أثارت ممارسات بعض المصارف بحق موظفي القطاع العام بلبلة كبيرة بين موظفي وزارة الاتصالات والملحقين بهيئة أوجيرو، على خلفية تمنعها عن تسليمهم المساعدات المالية والاستشفائية “نقداً”، وإجبارهم على تصريف المبلغ عبر شراء المعلبات الغذائية من السوبر ماركت، أو بعض الأدوية من الصيدلية، عبر البطاقة المصرفية. فما حقيقة هذا الأمر؟
“ستتوقف المصارف عن تسليمكم أموال المساعدات المرضية والاستشفائية نقداً لعدم توفر السيولة”. جملة ترددت على مسامع موظفي وزارة الاتصالات والملحقين بهيئة أوجيرو منذ عدة أسابيع، من بعض العاملين في تعاونية موظفي الدولة، وهي محاولة منهم لإعلامهم بأن هذا القرار سيطبق “شئتم أم أبيتم”.
قرار استنسابي؟
مصادر “المدن” في تعاونية موظفي الدولة أكدت هذا الموضوع. كما ادعت أنه قرار صادر عن مصرف لبنان المركزي منذ آب الفائت، وبدأ يُطبق في بعض المصارف، وسيصار إلى اعتماده في جميع المصارف لاحقاً. سيما أنه سيشمل جميع المساعدات التي تقدم إلى موظفي القطاع العام، ما عدا منح التعليم التي ستبقى على حالها.
وأيضاً، حسب المصادر، لن يشمل جميع العاملين في القطاع العام. وهو في المرتبة الأولى يشمل موظفي وزارة الاتصالات مع بعض الاستثناءات. وفي حديث “المدن” مع موظف في وزارة الاتصالات ملحق بهيئة أوجيرو، والذي يتقاضى راتبه الشهري من مصرف عودة، أفاد أن أحد العاملين في تعاونية موظفي الدولة ردّد له عدة مرات بأن هذا القرار لن يشمله حالياً، على اعتبار أنه يتمتع بامتيازات. ما يعني أن هذا القرار سيطبق على بعض الموظفين، وسيختلف تطبيقه خلال هذه الفترة من مصرف إلى مصرف، وتبعاً لإدارة كل مصرف.
استياء الموظفين
هذا الأمر أحدث جدلاً واسعاً بين موظفي وزارة الاتصالات وتعاونية موظفي الدولة من جهة، وبين الموظفين والمصارف من جهة أخرى. واعتبروه قراراً مجحفاً بحق العملاء، داعين إلى عدم تطبيقه، على اعتبار أنهم ليسوا بحاجة إلى مواد غذائية بقدر حاجتهم إلى مبالغ نقدية لتأمين احتياجاتهم الشهرية. آخرون اعتبروا أن تطبيق هذا القرار يعني أن احتياجات اللبناني هي الغذاء والطبابة فقط، ومخطئ من يظن ذلك.
وفي حديث “المدن” مع موظف آخر في وزارة الاتصالات، عبّر عن استياءه من هذا الموضوع، مؤكداً أن تحويل المساعدات المرضية والاستشفائية إلى مواد غذائية سيؤدي إلى تفاقم الضائقة المادية على الموظفين. وتابع “لن نقبل أبداً بهذا القرار، كيف سأدفع إيجار منزلي الشهري؟ هل أعطي صاحب الشقة بعضاً من المواد الغذائية أو مسكّن لآلام الرأس؟”.
سامر (موظف آخر في وزارة الاتصالات وملحق بأوجيرو، 50 عاماً، متزوج ورب عائلة)، توجه إلى أحد فروع بنك الموارد ليسحب مبلغ 500 ألف ليرة لبنانية، وهي القيمة التي بقيت من راتبه الشهري. فأخبره موظف البنك بأنه لن يتسلم هذا المبلغ نقداً، طالباً منه استعمال البطاقة الائتمانية وتصريف المبلغ في التعاونية أو الصيدلية. لافتاً إلى أنه قرار إداري. وبطبيعة الحال، رفض سامر. وشرح لـ”المدن”: “أنا متضرر من تطبيق هذا القرار، لأن قرارات السوبر ماركت الجديدة لا تسمح بأن أدفع قيمة فاتورتي الشرائية عبر البطاقة الائتمانية، بل تخولني استعمال 50% فقط من البطاقة الائتمانية”. ما يعني أن سامر سيستفيد بـ250 ألف ليرة من هذا المبلغ داخل التعاونية أو الصيدلية، أما باقي المبلغ فيجب دفعه نقداً. وبعد سجال مع موظفي المصرف، وبعد إصراره على الحصول على باقي راتبه نقداً، تراجع المصرف عن قراره واستلم سامر مبلغ 500 ألف ليرة نقداً”.
توضيح رسمي
وخلال متابعة “المدن”، تبيّن أن تعاونية موظفي الدولة على علم بمعاناة الموظفين داخل المصارف. فتواصلنا مع يحيى خميس، المدير العام لتعاونية موظفي الدولة، الذي اعتبر بأن هذه المشكلة ليست جديدة، بل بدأت تظهر المعاناة في تأخر المصارف عن تسليم الموظفين رواتبهم أو المساعدات الاستشفائية، طالبةً منهم شراء المواد الغذائية بدلاً من الحصول على الرواتب والمساعدات نقدياً. ولكثرة الشكاوى شددنا على ضرورة إعطاء الموظف راتبه من دون أي تأخير.
وتابع “إن هذه المشكلة لا تحصل دائماً بل نادراً وعالجناها، ولا علم لي إن كانت المصارف تحاول تطبيق هذا القرار، ولكنني أؤكد بأنه لا يحق لها أبداً، فمن حق الموظف استلام راتبه (وما يشمله من شطور مساعدات) نقداً وفي وقته المحدد. ولكن، للأسف لا سلطة لي على المصارف ولن أستطيع معالجة هذا المشكلة، فالمصارف تتعامل مع العملاء وفق أهوائها، وبالطرق التي تناسبها وتحلو لها”.
إذن، عدم وجود تعميم رسمي صادر عن مصرف لبنان، يدل على أن تعاونية موظفي الدولة ربما على علم مسبق بهذا التعميم، وتحاول تسريبه إلى موظفي وزارة الاتصالات لكي لا يتفاجأوا به لاحقاً، أو أنه قرار داخلي بين مصرف لبنان والمصارف ولم يعلن عنه رسمياً وأمام الإعلام تجنباً للبلبة التي سيحدثها.
ولا شك أنه كغيره من التعاميم، سيمارس بطريقة استنسابية بين عملاء المصرف الواحد من دون وجود معايير أساسية وواضحة في تعاطي المصارف مع العملاء، على أن يكون المتضرر الأول هو موظف القطاع العام.