتماعية القاسية التي سيتسبّب بها، والإرباكات التي سترافقها.
وثمة مَن يعتقد أنّ تراخي قوى السلطة المتعمَّد في ضبط السوق يهدف إلى ترك البلد ينزلق نحو احتقان اجتماعي وسياسي وربما أمني غير مسبوق، على أن يجري استثماره لاحقاً، في لحظة التسوية، للضغط على الخصوم وفرض خيارات معينة. وعلى الأرجح، ستظهر هذه الخيارات في حينها، وفي شكل مفاجئ.
طوني عيسى