“حزب الله” مُلزم بالإجابة وإلّا…؟
بعيداً عن انزعاج رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الذي رفض المزايدات في ملف مقتل الجندي الإيرلندي في “القوات الدولية” شون روني، متناسياً أنّ كلامه ووعود غيره من المسؤولين عن التحقيقات في حوادث معيّنة لم تصدق يوماً ولا قيمة لها، تتزايد التحليلات وتكثر معها الشائعات بشأن الاعتداء الدموي على “اليونيفيل”، ربما مُطلقها يقصد التخفيف من وقعها وتضليل هوية منفّذها.
هذا ما يلجأ إليه عادة أيّ حزب أو فريق منفّذ لجريمة اغتيال ما، إذ عادة ما يقوم بإنزال معطيات وإشاعة معلومات خاطئة على الحادثة موضوع الجريمة، وربط أسبابها بخلفيات تتناقض والحقيقة، للتخفيف من أهميّتها، إعلاميّاً ولدى الرأي العام المحلّي والدولي والسياسي، والأمثلة على ذلك كثيرة.
قد تكون جريمة الاعتداء على آلية تابعة للكتيبة الإيرلندية ومقتل جندي وجرح آخرين، إحدى هذه النماذج، التي يحاول المتّهم الخروج منها بالطريقة التقليدية. إذ شهدت هذه الجريمة ولا تزال بثّ كمّ هائل من الأخبار التي تتحدّث عن أسبابها ورسائلها ومن يقف خلفها، وهي تناقض حتى الساعة، الاستنتاجات والرواية الأمنية للفريق الإيرلندي الذي كلّف فريقاً مختصّاً يواكب التحقيقات في الحادثة، وهو على تواصل دائم مع الأمم المتحدة في هذا الإطار.
مع الإشارة إلى أن المعلومات تفيد بأنّ التحقيق الإيرلندي حتى الساعة يرفض فرضية “الأهالي”، وبالتالي عملية قتل بهذا الحجم لها أبعادها ولا يمكن الاستخفاف بها، وهي لا بدّ ناتجة عن عملية استخباراتية وأمنية مدبّرة وجاهزة خططها مسبقاً. في حين، نقلت معلومات صحافية أنّ الجندي أصيب برصاصتين من مسافة قريبة، والثانية كانت قاتلة، وهذا يعني بحسب مصدر أمني سابق أنّ العملية كانت محضّرة مسبقاً، والقتل حصل بطريقة احترافية ومتعمّدة.
الرواية الأمنية لا بدّ من الوصول إلى حيثياتها كاملة ومرتكزاتها كافة، أمّا إظهارها، فأمرٌ آخر، يعتمد بشكل مزدوج على عاملين، أوّلاً، إرادة المجتمع الدولي الذهاب بعيداً في التحقيقات، وثانياً، تماهي المصلحة السياسية مع هذه الإرادة، فيتمّ الإعلان عنها وتوجيه التهم. وبالتالي، لا شكّ أنّ الخلفيات السياسية الدولية والملفات الدولية الحسّاسة قد تُطرح من قريب او بعيد وستدخل في حسابات الإعلان عن نتائج التحقيق من عدمه. فيما داخلياً، لا رهان على السلطة اللبنانية الخاضعة بقضائها وسياستها واستراتيجيتها – اذا وجدت – لـ”#حزب الله”.
من هنا، فإنّ سلسلة أحداث يراكمها المراقبون تطرح كثيراً من علامات الاستفهام، سيكون “حزب الله” المسؤول الأول عن الإجابة عنها وتبريرها بشكل مقنع، بحسب ما يقول محللون.
أولاً، حادثة مقتل الجندي شون روني بالرصاص وانقلاب مركبته، وقعت في منطقة تخضع لنفوذ الثنائي الشيعي بالكامل. واذا كان الحديث عن أنّ المنطقة محسوبة سياسياً وشعبياً على حركة “أمل”، فهل هذا يعني أنّه ليس لـ”حزب الله” القدرة على التحرّك فيها؟
ثانياً، هل تحوّل الأهالي إلى “سرايا مقاومة” أخرى، ينفّذون ما يعجز “الحزب” عن تنفيذه تنظيميًّا بشكل معلن؟ وهل لدى “الأهالي” السلطة والصلاحية لإطلاق النار على دورية تابعة للقوات الدولية؟ وهل بات السلم الأهلي والأمن الداخلي مرهونين لما يريده “أهالي الحزب”؟ وهل علاقات لبنان الخارجية مع العالم أصبحت تُرسم في شوارع #العاقبية، و#بنت جبيل، و#شقرا و#الأولي؟
ثالثاً، كيف يفسّر “حزب الله” المعلومات التي ترددت عن انفصال موكب اليونيفيل إلى موكبين بعدما شعر بوجود ملاحقة أو كمين محضّر له؟
رابعاً، لماذا هذا الكمّ من الشائعات والأخبار المتناقضة عن الحادث؟
خامساً، كيف يُفترض أن يقرأ العالم والمواطنون تغريدة الشيخ صادق النابلسي المقرّب من “حزب الله”، وحديث العميد المتقاعد أمين حطيط القريب من الحزب” أيضاً؟
سادساً، اذا صحّ تورّط طرف فلسطيني بالاعتداء، نظراً لوجود مخيمات فلسطينية مجاورة في المنطقة، أليس من مصلحة “الحزب” الكشف عن الفاعل؟ وهل باتت بنية “حزب الله” الاستخباراتية بهذا السوء، لدرجة أنّها لا تقوم بعملها الأمني الاستباقي فتسمح لأيّ كان بخرق منطقة نفوذه لتنفيذ اعتداءات وأعمال أمنية مشبوهة تورطّه بها؟
سابعاً، لماذا التعتيم القضائيّ وأين أصبحت التحقيقات؟ وأين دور الجيش الغائب أو المغيّب؟
ثامناً والأهمّ، من المستفيد ومن لديه القدرة على القيام بهكذا اغتيال، على ما يبدو، منظّم جداً؟
من ضمن المعلومات المرجّحة، أنّ “حزب الله” أراد إيصال رسالة، لكن قد يكون انزلق وتورّط بحادث لم يرده بهذا الحجم. وفي الحالتين، فإنّ “حزب الله” في السياسة، حتى الآن، هو المتّهم الأول والأخير، إلى أن تتضح التحقيقات القضائية والأمنية الدولية في هذا الإطار، إذ في أجندته الكثير الكثير من عمليات اغتيال لمفكرين وقادة وزعماء وسياسيين، وحتّى لقوات دولية و”مارينز”.