لا حل إلاّ بعقد جلسات للحكومة “كلما دعت الحاجة”
انتهى اللقاء الوزاري التشاوري، الذي دعا إليه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في السراي الحكومي إلى تشكيل لجنة وزارية مؤلفة من أربعة قضاة سابقين، وهم: عباس الحلبي، وبسام المولويومحمد مرتضى وهنري خوري، وذلك للتوافق على آلية تؤمّن مخرجًا لأزمة يريد البعض استثمارها سياسيًا وتوظيفها في خانة ما يعتبره حفاظًا على صلاحيات رئيس الجمهورية، وحرصًا منه على “ميثاقية تُنتهك كل يوم”، على حدّ مزاعمه، بعدما أصبحت هذه الحجّة بمثابة “قميص عثمان” يستسهل هذا البعض “المتاجرة” بها في أسواق النخاسين، خصوصًا أن ليس لديه سوى هذه الحجة لإيهام الناس، الذين لا يزالون يصدّقون بعض الشعارات الرنانة، بأنه “ضحية” مؤامرات كبرى، أو أنه يتعرض لـ”حرب كونية”، وهو تعبير يستخدمه في كل مرّة يجد نفسه أمام مأزق إثبات صدقيته أمام ناسه وجمهوره.
هذه اللجنة اجتمعت مرّة واحدة وأخيرة في مكتب وزير التربية الوطنية ولم تتفق على أي شيء، لأن الوزير خوري كان مصرًّا على عدم جواز عقد جلسة حكومية ما لم يحضرها جميع الوزراء المفروض عليهم توقيع المراسيم وكالة عن رئيس الجمهورية. ولم يرَ لزومًا لعقد مثل هكذا جلسات والاستعاضة عنها بمراسيم جوالة. الوزراء القضاة الثلاثة لم يوافقوا على ما جاء على لسان زميلهم، لأنهم يعتبرون أن تسيير شؤون الناس الملحة والضرورية تبقى أهمّ من أي اعتبار آخر، خصوصًا في مثل هذه الضائقة التي يعيشها جميع اللبنانيين من دون استثناء. وهذه الضائقة تحتمّ على الحكومة تجاوز الاعتبارات التفصيلية والذهاب نحو خيارات إنقاذية للتخفيف قدر الإمكان من معاناة الناس اليومية.
ويرى بعض الخبراء في الدستور أن الانسان، الذي وضعت من أجله الدساتير والقوانين، هو أهمّ من كل هذا. فإذا فقد هذا الانسان مقومات وجوده فإن دساتير العالم كلها لا تعود تعني له شيئًا. ولكن هذا لا يعني أن الدستور غير مهم، ولا يجب بالتالي التقيّد بأحكامه، انما لهذا التقيّد أصول وأولويات. وهذا ما يجب أن يكون في رأس أولوية الاهتمامات اليومية للحكومة، من خلال عقدها لجلسات متتالية لاتخاذ القرارات الضرورية، التي تحتمها الظروف غير الطبيعية والاستثنائية التي تعيشها البلاد في ظل فراغ قد يكون أخطر من الفراغ الرئاسي، الذي تقع مسؤولية وضع حدّ له على عاتق أولئك الذين يعطّلون عملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
الوزراء الثلاثة، وهم من القضاة المشهود لهم، يؤيدون دعوة الحكومة للانعقاد كلما دعت الحاجة، وكلما كانت المصلحة الوطنية العامة تقتضي ذلك. ويكفي أن يؤمّن لهذه الجلسات نصاب الثلثين وليقاطع من يريد أن يقاطع، وليتحمّل مسؤولية هذه المقاطعة، وما يمكن أن ينتج عنها من أجواء سلبية قد يكون لتأثيراتها ضررًا كبيرًا على مستوى الوطن بأكمله، تمامًا كما هي عليه التأثيرات على عدم انتخاب رئيس للجمهورية.
فسياسة التعطيل هذه التي أصبحت ملاصقة لهذا الصنف من السياسيين لن تجدي، ولن تسهم في انتاج ما يمكن التخفيف عن كاهل المواطن، الذي لا همّ له هذه الأيام سوى البحث عن الطريقة التي تمكنه من تدبير أمره عشية الأعياد، حيث إن أسعار السلع الاستهلاكية الأكثر ضرورة تحّلق عاليًا في سباق محموم مع ارتفاع سعر الدولار الأميركي في السوق الموازية.
سئل شخص اشترى سلاحًا فرديًا: لماذا أقدمت على هذه الخطوة؟ فأجاب بأنه سيستعمله عند الضرورة وعندما تدعو الحاجة. وصودف أن بعض لصوص الليل دخلوا إلى منزله بهدف سرقته، وتمكّنوا من ذلك، لأنهم لم يجدوا من يردعهم عن القيام بهذا الأمر.
وعندما سئل هذا الشخص عن السبب الذي ردعه عن استعمال سلاحه لمنع اللصوص من سرقة منزله، قال لهم إنه حتمًا سيستعمله عندما تدعو الحاجة.
فهل هناك حاجة أكثر من حاجة الدفاع عن أملاكه الخاصة والزود عنها.
فالحاجة التي تحتمّ على الحكومة استعمال ما تملكه من “أسلحة” في مثل هذه الأيام أكثر من ملحّة وأكثر من ضرورية.